يختبئ في عالم من السرية

غش الذهب في مصر.. القصة الكاملة

كتب: سلوى يوسف

فى: أخبار مصر

15:15 23 أكتوبر 2016

رغم أن الحديث حول الارتفاعات الجنونية في أسعار الذهب يستحوذ على اهتمام المواطن المصري منذ عدة أشهر، إلا أن ظاهرة غش الذهب وما كثر حولها من أحاديث والأوقايل الفترة الأخيرة جاءت لتخطف تركيز المستهلك وقلقه في الوقت نفسه.

 

تجار وصناع للذهب أكدوا لـ"مصر العربية" أن ظاهرة غش الذهب وبيع مشغولات ذهبية مغشوشة للمستهلك موجودة بالفعل، إلا أن حجم انتشارها ومدى استحواذها على الذهب المعروض بالأسواق يصعب تحديده بدقة، وذلك لعدم وجود أي احصائيات رسمية حول الظاهرة حتى الآن.

 

كما أن هناك تباينا في تصورات التجار والصناع - الاجتهادية - حول تحديدها، فمنهم من اعتبرها تصل لـ 90 % من حجم السوق، ومنهم من قال إنها لا تتجاوز 1 % فقط منه ولا يقوم بها إلا قلة ضئيلة من ضعاف النفوس من الصناع وأصحاب الورش.

 

غير أنهم كشفوا عن ميثاق شرف "سري" بين جميع تجار وصناع الذهب في مصر، لعدم الكشف عن الذهب المغشوش حال التعرض إليه، وأن يتم التعامل معه بشكل طبيعي دون فضح الأمر، وذلك لعدم إثارة البلبة والقلق حول القطاع بما لا يسيء لسمعته محليا وتصديريا ومن ثم مبيعاته.

 

متى بدأ غش الذهب في مصر؟

متى وكيف بدأ غش الذهب في مصر، وما هي أنواع غش الذهب، وكيف يتجنب المستهلك الوقوع في فخ شراء ذهب مغشوش، أسئلة تشغل ذهن المستهلك.. ويجيب عنها التحقيق التالي:


نادي نجيب، سكرتير شعبة تجار المشغولات الذهبية بغرفة القاهرة التجارية (صاحب محل للمشغولات الذهبية) قال إنه بالفعل يوجد بعض حالات غش الذهب بالأسواق المحلية، إلا أنها محدودة للغاية، فيقوم بها ضعاف النفوس من الصناع وأصحاب الورش وهم قلة بمجتمع صناعة الذهب.

 

وعن تاريخ غش الذهب ومتي وكيف بدأ، كشف نجيب، في تصريحات لـ "مصر العربية"، أن البداية الحقيقية لأولى محاولات غش الذهب كانت عام 1991 ، وذلك بعد قرار مصلحة الضرائب، بتحصيل ضريبة المبيعات على المشغولات الذهبية عند دمغ الذهب بمصلحة الدمغة والموازين، حيث كان ذلك بمباثة مزيد من العبء والثقل على تجار وصناع الذهب، خاصة وأن قيمة ضريبة المبيعات كانت تقدر وقتها بنحو ألف جنيه على كل كيلو ذهب، الأمر دفع البعض منهم لتقليد الدمغة للتهرب من دفع الضرائب، وهو ما يمثل أولى محاولات غش الذهب.

 

 أنواع غش الذهب

وعن كيفية تقليد ختم الدمغة،  أوضح نجيب أن ذلك كان يتم باستخدام قلم دمغة مماثل لقلم الدمغة الرسمي، وذلك بغية التهرب من المرور على مصلحة الدمغة والموازين ودفع قيمة ضريبة الدمغة إضافة إلى قيمة ضريبة المبيعات.

 

وأشار إلى أنه في هذه المرحلة كان الغش يقتصر على الدمغ بقلم مقلد فقط، إلا أن الذهب نفسه كان سليمًا وغير مغشوش.

 

ولفت نجيب إلى أن تطبيق القيمة المضافة حاليًا والتي تصل لـ 5 جنيهات للجرام، ما يقدر بـ 5 الآف جنيه على الكيلو، إضافة إلى زيادة قيمة الدمغة لنحو لـ 42 قرشا على الجرام، ما يمثل 420 جنيها على الكيلو، يفتح الباب لمزيد من التهرب من الدمغ ومن ثم مزيد من الانتشار لظاهرة غش الذهب.

 

وعن مراحل تطور غش الذهب، قال إنه في السنوات الأخيرة بدأ الغش في الذهب يمتد من تقليد قلم الدمغة إلى غش عيار الذهب نفسه، وذلك بمعنى دمغ عيار 18 على أنه عيار 21، وعيار 21 على أنه 24 وكهذا، ما يعود بمكاسب كبيرة على أصحاب ورش الذهب، معتمدين في ذلك على افتقار المستهلك للخبرة الفنية التي تمكنه من التفريق والتمييز بين الأعيرة.

 

نوع ثالث من غش الذهب

 رفيق عباسي، رئيس شعبة صناعة الذهب بغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات (صاحب محل للمشغولات الذهبية)، قال إن الغش وصل لمراحل أعمق السنوات الأخيرة، خاصة بعد ثورة يناير 2011 ، حيث ساد الارتباك العام بالبلاد وضعفت رقابة الجهات المسؤولة على الورش.

 

وأضاف عباسي: "وصل الأمر لإنتاج جرام ذهب بعيار غير مطابق للعيار المعلن عليه"، واصفا ذلك النوع بأنه من أخطر أنواع الغش وأكثرها احتيالا ونصبا على المستهلك، لان المستهلك في هذه الحالة لا يشتري ذهبا ، بل يشتري نحاسا مخلوطا بكمية ضئيلة من الذهب.

 

وأوضح عباسي لـ "مصر العربية"، أن هذه الطريقة في غش عيار الذهب تتم عن طريق زيادة نسبة النحاس الموجودة بالعيار عن النسب المتفق عليها مع مصلحة الدمغة والموازين، وبالتالي يتم خفض نسبة الذهب.

 

وأشار إلى أن الذهب السليم عيار 18 - على سبيل المثال - يتكون من 75 % ذهبًا مقابل 25 % نحاسًا ، إلا أنه عند الغش فيه يجرى زيادة نسبة النحاس لتطغى على نسبة الذهب، وكذلك الأمر بالنسبة لعيار 21 فان نسبة الذهب به حوالى 88 % ونسبة النحاس 12 %، فيتم تقليل نسبة الذهب مقابل زيادة نسبة النحاس.

 

وأشار إلى أن الزيادة في نسبة النحاس تكون بدقة شديدة حتى لا يفتضح أمره سريعا، كاشفا عن أنه بالنسبة للذهب عيار 24 يكون من الصعب الغش به وذلك لكون الجرام منه يكون ذهبا خالصا بنسبة 100 %، إلا أنه يمكن غشه بعرض عيار 21 على أنه 24 ، لافتا إلى أن كل حالات الغش السابقة يستتبعها بالطبع غش الدمغة أيضا، وذلك لاستحالة عرض هذه الأعيرة المغشوشة على مصلحة الدمغة والموازين التي ستثبت غشه.

 

النوع الرابع

رئيس شعبة صناعة الذهب بغرفة الصناعات المعدنية قال إن النوع الرابع من الغش في الذهب هو الغش باستخدام الذهب الصيني، أي عرض الذهب الصيني على أنه ذهب حقيقي.

 

وأشار عباسي إلى أن هذا النوع من الغش ظهر عند بدء دخول الذهب الصيني لمصر، إلا أنه سرعان ما تم كشفه بعد زيادة وعي المستهلك بالذهب الصيني وحقيقته، ما أدى إلى اختفاء هذا النوع من الغش .

 

وقال رئيس شعبة الذهب باتحاد الصناعات إنه رغم كثرة الحديث عن انتشار ظاهرة غش الذهب، إلا أنها لا تزال منخفضة جدا، حيث لا يتجاوز الذهب المغشوش 1 % من إجمالي المشغولات الذهبية المعروضة بنحو 20 ألف محل بيع مشغولات ذهبية معتمد على مستوى الجمهورية.

 

نوع خامس

وكشف مسعد عمران، رئيس غرفة صناعات الحلي والحرف اليدوية باتحاد الصناعات، عن أن هناك نوعا خامسا من الغش لا يقل خطورة عن النوع الثالث والقائم على التلاعب في كمية الذهب بالعيار، وهو دمغ مصلحة الدمغة والموازين لعيارات ذهب مغشوشة، وذلك بفعل فساد بعض المسؤولين بالمصلحة، الأمر الذي يمثل مؤامرة كبيرة على المجتمع المصري بتعاون الفاسدين من الصناع والمسؤولين.

 

وأوضح أن هناك اتهامات كثيرة يوجهها أصحاب ورش الذهب الشرفاء لبعض المسؤولين بمصلحة الدمغة.


وشدد عمران في تصريح لـ "مصر العربية" على أنه لابد من تشديد الرقابة من قبل الوزارات المسؤولة على مصلحة الدمغة والموازين والتأكد من خلوها من أي عناصر فاسدة ترعى منظومة الغش والتحايل على المواطن المصري.

 

وفيما لم يتسن الحصول على تعقيب فوري من مصلحة الدمغة على تصريحات عمران. إلا أن العميد محمد حنفي، رئيس مصلحة الدمغة والموازين العميد قد قال، في تصريحات صحفية سابقة، إن حجم كميات الذهب المغشوش التي تم ضطبها بالسوق المحلي خلال النصف الأول من العام الحالي 2016 تقدر بنحو 110 كيلوجرامات، وأنه تم مصادرتها.

 

وأضاف حنفي أن غش الذهب يعد ظاهرة منتشرة بشكل ملحوظ بالسوق المحلي، وأن المصلحة تجتهد دائما لتطوير أساليب تفتيشها على ورش الذهب لضبط المنتجات غير المطابقة للمواصفات والمغشوشة.

 

وأكد حنفي على أن عقوبة غش الذهب التي يحددها قانون الغش التجاري غير رداعة، حيث لا تتجاوز سنة سجن وغرامة 50 ألف جنيه ، مع مصادرة الكميات المضبوطة من الذهب المغشوش، مشددًا على ضرورة تعديل القانون الغش التجاري بما يضمن تغليط عقوبة غش الذهب.

 

اتفاق سري

وبعد التعرف على أنواع غش الذهب الخمسة المنتشرة بالأسواق المصرية، يكشف المهندس محمد سيد حنفي مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات معلومة في غاية الخطورة، وهي أن هناك ما يمكن تسميته بـ "ميثاق شرف" - سري بالطبع - بين صناع وتجار الذهب، على عدم الكشف عن الذهب المغشوش حال اكتشافه، والتعامل به وبيعه وشرائه بالسعر العادي وذلك بشكل طبيعي دون فضح الأمر، وذلك لعدم إثارة البلبلة والخوف بين المستهلك، ما يؤثر سلبا على سمعة التجارة الذهب في مصر.

 

وأشار إلى أن إثارة هذه المشكلة قبل عدة سنوات كان له مردود سلبي للغاية على حجم صادرات الذهب المصري والتي تراجعت بشدة نتيجة تخوف المستوردين في الخارج من تصدير مصر لذهب مغشوش.

 

وقال حنفي في تصريح خاص لـ"مصر العربية" إن صناع وتجار الذهب أنفسهم حريصون على القضاء على هذه الظاهرة تماما، وذلك للخسائر التي يتكبدوها نتيجة شراء ذهب مغشوش وتحديدا المباعة من قبل المستهلك خاصة في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب هذه الفترة ، الأمر الذي يجعلهم يطالبون بتشديد الرقابة للوقوف على الممارسات الفاسدة بالسوق ومنعها، ما يعود بالنفع على القطاع بأكمله وينشله من السمعة السيئة التي طالت القائمين عليه.

 

وحول حجم الإنتاج المحلي من الذهب، قال حنفي إنه يترواح ما بين 110 و 120 طن سنويا، ويتم توفيره من خلال 3 مصادر، هي إعادة تدوير الكسر، واستيراد قوالب خام من الخارج، واستيراد مشغولات ذهبية جاهزة.

 

كيف تنجو من فخ الغش؟

نادي نجيب، سكرتير شعبة تجار الذهب بغرفة القاهرة التجارية، قال إن الطريقة الأسلم لتجنب الوقوع في فخ الغش في الذهب والتلاعب، هو التعامل مع محلات ذات سمعة طبية ومعروفة ومجربة من قبل المستهلك، وعدم تجربة محلات جديدة لم يسبق معها التعامل.

 

الفاتورة

وينصح نجيب المستهلكين بضرورة الحصول على فاتورة عند شراء أي مشغولة ذهبية، وذلك لكون الفاتورة مستند يعود على التاجر بالسلب أو بالايجاب بما يخلي مسؤولية المستهلك، كما أنه يساعد بعد ذلك في بيع المشغولة الذهبية وفقا لوزنها المدون بالفاتورة وبالأسعار المعلنة للذهب، ما يجنب المستهلك أي خسارة حتى وإن كانت المشغولة الذهبية مغشوشة.

 

تجار الصاغة

وصفي أمين وصيف، رئيس الشعبة العامة لتجار الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية وصاحب واحد من أكبر محلات الذهب بمنطقة الصاغة بمصر القديمة، ينفي تماما وجود أي حالات غش بأسواق الذهب، مؤكدا أن كل ما يتردد ليس له أي أساس من الصحة، وان الذهب المعروض جميعه سليم تماما وليس به أي شبهة لغشه.

 

وأضاف وصيف في تصريح خاص لـ"مصر العربية" أن الذهب المعروض بالأسواق يتم تصنيعه إما عن طريق الذهب الكسر الذي يبيعه المستهلك أو الذهب الذي يتم استيراده من الخارج، ما يعني تأكيد سلامة الذهب المعروض لكونه منتجا من خامات سليمة وليست بها أي غش.

 

وأكد وصيف أن هناك تشديد من الرقابة من قبل مصلحة الدمغة والموازين على محلات ورش الذهب بشكل دائم ومتواصل، مستشهدا بمنطقة الصاغة والتي تشهد يوميا تفتيش من قبل مفتشي مصلحة الدمغة الذين يحصلون على عينات عشوائية من جميع محلات الصاغة لفحصها والتأكد من سلامتها، الأمر الذي يتنافي معه أي حديث عن أي محاولات لغش الذهب في مصر.

اعلان