مكافحة الإرهاب.. هل تكون الباب الخلفي لتعديل الدستور؟
عادت دعوات ومطالب تعديل الدستور للظهور من جديد على السطح أخيرا، بعد حادثة تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، وتمثلت تلك الدعوات في تصريحات الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، بإمكانية تعديل الدستور حتى تستطيع الدولة مواجهة الإرهاب.
دعوات تعديل الدستور من أجل مواجهة الإرهاب ليس لها ما يبررها دستوريا وقانونيا وفقا لرأي عدد من الخبراء، فهناك عقوبات لجرائم الإرهاب في كافة القوانين، لكنهم وضعوا أيديهم على مخاوف تعديل الدستور وتتمثل في توسيع المحاكمات العسكرية للمدنيين، ومد فترة الرئاسة، وتوسيع صلاحيات الرئيس.
الخبراء عبروا عن عدم إمكانية تعديل الدستور لأن مواد الحريات والحقوق غير قابلة للتعديل وفقا لنصوص الدستور، كما عبروا عن تخوفهم من أن يكون الهدف من تصريحات رئيس البرلمان هو اتخاذ مكافحة الإرهاب ذريعة لتنفيذ توجهات سابقة بتعديل الدستور.
التعديل صعب
وقال الدكتور نور فرحات، أستاذ القانون الدستوري، والقيادي بمؤسسة حماية الدستور، إن تصريح الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، حول تعديل الدستور أمر صعب التحقق على أرض الواقع.
وأضاف فرحات، لـ "مصر العربية"، أنه حال إعداد البرلمان مشروع قانون بتعديلات على الدستور وتم تقديمه إلى مجلس الدولة لإبداء الرأي فيه سوف يرفضه بالتأكيد.
وحذر من مسألة التوسع في محاكمة المدنيين عسكريا، حيث أن الدستور حمل نصا صريحا في مادته رقم 204، تمثل في عدم جواز محاكمة المدنيين عسكريا، سوى في الحالات التي ذكرتها المادة فقط وإلا فإن هذا يعد انتقاصا من حريات الأفراد.
تخوفات التعديل
وتذهب التخوفات حول تعديل الدستور، فيما يتعلق بمادة انتخاب الرئيس، فضلا عن توسيع مادة محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية.
وتنص المادة رقم 204 من الدستور المصري المعمول به حاليا على أن "القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم".
وتنص المادة رقم 226 على أنه لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات.
وقال الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، في كلمته بالجلسة العامة، أمس اﻷربعاء، إنه تم الترويج كذبا لحديثه حول الدستور وتصويره على أن البرلمان يهدف لتعديل الدستور بهدف تعديل المادة المتعلقة بمدة رئيس الجمهورية، نافيا أن يكون هذا هو الهدف.
وذكر القيادي بمؤسسة حماية الدستور، أن تصريحات المستشار مجدي العجاتي، وزير الدولة للشئون القانونية ومجلس النواب، أوضحت عدم وجود نية لدى الحكومة في تعديل الدستور، خاصة فيما يتعلق بالنصوص المتعلقة بالحريات والحقوق، وهى مواد غير قابلة للتعديل سوى فيما يتعلق بتوفير أوضاع حريات أفضل ولكن ليس لقمع الحريات.
بدائل قانونية
وأكد النائب محمد فؤاد، نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الوفد، أنه لا مجال لتعديل الدستور حالياً؛ لفتح الطريق أمام المحاكمات العسكرية للإرهابيين، مُشيراً إلى أن هناك بدائل قانونية متاحة حالياً دون المساس بالدستور، ومنها تعديل قانون الإجراءات الجنائية.
وفند نائب برلمانية الوفد، مقترحات الحزب بإدخال بعض التعديلات على قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لســنة 2015 ومن ضمن هذه التعديلات تخفيض درجات التقاضي إلى درجتين، وجوازية سماع شهادة الشهود، وترك تقديرها لقاضي المحكمة و الفصل في رد المحكمة خلال مدة لا تتعدى أسبوع.
مثالية الدستور
رئيس مجلس النواب، تحدث في أكثر من مناسبة حول أن مواد الدستور مكبلة للبرلمان ووضعته في مأزق وذلك خلال مناقشة عدد من القوانين في دور الانعقاد الأول.
الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق السابق بجامعة القاهرة، أوضح أن مطالبات تعديل الدستور لا تتعلق بمواجهة الإرهاب على الإطلاق، مضيفا: "لا أعتقد أن التعديلات المطلوب إحداثها في الدستور لمواجهة الإرهاب، وربما تكون بهدف التوسع في حالات الطوارئ".
وأعلن كبيش في حديثه لـ "مصر العربية"، رفضه التام للتوسع في حالات فرض الطوارئ، محذرا من دعوات بعض نواب البرلمان لتهجير أهالي سيناء لإفساح المجال أمام القوات المسلحة في حربها ضد الجماعات الإرهابية، لكن فيما يتعلق بمد حالة الطوارئ فالفيصل فيها هو الأمن.
كبيش، ذكر أن بعض مواد الدستور تحتاج إلى تعديلات بالفعل، مردفا: "كنت من المعارضين تماما لأي مساس بالدستور، لكن التطبيق العملي على أرض الواقع كشف مثالية شديدة في نصوص بعض مواد الدستور، لكن تلك المواد لا تتعلق بمواجهة الإرهاب".
وأشار عميد كلية الحقوق السابق، إلى أنه توجد الكثير من القوانين التي تحارب الإرهاب في مصر، ومنها قوانين العقوبات ومكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية، وغيرها فالأزمة ليست في التشريع بقدر ما هى في إتباع سياسة استباقية لتجنب وقوع الأحداث الإرهابية.
مواد مكافحة الإرهاب
حملت القوانين المصرية، بعقوبات رادعة لمرتكبي الأحداث الإرهابية حيث نصت المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب، على أنه يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة إرهابية أو تولى زعامة أو قيادة فيها، ويعاقب بالسجن المشدد كل من انضم إلى جماعة إرهابية أو شارك فيها بأية صورة مع علمه بأغراضها وتكون العقوبة السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات إذا تلقى الجاني تدريبات عسكرية أو أمنية أو تقنية لدى الجماعة الإرهابية لتحقيق أغراضها أو كان الجاني من أفراد القوات المسلحة أو الشرطة، ويعاقب بالسجن المؤبد كل من أكره شخصا على الانضمام إلى الجماعة الإرهابية أو منعه من الانفصال عنها وتكون العقوبة الإعدام إذا ترتب على الإكراه أو المنع وفاته .
كما أطلق القانون يد القائمين على تنفيذ أحكام هذا القانون حيث تضمنت المادة رقم 8 منه على أنه لا يسأل جنائيا القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريا وبالقدر الكافي لدفع الخطر .
2- وتضمن قانون مكافحة الإرهاب استثناء للمادة 17 من قانون العقوبات، حيث لا يجوز النزول بالعقوبة المقضى بها في إحدى الجرائم المنصوص عليها بالمواد 12، 15 ،16 ،17 ،18، 30 من هذا القانون إلا لدرجة واحدة.
في حين أن نص المادة 17 من قانون العقوبات نصت على أنه يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة.
قانون الكيانات الإرهابية هو الآخر فرض قيودا على ممارسة الأنشطة الإرهابية في مادته السابعة على حظر الكيان الإرهابي ووقف أنشطته، وغلق الأماكن المخصصة له وحظر اجتماعاته، وحظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء للكيان سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتجميد الأموال المملوكة له أو لأعضاءه متى كانت مستخدمة في ممارسة نشاط إرهابي، وحظر الانضمام للكيان والدعوة لذلك أو الترويج له أو رفع شعاراته.
رغبة أمنية
الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، أكد أن مكافحة الإرهاب لا يحتاج إلى تعديلات في مواد الدستور بأي شكل من الأشكال ولا علاقة له بها.
وقال نافعة، لـ "مصر العربية"، إن طرح مسألة تعديلات الدستور من جديد في هذا التوقيت الحرج وفي مناسبة لا تتعلق بواقعة تفجير الكنيسة البطرسية يدل على وجود نية مرتبة من جانب أجهزة الدولة لتعديل الدستور وهذا أمر بالغ الخطورة.
وتابع أستاذ العلوم السياسية، أن تعديل الدستور طرح من قبل في عدة مناسبات، متوقعا أن يكون الهدف من التعديلات هو منح رئيس الجمهورية مزيد من الصلاحيات في مواجهة صلاحيات البرلمان.
واستطرد أنه في الغالب هذه النوايا تجاه تعديل الدستور ليست توجهات نواب البرلمان وإنما هى توجهات ورغبة الأجهزة الأمنية في الأخذ بزمام الأمور وفرض مزيد من السيطرة.