إفلاس واستغاثة وحلول.. فروق العملة تربك شركات مصر بعد التعويم
الارتباك والقلق هما سيد الموقف في مصر بعد مرور نحو شهرين على قرار تعويم الجنيه، فبين شركات كانت على حافة الإفلاس، واستغاثة للإنقاذ، وحلول قد تخفف من المعاناة يتلخص حال المستثمرين في الوقت الحالي.
توابع زلزال تعويم الجنيه، لم ترحم أحد فالمصانع المصرية التي كان من المفترض أن تستفيد من قرار التعويم نتيجة ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، أصبحت في مهب الريح بعد ارتفاع سعر الدولار وبالتالي ارتفاع سعر مستلزمات الإنتاج التي تتخطى أحيانا 66% من مكونات الإنتاج.
بداية الأزمة
وخلال الأيام الماضية برزت أزمة بين كبار الصناع والقطاع المصرفي إثر ارتفاع أسعار الدولار تمثلت في طلب البنوك من المصنعين شراء الدولار بالأسعار الجديدة حتى بالنسبة للاعتمادات المستندية (تمويلات البنوك لعمليات الاستيراد من الخارج) ما أدى إلى تحول حسابات الكثير من المصانع في المصارف من دائنة إلى مدينة، وتطالب البنوك هذه المصانع بسداد مديونياتها بسرعة.
وتقدر مصادر في اتحاد الصناعات المصرية، حجم المديونية الناجمة عن تعويم الجنيه بـ20 مليار جنيه، حيث ألقى محمد شكري، رئيس غرفة الصناعات الغذائية، الضوء على الأزمة، قائلا: "إنه في ظل مرحلة الإصلاح شديدة الوطأة يجب أن تكون ردود أفعال الحكومة سريعة كي تمر الأزمة".
وأضاف خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن أزمة المصانع مع البنوك أدت إلى أن الكثير من المصانع خفضت ساعات العمل تجنبا للإغلاق، موضحا أن حجم رأس المال في مصانع الغذاء يصل إلى 650 مليار جنيه، وتصل نسبة المكونات المستوردة للإنتاج إلى الثلثين.
وأشار إلى أن إغلاق المصانع أمر مستبعد، خصوصا أن قطاع الصناعات الغذائية حيوي للاقتصاد المصري، ولكنه طالب بحل الأزمة، خصوصا أن اتحاد الصناعات يتواصل مع الحكومة أملا في الوصول إلى حل.
ومن جانبه قال محمد حمدي عبد العزيز الرئيس السابق لغرفة الصناعات الهندسية وعضو الغرفة إن البنوك وعدت من قبل بحل الأزمة "شفهيا دون أوراق مكتوبة"، وذلك بإيعاذ من البنك المركزي.
وأضاف لـ"مصر العربية" أن مشكلة سعر الدولار حولت أرصدة المصانع والشركات في البنوك إلى سالب أي أن قرار تعويم الجنيه المفاجئ أدى إلى الإجهاز على أرصدة المصانع والشركات دون قيامها بأية نشاطات وأصبحت البنوك تطالبهم بسداد المديونيات.
وأضاف أن عبء المديونية أضف على أعباء أخرى متعلقة بالسوق وتراجع القدرة الشرائية في السوق المحلي، وبالتالي انكماش الصناعة، ما أدى إلى أن بعض المصانع أصبحت تسجل خسائر ناهيك عن الديون الجديدة عليها.
استغاثة الشركات
وفي محاولة من جمعيات المستثمرين للوصول لحل لأزمتهم، قدمت الشركات الصناعية والتجارية الكبرى، التي تعمل في مجال الصناعة والتجارة، استغاثة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن التبعات التي نشأت نتيجة تحرير سعر صرف العملات الأجنبية.
وجاء في الاستغاثة أن هذه الشركات التي تتولى مسؤولية استيراد السلع الإستراتيجية والقمح والدواء وقطع الغيار ومستلزمات الإنتاج من الخارج، لم تعد قادرة على مواصلة العمل عقب قرار تحرير سعر الصرف، ما سببَ بالغ الضرر على كافة المعاملات في المجالات الصناعية والتجارية.
وأرجعت الاستغاثة سبب الضرر إلى تقاعس البنوك عن تغطية كامل الاعتمادات المستندية المفتوحة لاستيراد السلع في حينها وقبل تحرير سعر الصرف، ومطالبة البنوك بسداد قيمة المستندات بأسعار اليوم مما يؤدى إلى خسائر كبيرة تمثل أكثر من 100% من رؤوس أموال هذه الشركات، التي قامت باستيراد مستلزمات إنتاج ومنتجات يحتاجها السوق وتم بيعها بالجنيه المصري بالأسعار التي سبقت تحرير سعر الصرف.
وأوضح مقدمو الاستغاثة أن هذه التبعات تتمثل فى الآتى: إفلاس الشركات نتيجة تجاوز خسائرها أكثر من 100% من رءوس أموالها، توقف استيراد كافة أنواع السلع، نقص حاد في السلع الإستراتيجية بالأسواق، بطالة أكثر من مليوني عامل.
ديون غير منتظمة
وعلى الجانب الأخر فإن أكبر بنيكين في مصر يواجهان مشاكل متفاقمة، فقد كان يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس البنك الأهلي المصري، قد قال إن محفظة الديون غير المنتظمة بالبنك، ارتفعت إلى 9 مليارات جنيه، مقابل 6 مليارات قبل قرار تعويم الجنيه.
وأوضح خلال تصريحات صحفية أن الزيادة دفترية، نتيجة إعادة تقييم حصة القروض الدولارية بمحفظة الديون غير المنتظمة، وفقا لسعر الصرف الحالى، موضحاً أن ما يهم البنك هو أن تلك الديون مغطاة بالكامل عبر مخصصات مالية، وتأثيرها منعدم على العميل والبنك، لأن الأول مطالب بالسداد بالدولار، ومن ثم لا يتعرض لمخاطر سعر الصرف، كما أن البنك وضع مخصصات لتلك الديون بالدولار أيضاً.
وفي المقابل قال مصدر مسؤول ببنك مصر أن محفظة الديون المتعثرة بالبنك سجلت نهاية يونيو الماضي نحو 5 مليارات جنيه، وكانت مرشحة للتراجع مع استهداف البنك إجراء تسويات جديدة بقيمة تصل إلى مليار جنيه، لكن ارتفاع سعر الدولار بقوة عقب تحرير سعر الصرف سيدفعها للصعود لتصل إلى قرابة 7 مليارات بنهاية العام المالي الحالي 2017-2016، بزيادة 2 مليار جنيه.
حلول سريعة
وفي استجابة سريعة، قال محمد زكي السويدي رئيس إتحاد الصناعات المصرية إن طارق عامر محافظ البنك المركزي وافق، اليوم الثلاثاء، على تقسيط مديونيات الشركات بالعملة الأجنبية على مدد تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات بحد أقصى حسب ظروف كل شركة.
وأضاف السويدي في بيان لاتحاد الصناعات أنه عقب اجتماعه اليوم بمحافظ البنك المركزي و نواب البنك المركزي و عدد من رؤساء البنوك عن أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها، حيث جاءت كالتالي:
-إمكانية تثبيت سعر الدولار بقيمة محددة ويكون ذلك بناءً على طلب كل شركة على حدة وبالاتفاق مع البنك المعني بالحالة وحسب ظروف كل شركة.
- تم إصدار تعليمات لكافة البنوك بعدم اتخاذ أية إجراءات قانونية أو إجرائية أو إشهار إفلاس لأي شركة أو مصنع تكون مديونياتها ناتجة عن فروق العملة بعد تعويم الجنيه.
- في حال عدم الاتفاق بين أي من الشركات والبنوك يتم الرجوع إلى البنك المركزي للبت في الحالة واتخاذ القرار المناسب بشأنها.
-تخصيص 10 مليار جنيه بفائدة 12 بالمئة للشركات التي لا تتجاوز مبيعاتها مليار جنيه سنوياً لتدعيم رأس المال العامل لكل شركة أو لجزء منه.
- تخصيص 10 مليار جنيه بفائدة 12 بالمئة للمطورين الصناعيين في المحافظات لتحفيزهم على إنشاء مناطق صناعية بالإيجار وذلك لدعم الشباب واقتصاد المحافظة.
- تمويل مشروعات الألبان والدواجن واللحوم بفائدة تتراوح من 5 و7 و10 بالمئة حسب حجم الشركة، وذلك لتشجيع الاستثمار في هذه المجالات بهدف تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة حجم المعروض مما سيكون له أثر مباشر على انخفاض الأسعار وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن.
سرعة التنفيذ
من جانبه طالب المهندس سطوحي مصطفى رئيس جمعية مستثمري أسوان وعضو مجلس إدارة جميعات المستثمرين، البنك المركزي بسرعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه اليوم، وذلك بالتدخل الفوري لدعم العملة الأجنبية للمستوردين حتى يستطيعوا سداد التزامات آجلة ترتبت قبل قرار تعويم الجنيه.
وأضاف خلال تصريح سابق لـ"مصر العربية" أن آليات الحل يجب أن تكون عن طريق تقديم طلبات مكتوبة من رجال الأعمال في مختلف المحافظات عن طريق جمعيات المستثمرين إلى البنك المركزي ليقوم بعدها البنك المعنى بالحالة والتي سيتم سداد خطاب الضمان من خلاله باعتماد الحالات التي ستستحق دعم العملة .