بعد حكم " الإدارية العليا "
"العمالة المصرية" في مرمى نيران "تيران وصنافير" ..وخبراء: مصر في ورطة
منذ أن أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما نهائيا، أول أمس الإثنين، بالتأكيد على السيادة المصرية على جزيرتي "تيران وصنافير"، ويدور التساؤل حول مدى تأثير الحكم على العلاقات المصرية السعودية؟، وسط تخوفات من رد فعل سعودي يؤثر على العمالة المصرية هناك .
وجاء الحكم، ليحسم النزاع والجدل القانوني حول تبعية الجزيرتين، الذي أعقب توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة، أثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في إبريل 2016، وبمقتضها انتقلت تبعية جزيرتي "تيران وصنافير" الواقعتين في البحر الأحمر إلى السعودية.
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم :"إن سيادة مصر مقطوع بها على الجزيرتين، وأن الحكومة لم تقدم وثيقة تثبت أن الجزيرتين سعوديتان، مصر ليست نقطة في خرائط الكون أو خطا رسمه خطاط، إنما هي من أكبر البلاد وأقدمها حضارة، وجيش مصر حديثا وقديما لم ولن يحتل أرضا ليست تابعة له."
وفي يونيو 2016 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما ببطلان الاتفاقية والتأكيد على سيادة مصر على الجزيرتين، إلا أن الحكومة طعنت على الحكم،ولكن المحكمة الإدارية العليا، قررت في حكمها الصادر بتاريخ 16 يناير الجاري، رفض الطعن وتأييد حكم القضاء الإداري.
وبينما أثار حكم "الإدارية العليا"، حالة من الجدل داخل الأوساط المصرية المعارضة له، سيطر الصمت على المستوى الرسمي السعودي الذي لم يصدر عنه أي تعقيب على الحكم، بخلاف بعض الشخصيات السعودية غير الرسمية التي لوحت بإمكانية اللجوء للتحكيم الدولي للفصل في تبعية "تيران وصنافير".
الصحف السعودية الصادرة، أمس الثلاثاء، تجاهلت هي الأخرى حكم "الإدارية العليا" المصرية، باستثناء صحيفة عكاظ، التي اكتفت بنقل آراء بعض الخبراء والنواب المؤيدين لسعودية الجزيرتين، حسبما ذكر موقع الـ "بي بي سي" عربي .
ذلك الهدوء والصمت السعودي على الحكم بمصرية "تيران وصنافير"، اعتبره مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أمر غريب ينذر بأن رد فعل المملكة لن يكون هينا، وسيكون أكثر عمقا مما يتخيل أحدنا.
وأضاف الغباشي، لـ "مصر العربية"، أنه من الغريب أن بعض الأصوات في مصر تدافع عن "سعودية الجزيرتين" أكثر من السعودية نفسها، مشيرا إلى أن تأثير الحكم على العلاقات بين الدولتين سيتضح بمرور الوقت ولكن الأكيد أنه سيكون سيء.
وأشار، إلى أنه هناك شرخ وتوتر في العلاقة بين مصر والسعودية، بسبب الاختلاف في وجهات النظر بينهم حول الملفات الشائكة في المنطقة العربية وخاصة السوري واليمني، مؤكدا أن قضية جزيرتي "تيران وصنافير" ستزيد الأجواء توترا .
وشهدت الفترة الماضية توترا في العلاقات المصرية السعودية، لتباين مواقفهما حول العديد من القضايا الإقليمية وعلى رأسها الملف السوري، لاسيما بعدما قررت مصر تأييد مشروع القرار الروسي الذي طرحته في مجلس الأمن، وهو ما اعتبرته السعودية مؤشراً على توائم موقف مصر مع مواقف النظام السوري وروسيا وإيران، الذين يدعمون بشار الأسد في حربه على الثوار.
وعلى خلفية تصويت مصر للقرار الروسي، قررت شركة أرامكو السعودية وقف تزويد مصر بالنفط، حيث جرى اتفاقا بين مصر والمملكة أثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس عبدالفتاح السيسي، في إبريل الماضي، بإمداد مصر منتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريا لمدة 5 سنوات، بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين شركة "أرامكو" السعودية والهيئة المصرية العامة للبترول.
وقال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر في ورطة دبلوماسية كبيرة مع السعودية بسبب الحكم القضائي بمصرية "تيران وصنافير"، محذرا من عواقب هذا الحكم على مستوى العلاقات بين الدولتين.
ونوه هريدي، إلى أنه سيكون هناك تبعات وأضرار سلبية كثيرة على مستوى العلاقات المصرية السعودية والخليجية كذلك، محذرا من أنه قد يؤثر على العمالة المصرية المتواجدة في المملكة .
وأردف: أن القضية في ظاهرها تبدو حكم قضائي ولكن تم تسييسها لأغراض ضيقة واعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية، لافتا إلى أن مصر لأول مرة تظهر أمام العالم العربي على أنها دولة تعتدي على حقوق الأخرين.
وأوضح هريدي، أن تعيين الحدود البحرية بين الدول ينظمها قانون البحار الدولي، ولكن أن يأتي قضاء داخلي ويتخذ قرارا بشأن الحدود يمثل انتهاك لقانون البحار، مشددا أنه أمر يتعل بالسيادة وليس عمل إداري، لذلك فإن الجانب القانوني والحقوقي الدولي سيكون في صف السعودية إذا لجأت للتحكيم الدولي، بحد قوله.
وأكد السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن حكم " الإدارية العليا" سيترك تأثيرا كبيرا على مستوى العلاقات المصرية السعودية، مستبعدا في الوقت ذاته لجوء المملكة للتحكيم الدولي.
واستطرد: أن التحكيم الدولي له شروط وأهمها موافقة الطرفين على هذه الخطوة كما حدث في النزاع البحريني القطري ومصر وإسرائيل في قضية "طابا".
وشدد القويسني، أن تهدئة الأجواء بين مصر والسعودية تحتاج إلى إرادة رشيدة وناضجة على مستوى الرئاسة والخارجية المصرية، وكذلك تتطلب إدارة رشيدة من السعودية وعدم اندفاع من الجانبين، نظرا لخصوصية الدولتين ومكانتهما على مستوى العالم العربي، وما تمر به المنطقة من قضايا شائكة تحتاج للتحالف بينهم.