الأزمات تحاصر مقاولي التشييد والبناء.. وأعضاء الاتحاد: القطاع مات إكلينيكيًا
توابع زلزال تعويم الجنيه، لم ترحم أحد، فبعد استغاثة المستثمرين من فروق العملات، يأتي قطاع التشييد والبناء كأبرز المتضررين، فنتيجة ارتفاع قيمة الدولار، تأثرت شركات المقاولات ومعدلات تنفيذ المشروعات، وشهدت الـ4 أشهر الماضية انخفاضًا كبيرًا فى معدلات الإنجاز بالمشروعات المختلفة.
وخلال الأيام الماضية برزت أزمة بين كبار الصناع والقطاع المصرفي إثر ارتفاع أسعار الدولار تمثلت في طلب البنوك من المصنعين شراء الدولار بالأسعار الجديدة حتى بالنسبة للاعتمادات المستندية (تمويلات البنوك لعمليات الاستيراد من الخارج) ما أدّى إلى تحول حسابات الكثير من المصانع في المصارف من دائنة إلى مدينة، وتطالب البنوك هذه المصانع بسداد مديونياتها بسرعة.
ولنفس الأسباب، شهدت البلاد العام الماضى، زيادة مضطردة فى أسعار بعض مواد البناء الأساسية، حيث وصلت الزيادة فى بعضها إلى ما يقرب من 100% من قيمتها مما يؤثر سلبًا على صناعة التشييد والبناء، ويؤدى إلى عدم إنهاء المشاريع لدى المقاولين والموردين.
وتفاديًا للأزمة، قرر مجلس النواب إعادة مشروع قانون تعويض شركات المقاولات عن الأضرار التي لحقت بها من قرار تعويم الجنيه إلى لجنة الإسكان والحكومة مرة أخرى لإعادة ضبط الصياغة، بعد أن شهد المجلس جدلًا واسعًا حول القانون المقدم من الحكومة.
حسن عبدالعزيز، رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء قال: إن شركات المقاولات تواجه عدة تحديات خلال الفترة الحاليةبسبب الدولار، الذي بدوره أثر على تكاليف التنفيذ وظهرت فروقات سعرية كبرى بين قيمة المقاولة المحددة بالتعاقد وتكلفة التنفيذ الفعلية.
أسباب التأجيل
وأكَّد أنّ هناك توافقاً بين البرلمان والحكومة حول قرار إعادة القانون، مشيرًا إلى إن صياغة مشروع القانون "مضطربة".
وأضاف عبدالعزيز، لـ"مصر العربية": "إقرار القانون ضرورة لضمان استكمال الأعمال وحماية الشركات، من الإغلاق فى المرحلة المقبلة"، مضيفًا: "البرلمان سينعقد بعد أسبوعين وسنضطر الانتظار، ونأمل أن لا يستمر التأجيل لأكثر من ذلك".
وعن أسباب التأجيل، قال رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء: "الاختلاف كان على البند الأول، فالاتحاد يرى أن التعويض يجب أن يبدأ من 14 مارس، بداية تخفيض سعر الجنيه، لكن بعض النواب اعترضوا على ذلك وطالبوا أن يبدأ التعويض من 3 نوفمبر، بداية قرار الحكومة بتحرير سعر الصرف".
وأكد الاتحاد في مناشده نشرتها أحد الصحف المستقلة، أنّ تأخر صدور هذا القانون يزيد من الملاحقات القانونية البنكية، والملاحقات الضريبية، وكذلك ملاحقات موردي مواد البناء، لعدم استطاعة هذه الشركات الوفاء بالتزاماتها، وأوضح البيان، أن الشركات تحملت خسائر أخرى نتيجة الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة، وزيادة فوائد التمويل من البنوك وزيادة مرتبات العمالة المهنية بنسبة 100%، مع العلم بأن قطاع المقاولات في مصر هو القطاع الوحيد في قارة أفريقيا والمنطقة العربية الذي ينفذ 99.9% من مشروعات مصر ولا نحتاج لشركات أجنبية إلّا ما ندر.
وعبّر المهندس داكر عبد اللاه، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، عن استيائه من بعض نواب البرلمان قائلًا: "شعرت في حديث بعض النواب أنهم يعتقدون أن شركات المقاولات تحقق أرباحًا خيالية".
وأشار لـ"مصر العربية"، إلى أن الشركات نفذت العديد من المشروعات القومية دون هامش ربح، وهو ما عرضها للخسارة، وتآكل رأس مالها، وأضاف: "شريحة الموردين، هم المستفيدون الأبرز من تحرير سعر الصرف، وهم من حققوا هوامش ربح عالية، وليس قطاع المقاولات، ويجب التفرقة بين الشريحتين".
القطاع مات إكلينيكيا
محسن يحيى، عضو الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، وأحد مؤسسي الاتحاد، أكد أنّ القطاع مات إكلينيكيًا بعد القرارات الحكومية الأخيرة، بتحرير سعر الصرف والاستدانة من الداخل والخارج، مشيرًا إلى أن الحكومة لن تدفع شيئًا للمقاولين، قائلًا: "لا يوجد أموال لدى الحكومة لدفعها للمقاولين".
وأوضح يحيى، لـ"مصر العربية"، أن هناك تلاعبا من الحكومة والبرلمان، وتسويف من أجل عدم دفع الأموال للمقاولين، مضيفًا: "على الحكومة الاهتمام بقطاع المقاولين أكثر من ذلك، فنحن مصدر دخل قومي"، واتهم أعضاء الاتحاد بالتلاعب مع الحكومة ضد مصالح المقاولين.
وفي تصريحات صحفية، قال اللواء محمد ناصر، رئيس اللجنة المشكلة لتعويض شركات المقاولات، هناك خامات شهدت ارتفاعًا بنسبة تصل إلى 100 و%200، فضلا عن تكلفة العمالة، مما يمثل أعباء كبرى على الشركات العاملة بالسوق، خاصة التى لا تمتلك سيولة مالية قادرة على تجاوز تلك الأعباء.
وأشار إلى أن مشروع قانون التعويضات أعدته وزارة الإسكان، وتم إرساله إلى الأمانة التشريعية لمجلس الوزراء، والذى وافقت عليه وأرسلته إلى مجلس الدولة لصياغته، وصاغه المستشار مجدى العجاتى، وأرسله إلى مجلس النواب للمناقشة والإقرار.
مشروع القانون
وتعود فلسفة مشروع القانون إلى أن قطاع التشييد والبناء قد تعرض لمشكلات عديده نتيجة قرارات الإصلاح الإقتصادى التي اتخذتها الدولة بشكل مفاجىء فى السنوات الماضية.
فمنذ عام 2000 إلى 2002 تعرض القطاع لمشكلات ارتفاع سعر الدولار من 3,4 جنيه إلى 4,5 جنيه مما أدى إلى ارتفاع أسعار مواد البناء ولم تستطع الحكومة فى هذا الوقت صرف أية تعويضات إلى المقاولين والموردين.
كما أن القانون المعمول به فى هذا الوقت هو قانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 قبل تعديله والذى كان لا يعطى الحق للمقاول فى صرف أية تعويضات نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء.
ثم جاء تحرير سعر الصرف للدولار فى يناير 2003 حيث ارتفع سعر الدولار مرة أخرى حتى وصل إلى ما يقرب من 7 جنيهات، وترتب على ذلك ارتفاع ملحوظ فى جميع أسعار مواد البناء.
الأمر الذى أصبح معه تنفيذ العقود المبرمة مع جميع جهات الدولة فى هذا الوقت بذات الشروط المتعاقد عليها أمرًا فى غاية الصعوبة مما أدى إلى توقف كثير من شركات المقاولات عن تنفيذ الأعمال وتعرض الكثير منها للمساءلة الجنائية بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
وفي 14 مارس الماضي، صدر قرار محافظ البنك المركزى، بخفض قيمة الجنيه وما تبعه من قرارات إقتصاديه تمثلت فى صدور قانون الضريبة على القيمة المضافة، وزيادة سعر المحروقات، ثم قرار تحرير سعر الصرف، الصادر فى 3 نوفمبر الماضى وماتبعه من قرارات أثرت سلبًا على أسعار عقود المقاولات.
من أجل ذلك ظهرت الحاجة لتشريع جديد يعيد التوازن المالى لعقود المقاولات والخدمات والتوريدات لإعتبارها من أهم عقود الدولة التى تعتمد عليها بصفة أساسية لتنفيذ مشروعات التنميه المستدامة.