في تقرير "الشفافية" عن الفساد.. صدق "جنينة" وكذبت الحكومة
"مصر أكثر فسادا فى 2016".. هكذا لخصت منظمة الشفافية حجم الفساد المالي والإداري في مصر التي احتلت المركز 108 بين 176 دولة على مستوى العالم.
التقرير الذي اعتبره الكثير من خبراء السياسة والاقتصاد ضربة صادمة للسلطة الحالية، أعاد للأذهان ما دار بالأمس القريب حول القرار الرئاسي الذي أطاح برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، تحت ادعاء "التعدي على الهيئات المستقلة"، بعد إعلانه عن وصول حجم الفساد في مصر إلى 600 مليار دولار في أربع سنوات شغلها في منصبه.
لم يعتقد البعض أن مقولة هشام جنينة التى جعلها عنوانا له عند حديثه عن الفساد في مصر "الفساد للرّكب" سوف تثبتها تقارير دولية تخرج لتثبت صحة ما نشره عن حجم الفساد المتمدد بين ربوع البلاد.
وكشفت "الشفافية" أن حجم ما كشفه "جنينه" كان "غيض من فيض"، إذ أن منظمة الشفافية أعلنت أن الفساد بلغ نسبة 108 عام 2016 مقابل 88 عام 2015 بما يعادل ارتفاع نسبة الفساد 20 مركزا.
وكان "جنينة" صرح بأن المبالغ المفقودة بسبب الفساد بلغت نحو 600 مليار جنيه مصري ما بين 2012 و2015، مما استدعى الرئيس السيسي تشكيل لجنة للتحقيق في هذه التصريحات، وقالت اللجنة إن جنينة "يبالغ وأن حجم الفساد ستة مليارات وليس 600".
وصنفت منظمة الشفافية ترتيب الدول الأعلى فسادا في الوطن العربي وجاءت الإمارات في أولى الدول العربية الموجودة بقائمة الأكثر فسادا بالعالم وهي في المرتبة الأولى عربيا والـ 24 دوليا بـ 66 نقطة لعام 2016، تليها قطر 61 نقطة، الأردن 48 نقطة، السعودية 46 نقطة، سلطنة عمان 45 نقطة، البحرين 43 نقطة، تونس 41 نقطة، المغرب 37 نقطة، الجزائر 34 نقطة، ومصر 34 نقطة أيضا.
وقالت منظمة الشفافية الدولية التى تتخذ من مدينة برلين الألمانية مقرا لها في تقريرها السنوى عن انتشار الفساد فى 176 دولة:"محاربة الفساد في الدول العربية لم تشهد تقدما خلال السنوات الأخيرة منذ ثورات الربيع العربي".
وخلال الشهرين الماضيين، كشفت هيئة الرقابة الإدارية عن 26 جريمة رشوة، و12 جريمة اختلاس بأرقام خيالية جعلت الكثيرين يؤكدون أن رقم جنينة حول الفساد كان ضئيلا.
الخبير الاقتصادي، عمرو موسى، أكد أنّ تقرير المنظمة عن مصر، يعد غاية في الأسف ويُعد مؤشرا لمدركات الفساد، قائلًا: "مصر تغرق في الفساد".
وأشار موسى، لـ"مصر العربية"، إلى أن مثل هذا التقرير سوف يعود بالأثر السلبي علي الاستثمار والمستثمرين وهو بمثابة "الكارثة"، خاصة وأن مصر احتلت المركز 108 من 176 محققة نتيجة 34 مقابل 36 خلال عام 2015، مضيفًا: "التقرير سيجعل المستثمر يعيد النظر في اللجوء لمصر 100 مرة".
وأكد موسى أنّ السبب الرئيسي في تراجع مصر في مؤشر الفساد هو عدم التزامها بالقوانين، والإطار العام لمكافحة الفساد، لافتًا أن مصر تكتفي بإجراء الاتفاقيات ووضع الخطط دون تنفيذ، قائلًا: نكتفي بوضع القانون المطلوب دون البحث حول كيفية تطبيقة ومدي صلاحيتة مع المجتمع الأمر الذي يؤدي إلي عدم تفعيل معظمها".
وعقد موسى مقارنة بين مصر ونظيرتها من الدول العربية كما جاء في التقرير، قائلًا: "بعض الدول العربية تحسن ترتيبها كالإمارات التي احتلت المركز 24 من 176 دولة محققة نتيجة 66، وقطر في المركز 31 محققة نتيجة 61، والأردن في المركز 57 محققة نتيجة 48، والسعودية في المركز 62 محققة نتيجة 46، وسلطنة عمان في المركز 64 محققة نتيجة 45، كما احتلت الكويت المركز 75 محققة نتيجة 41، وكذلك المغرب في المركز 90 محققة نتيجة 37".
وأضاف: "جميع الدول التي تحسّن ترتيبها التزمت بمعايير الإطار الصحيح لمكافحة الفساد"، مضيفًا: "يجب علينا أن ندرك أن مثل هذه التقارير ليس بها مجاملات ولن تكون بالفهلوه، فالمؤشر الوحيد بها هو الالتزام".
وبدوره، اتفق رضا عيسى، الخبير الاقتصادي، مع تصريحات موسى، مطالبًا بضرورة التزام مصر بقوانين اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، قائلًا: "عدم التزام مصر بهذه الاتفاقية، سيجعلها تنحدر نحو الأسفل عام بعد عام".
وأضاف لـ"مصر العربية": "الاهتمام بمكافحة الفساد هو الخيط الوحيد للتقدم بالبلاد وتحسينها اقتصاديًا".
وفي تصريحات سابقة، قال المهندس هاني محمود، وزير التنمية الأسبق ورئيس لجنة التنمية الإداية ومكافحة الفساد بحزب "مستقبل وطن": "الفساد يتواجد بجميع الأجهزة الحكومية في كل دول العالم مهما كانت درجة تقدمها، ولكن الفساد في مصر مختلف".
وأضاف: "مصر فيها 7 ملايين موظف، إذا افترضنا أن نصف مليون منهم فاسدين فسيكون بنسبة 7% من العاملين في الجهاز الإداري للدولة، مشيرا إلى أن الفساد ينتشر في جميع المستويات الوظيفية داخل الجهاز الإداري بدءا من الموظف البسيط ويمتد إلى أكبر المسؤلين، ومنهم من يحاكمون ويقبعون خلف القضبان".
واستطرد:" الفساد أصبح مؤسسي يحدث بطريقة ممنهجة ومعلومة لكنه "متستف" مما يصعب على الأجهزة الرقابية أن تجد شبهة فساد، ولفت إلى أن هناك ظاهرة هي احترام الفاسدين والتقرب منهم، مضيفًا: "زمان كان الفاسد يخاف بناته ميتجوزوش نتيجة فساده، أما الآن فالأسر تسعى لتزويج بناتها من الفاسدين".