هل يقترب اقتصاد مصر من سيناريو فنزويلا الكارثي؟
فنزويلا "تختنق" وتقترب من الانهيار الاقتصادي، عنوان يتصدر المشهد الرئيسي للبلد العضو في منظمة (أوبك)، بعد إجراءات اقتصادية قال عنها رئيس البلاد إنها "ضرورية".
ولمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، في ظل هبوط أسعار النفط العالمية، اتخذ الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، عددًا من القرارات الاقتصادية، أصبحت الدولة بعدها صاحبة أكبر نسبة تضخم في العالم بنسبة 100%.
وتشير التقديرات إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 500%، هذا العام و1600% في 2017، بينما يواجه السكان نقصًا خطيرًا في مواد أساسية وغذائية، وفقدان أكثر من 70% من الأدوية.
وتتبنى فنزويلا نظامًا للتحكم فى سعر الصرف يبيع الدولار بسعر 10 بوليفارات للسلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية، مقابل 672 بوليفاراً للسلع الأخرى فى وقت يقارب فيه سعر الدولار فى السوق السوداء 3200 بوليفار خلال الوقت الراهن.
وبحسب ما ورد في وكالة الصحافة الفرنسية، فقد بلغ العجز العام في البلاد بين 18 و20% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2016، ووسط هذه الحالة، تتراجع قدرة البلاد على الدفاع عن عملتها وتسديد ديونها.
ومطلع الشهر الجاري، أصدرت فنزويلا سندات جديدة للمرة الأولى منذ أكثر من خمس سنوات بقيمة 5 مليارات دولار فى اكتتاب خاص إلى «بانكو دى فنزويلا»، المصرف الذى تديره الدولة، وسط سعيها لجلب النقدية وتوفير المواد الغذائية والأدوية فى وقت تعانى فيه نقصًا حادًا فى المواد الأساسية.
وتشير الأرقام إلى أن إجمالي الديون المترتبة على فنزويلا تقارب 120 مليار دولار، يجب تسديد دفعة بنحو 7 مليارات دولار هذا العام، وسط ارتفاع التكهنات بأنَّ فنزويلا قد تتخلف عن السداد.
وقد أنفقت فنزويلا قرابة 4 مليارات دولار من احتياطيها من العملات الصعبة في الأشهر الأربعة الماضية، ليتراجع هذا الاحتياطي إلى 12.7 مليار دولار، أي ما يوازي ثلث ما كان عليه في عام 2009.
بين مصر وفنزويلا
قارن العديد من الخبراء بين وضع الاقتصاد في فنزويلا ومصر، حيث إن القرارات متشابهة إلى حد كبير، ففي ظل أزمة نقص حاد في العملة الصعبة نتيجة تراجع إيرادات البلاد من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر وتحويلات المصريين في الخارج وإيرادات قناة السويس، اضطرت مصر إلى تعويم الجنيه بشكل كامل.
ومع تعويم الجنيه قفز سعر الدولار أمام الجنيه من 8.88 إلى 13.5 ليومين ثم مالبث أن وصل سعره إلى 19 جنيها في غضون أيام، وعقب تعوبم الجنيه، رفع البنك المركزي عائد الإيداع والقروض لليلة الواحدة بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 14.75 بالمئة و 15.75 بالمئة على التوالي.
وعلى مدار العام رفعت وزارة التموين أسعار السلع التموينية الحيوية الخاصة بالمصريين بحيث وصل سعر السكر التمويني إلى عشر جنيهات مما جعل التجار يحتكرونه ويتم سحبه من السوق حتى يرتفع سعره أكثر فأكثر حتى إنه وصل فى بعض المناطق إلى 15 جنيهًا.
وخلال عام 2016 تم رفع الجمارك مرتين على بعض السلع، التي تُصنف على أنها غير أساسية، الأولى في نوفمبر والأخيرة في مطلع ديسمبر ، وأعلنت وزارة الكهرباء في 8 أغسطس الماضي رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح بين 17% و46%.
كما قررت الحكومة المصرية رفع أسعار بيع المازوت والغاز للمصانع بما يعادل نحو 50%، وذلك في إطار إصلاح نظام الدعم الذي يلتهم ربع ميزانية الدولة، حيث ارتفع سعر بيع المازوت من 1000 إلى 1500 جنيه للطن، كما رفعت سعر بيع الغاز الطبيعي المحلي لمصانع الإسمنت ومصانع الطوب من 4 إلى 6 دولارات.
مصر إلى أين ؟
أصبح من بين الأمور الاعتيادية في فنزويلا أن ترى الناس يحملون حقائب مليئة بالنقود للقيام ليس بشراء بيت أو سيارة فارهة، بل فقط دفع مبالغ بسيطة لقاء خدمات أو أغراض أساسية، وكنوع من السخرية على الواقع الجديد للعملة الفنزويلية، عمد البعض إلى استخدامها كقصاصة ورقية لتدوين ملاحظاتهم عليها، فهي بذلك أصبح لها بعض النفع.
الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، قال: "خطأ قاتل أن نُقارن مصر بفنزويلا، فالوضع في فنزويلا أصعب بكثير من مصر، ولا يمكن لمصر أن تصل لهذا الوضع".
وأضاف الشريف لـ"مصر العربية": "فنزويلا نشأت في نظام اشتراكي، تملك فيه الحكومة كل شيء، مثلما بدأت مصر، لكن مصر بدأت خطوات الإصلاح منذ أعوام مضت وليس الآن، مما يعني أن مصر ماضية في الطريق الصحيح"، وأشار إلى أن مصر على وشك العبور من "عنق الزجاجة".
من جانبه، قال أحمد سامي، الخبير المصرفي: "مصر ليست ببعيدة عما يحدث في فنزويلا، فالقرارات الاقتصادية مشابهة، وعلى الرغم من وجود بعض القرارات الصحيحة إلا أن الدولة لا تعمل على الاستفادة من هذه القرارات، كقرار تعويم الجنية".
وأوضح سامي في تصريح لـ"مصر العربية"، أن أي قرار اقتصادي له سلبياته وإيجابياته، مشيرًا إلى أنه من واجب المسؤولين العمل على تقليل هذه السلبيات، لكي لا تقع في مشاكل أكبر مما كانت تتوقع، مضيفًا: "لا يوجد دراسات اقتصادية محترمة لأي قرار".
وائل النحاس، مستشار أسواق المال وخبير اقتصادي، أكّد أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين مصر وفنزويلا، قائلًا: "الدين في فنزويلا خارجي، أما في مصر فهو داخلي، وهو ما أنقذ مصر حتى الآن"، مضيفًا: إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة فالعملة ستُصبح ورق كوتشينة ليس له قيمة".
وأوضح النحاس أن فنزويلا دولة اشتراكية، تقوم فيها الحكومة بدور "الأم"، فهي مسؤولة عن المواطن في كل شيء، وأشار إلى أن الوضع في مصر مختلف نوعًا ما، فالحكومة المصرية: "بتاخد إعانات من المواطن وبتلم الفكة، وبتلم تبرعات".
وأشار مستشار أسواق المال، إلى أن فنزويلا تعتمد بشكل رئيسي على النفط و"المخدرات" كمصدر دخل، أما في مصر فيوجد مصادر عديدة لم تستغلها الدولة إلى الآن، قائلًا: "الدولة ممكن تسوي الدين الداخلي بينها وبين الشركات والمؤسسات، وفي حال لم تستطع الدولة الوصول لحل وسط، من الممكن أن نصل لما وصلت له فنزويلا".
وأنهى تصريحاته لـ"مصر العربية"، قائلًا: "غالبًا المسؤولين بيحاولوا يوصلوا رسالة لدول العالم أن مصر بلد فقير، لكي لا يُفكر أي أحد في احتلالنا، والسيناريو الفنزويلي ليس ببعيد عن مصر".