تخوف المواطنين من الغلاء المستمر.. هل يقود الأسعار لمزيد من الارتفاع؟
الخوف من المستقبل بات شعورا ملازما لدى الكثيرين في ظل الظروف الاقتصادية العصيبة التي تعيشها البلاد بعد قرارات اقتصادية قاسية في الآونة الأخيرة.
ولعل أبرز ما يُقلق المصريين حاليا الارتفاع المستمر في الأسعار، ولكن هل يمكن أن يصنع الخوف من المستقبل سلوكًا مختلفًا لدى المواطنين أو يغيّر من معدلات شرائهم للسلع المختلفة؟
تجار ورجال أعمال أجمعوا على أن شعور المستهلكين بالخوف من المستقبل، يمثل هاجسا خطيرا يؤرق أمنهم المعيشي؛ لأن الارتفاعات المتواصلة في أسعار مختلف السلع خاصة الأساسية منها يعود سلبا على ثقتهم في قدراتهم على توفير وشراء هذه السلعة في الغد.
غير أنهم رأوا أن ترجمة شعور الخوف إلى سلوك فعلي بزيادة الطلب ومعدلات الشراء، كما هو مفهوم في مثل هذه الحالات، ليس في مقدور المواطن المصري وذلك لانخفاض قدراته الشرائية لحد كبير.
فالظروف الاقتصاجية الحالية دفعت بقطاع عريض من المجتمع إلى خانة الفقر والعوز بسبب انخفاض القيمة الحقيقية للدخول، ما يعوق تحقيق مبتغاهم لزيادة مشترياتهم من السلع المختلفة لتأمين احتياجات الفترة المقبلة.
سمير عارف، رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، قال إن الحراك والتداول الجاري في السوق المحلي يقوده بشكل أساسي حالة من الخوف لدى المواطنين تجاه الأيام المقبلة، موضحا أن الارتفاع المتواصل في أسعار مختلف السلع والمنتجات والخدمات يوما بعد يوم، يثير حالة من الخوف والترقب لدى المواطن لما هو آتي، ما قد ينعكس على معدل طلبه ونوعيته تجاه السلع المختلفة هذه الأيام.
وأكد عارف لـ"مصر العربية" أن القلق والتوجس لحدوث مزيد من الارتفاع في الأسعار الفترة المقبلة، مع عدم قدرته على شراء احتياجات ومستلزمات المعيشة الضرورية، يؤثر بشكل كبير على سلوكه في الشراء والطلب هذه الفترة.
من جهته، قال علي شكري، نائب رئيس غرفة القاهرة التجارية، إنه بالفعل يواجه المستهلكين تهديدا دائما بالارتفاع المتواصل في الأسعار، ما يولد الخوف داخلهم تجاه الأيام المقبلة، غير أن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بسبب انخفاض القيمة الحقيقية لدخولهم أمام الارتفاع الشديد في الأسعار، يحول دون ترجمة هذه الخوف لسلوك ملموس من خلال تنامي الطلب وزيادته بشكل كبير.
وأضاف في تصريح لـ" مصر العربية" أن هناك حالة من الشح أو الانخفاض الشديد في حجم السيولة المالية لدى المواطنين وذلك لسببين الأول: انخفاض حجم الدخول ما زاد اتساع حالة العوز والاحتياج، والثاني: اتجاه الفئات المتوسطة وما فوقها للإدخار بالبنوك استفادة من ارتفاع سعر الفائدة المطبق حاليا، الأمر الذي نعكس سلبا على حجم الطلب لمختلف السلع والمنتجات.
وعقب قرار تعويم الجنيه، قرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة على الإقراض والإيداع بما يترواح بين 16 و 18 %، فيما أطلقت شهادات الإدخار ذات العائد 20 % ومدة 3 سنوات.
وقال شكري إن السلع الأساسية وهي المواد الغذائية الأساسية قد تكون السلع الوحيدة التي احتفظت بمستوى الطلب عليها نظرا لضروريتها، غير أن باقي السلع على اختلافها قد تذيلت قائمة أولويات الشراء لدى المستهلك.
بدوره، قال سالم بابا، عضو شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية، إن هناك انخفاضا واضحا في حجم الطلب وأسلوبه على السلع الغذائية، موضحا أن الطلب انحصر فقط في السلع الغذائية المهمة ومنها السكر والأرز والزيت والشاي والألبان.
فيما اختفى تماما من باقي السلع الأخرى التي قد توصف بأنها كمالية، مثل منتجات الحلوى والمنتجات الغذائية الترفيهية، مضيفا أن نسبة الانخفاض في الطلب بوجه عام تصل لنسبة 30 %.
وأضاف في تصريح لـ"مصر العربية" أن الارتفاع المتواصل في أسعار مختلف السلع بالطبع ينعكس بالخوف والقلق من الغد لدى المستهلكين، إلا أن ضعف قدرتهم الشرائية تعوق عن التعبير عن ذلك فعليا من خلال زيادة معدلات الطلب.
وقال أحمد النجيب، عضو شعبة الخضر والفاكهة بغرفة القاهرة التجارية، إن الارتفاع الكبير في أسعار الخضر والفاكهة ينعكس مباشرة على حجم الطلب ويدفعه للانخفاض، حيث ينخفض الطلب على الكميات المتداولة من الخضر، حيث يتجه المستهلك للاقتصاد في مشترياته منها والاكتفاء بكميات قليلة، فيما يوشك الطلب أن يختفي تماما عن الفاكهة والتي تتراجع أولوياتها أمام ارتفاع أسعارها.
وأضاف لـ"مصر العربية" أن تراجع الطلب لا يعني اطمئنان المستهلك وأمانه، ولكن اتساع فئة محدودي الدخل والفقراء داخل المجتمع تجعل انخفاض الطلب هو الاتجاه الغالب رغم تصاعد الخوف والقلق من الأيام المقبلة.
ولم تكتف الحكومة بحالة الغلاء التي باتت وحشا مفترسا يلتهم ميزانية الأسرة، اشتكى منها الغني قبل الفقير، بل أعلنت وزارة الكهرباء رفع الأسعار مجددًا خلال شهر يوليو القادم.
زيادة أسعار الكهرباء ستكون الثانية خلال عام، وسط ارتفاع كافة اسعار السلع والخدمات بعد قرار تعويم الجنيه الذي أكل الاخضر واليابس لدى الطبقة الوسطى خاصة في ظل ثبات الرواتب وإغلاق عدد من المصانع والمطابع والشركات، نتيجة عدم القدرة على مجاراة غلاء المواد الخام.
وتتغير الأسعار بشكل يومى وترتفع السلع والمنتجات بنسب متفاوتة، فكيلو السكر بلغ 15 جنيها، وباكت الشاى 3جنيهات، وزجاجة الزيت 22، وكيلو المكرونة 7، والأرز 11، وكيلو الطماطم 4، والبصل 8، والثوم 30، كما لم تسلم وجبات العدس والفول من طوفان الغلاء، فوصل كيلو العدس 32جنيها، والفول المدمس 13جنيها، فيما ارتفعت أسعار الدواجن واللحوم لأكثر من الضعف.
كما لم يسلم المرضى من قرارات الحكومة التي رفعت أسعار الدواء بنسب تتراوح بين 30 و50%، بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري، بحجة ارتفاع كلفة إنتاج واستيراد الدواء.
وفي ديسمبر الماضي، أعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم السنوي قفز في مدن مصر إلى 23.33% مقارنة بـ 19.4% في نوفمبر السابق.
تفوق "الاستثمار" على "الاستهلاك" كمحفز للنمو في مصر، حيث انخفضت مساهمة "الاستهلاك" في النمو خلال الربع الأول إلى 2% مقارنة بنحو 6.2% في الربع ذاته من العام المالي الماضي بعد حالة من الانكماش جراء موجة الغلاء التي تجتاح البلاد.