من حظر النشر إلى الحوار المجتمعي.. قطار "الضبعة" يقترب من النهاية
عام مضى على قرار حظر النشر في مشروع الضبعة النووي تحت غموض شامل للخطوات المدرجة لتوقيع العقد مع الجانب الروسي، ومع الذكرى السنوية الأولى وعلى عكس العام الماضي أطلق الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء، الحوار المتجمعي للإعلان عما وصل إليه الحلم النووي المصري.
"المشروع النووي بلغ المراحل النهائية للتوقيع على عقود الإنشاء والتشغيل" كلمات حاول بها وزير الكهرباء الرد على التساؤﻻت المترددة حول توقيت تنفيذ المشروع النووي المصري، والغموض الذي يخيم على مراحل إنهاء اﻹجراءات الخاصة بالمشروع والوصول إلى توقيع العقد النهائي مع الجانب الروسي المعني بعمليات التشييد والبناء.
وكان المستشار نبيل أحمد صادق النائب العام، أصدر مطلع العام الماضي قرارا بحظر النشر على جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكذلك الصحف والمجلات القومية والحزبية اليومية والأسبوعية، المحلية والأجنبية وغيرها من النشرات أيا كانت، وكذا المواقع الإلكترونية إلا بعد الرجوع إلى الجهات الأمنية المعنية ومكتب وزير الكهرباء.
وبعد أن ظل المشروع تحت عباءة الخفاء وحظر النشر عاما كاملا، قررت وزارة الكهرباء إطلاق فعاليات الحوار المجتمعي للمشروع النووي المقام بمنطقة الضبعة للإعلان الكامل حول متعلقات المشروع.
ومن المقرر، أن ينفذ المشروع على مساحة 45 كيلومترًا مربعًا، بطول 15 كيلومترًا على ساحل البحر، وبعمق 5 كيلومترات، وترجع أهمية المنطقة لكونها الأنسب لبناء مفاعل نووي في مصر، حسبما أوضحت وزارة الكهرباء والطاقة.
ويهدف مشروع الضبعة النووي، إلى تشغيل 4 مفاعلات نووية بقدرات إنتاجية تتراوح من 900 إلى 1650 ميجاوات للمحطة الواحدة، ومن المقرر تشغيل أول محطة من المحطات الأربعة في 2019، والانتهاء بشكل كامل من إنشاء أول مفاعل نووي مصري، ودخول الطاقة الإنتاجية له الخدمة في 2025.
حوار مفروض
عضو مجلس الطاقة العالمى ومستشار وزير الكهرباء سابقا، الدكتور ماهر عزيز، قال إن إطلاق فعاليات الحوار المجتمعي أمر مفروض بواقع قانون البيئة رقم 4 لعام 2004 والذي تم تحديثه عام 2009، موضحا أنه يأتي ضمن الخطوات التمهيدية للدخول إلى المراحل النهائية لتوقيع اﻹنشاء النهائي.
وأضاف عزيز، في تصريحاته لـ"مصر العربية"، أن الحوار ظهر بشكل نموذجي للغاية ويضاهي بشكل كبير الحوارات العالمية السابقة، مشيرا إلى أنه فتح الطريق أمام مختلف الأطياف للتعبير عن مقترحاتهم وآرائهم حيال المشروع، دون التضييق أو إقصاء طائفة معينة.
وعن المدة التي يستغرقها الحوار المجتمعي، كشف "عزيز" أن الحوار تم إطلاقه منذ فترة طويلة وليس الأسبوع الحالي فقط، موضحا أن ما تم اﻹعلان عنه بحضور الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء، يعد محطةانتقالية مهمة أبرزت تطلع الجميع إلى المشاركة اﻹيجابية في المشروع النووي.
سياسة "الباب المفتوح"
وأوضح "عزيز" أن الحوار المجتمعي ﻻ يتم تحديد زمن انتهاءه بأي مدة مطلقا، قائلا: الحوار المجتمعي ينتهج سياسة الباب المفتوح، حتي وإن طالت مدته 70 سنة بعد إنشاء المشروع وتشغيله.
ولفت إلى أن الحوار المجتمعي ترتب عليه توقيع عقود اﻻلتزام البيئي الذي بموجبه يتم اﻹعلان بشكل نهائي عن صلاحية دراسات الجانب البيئي والمناخ وعوامل التلوث وعناصر اﻷمان للمشروع، مشيرا إلى أن اﻻلتزام البيئي تم سرده وتدوينه فيما يزيد عن 5 آﻻف صفحة.
وعن معايير الأمان النووي للمشروع، أكد "عزيز" أن مفاعل الضبعة حاز على معايير أمان عالمية لم تشهدها أي محطات نووية سابقة، إضافة إلى البحاث البيئية التي تناولت مختلف اﻻتجاهات والتوقعات المستقبلية حتي ألف عام قادم، موضحا أن الدراسات تمت عن طريق الخبراء المصريين واﻻستعانة أيضا بخبراء وعلماء أجانب.
وكشف عضو مجلس الطاقة العالمى ومستشار وزير الكهرباء سابقا، أنه تم اﻻنتهاء رسميا من العقد المبدئي، والذي بموجبه يتيح لمصر البدء في إنهاء عقد التشييد والبناء، وطرح الحوار المجتمعي على الرأي العام، وأن العقد النهائي في طريقه للإتمام.
وأكد وزير الكهرباء أن الجيل الذي تم التعاقد عليه مع الجانب الروسي يحتوي على تصميم آمن ومقاوم لخطأ العامل البشرى، ويزيد عمر المحطة على 60 عامًا ولها قدرة غير مسبوقة على مقاومة الحوادث الضخمة فيمكنها أن تتصدى لاصطدام طائرة وزنها 400 طن وسرعتها 150 مترًا فى الثانية.
وتمتاز المفاعلات النووية أيضًا بالتشغيل الآمن دون أية تأثيرات سلبية على البيئة المحيطة به، كما تضمن عدم التسرب الإشعاعى عن طريق الفلاتر والحواجز المتعددة وتحتوى على نظام التحكم الآلى الحديث.
4 عقود تنتظر الحكم المجتمعي
وحدد الدكتور إبراهيم العسيري، عضو هيئة المحطات النووية، والمفتش الدولى للوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، الخطوات المقرر اتباعها عقب إنهاء وزير الكهرباء الحوار المجتمعي مع أهالي الضبعة ومختلف أطياف المجتمع المدني، مؤكدا أن إجراء الحوار يأتي نتيجة لمطلب المنظمة الدولية للطاقة الذرية.
وأضاف في تصريحاته لـ"مصر العربية" أنه بموجب الحوار المجتمعي يتم اﻹعلان فورا عن نتيجة ما توصلت إليه وزارة الكهرباء مع أطياف المجتمع المدني، واﻹقرار بشكل نهائي عن موعد العقد النهائي للتعاقد مع الجانب الروسي.
وأشاد "العسيري" بالعرض الذي حصلت عليه مصر المتعلق بسداد قيمة القرض للجانب الروسي، والذي يقتضي السداد من القيمة اﻻنتاجية للمفاعل دون اﻻلتزام بتسديد أي دفعة مسبقة عند توقيع العقد، موضحا أن مصر تتمتع بفترة سماح أيضا في فترة سداد القرض.
ولفت "العسيري" إلى أنه من القرر أن يتم توقيع أربعة عقود دفعة واحدة، بشكل نهائي، موضحا أن العقود تشتمل على عقد اﻹنشاء وعقد الوقود، وعقد الأمان النووي، وعقد الوقود وعقد التشغيل والصيانة.
ونص اﻻتفاق مع الجانب الروسي على أن يقدم الطرف الروسي قرضا لمصر، بقيمة 25 مليار دولار، من أجل تمويل الأعمال والخدمات الخاصة بمعدات الإنشاء والتشغيل لوحدات الطاقة الخاصة بمحطة الطاقة النووية.
وقضت الاتفاقية أن يستخدم القرض بواسطة الطرف المصري لتمويل 85% من قيمة كل عقد لصالح تنفيذ الأعمال والخدمات والشحنات المتعلقة بالمعدات، ويسدد الطرف المصري القيمة المتبقية للتمويل والبالغة 15% في أقساط، إما بالدولار أو بالجنيه المصري لصالح المؤسسات الروسية.
ويبلغ أجل القرض 13 عاما خلال المدة الزمنية من 2016 وحتى 2028، بفائدة 3% سنويا، بحسب الاتفاق بين وزارتي المالية المصرية والروسية في صورة دفعات على سنوات، وتكون وزارة الكهرباء هي الملتزمة بتسديد القرض بضمان من وزارة المالية.
وينص العقد على أن توفر روسيا 90% من المكون الأجنبي "عملة الدولة"، وتوفر مصر 10%، لافتًا إلى أن نسبة التصنيع المحلى ستصل إلى 25% لإدخال تكنولوجيا الطاقة النووية للبلاد وبناء كوادر مصرية فى هذا المجال.
وقال وزير الكهرباء إن الحوار المجتمعي يأتى فى إطار حرص الدولة على تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية سعياً لتحقيق الحلم المصرى، والبدء فى بناء وتشغيل المحطة النووية بالضبعة مع الالتزام بمتطلبات قانون حماية البيئة المصرى وقواعد واشتراطات هيئة الرقابة النووية والإشعاعية وهيئة التشريع والرقابة النووية الدولية.
وفي المقابل، أكد الدكتور علي عبدالنبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا، أن التعاقد على مشروع الضبعة النووي يعد من أصعب التعاقدات التي تشهدها مصر في تاريخها القديم والحديث، ومن الصعب الانتهاء من إجراءات توقيعه في وقت زمني قصير.
وتوقع عبدالنبي أن تتأخر المفاوضات وتستغرق مدة زمنية أطول بكثير من الوقت المتوقع، مرجعا السبب إلى صعوبة التوصل إلى حل وسطي يرضي الجانبين المصري والروسي في وقت قصير، وخاصة أن التعاقد يشمل الاتفاق على إنشاء 4 محطات، لافتا إلى أن تلك المحطات حديثة ولم يتم تجربتها حتى الآن في روسيا.
وشدد، في تصريحاته لـ"مصر العربية"، على ضرورة أن تستمر مفاوضات التعاقد مع الجانب الروسي وتستمر بشكل طبيعي؛ حتى يصبح العقد خاليا من الأخطاء التي تنتج عنها كوارث في المستقبل، مشيرا إلى أن مصر لا تمتلك القدرة على تحمل أي كارثة تنتج عن هذا التعاقد، وخاصة أن تكلفة المشروع مرتفعة جدا وليس في مقدور مصر تحمل تكاليف قيمتها 30 مليار دولار.
وناشد نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا، الدولة بعمل تعبئة كاملة لجمع هيئاتها ومؤسساتها المالية والهندسية والقانونية للمشاركة في إبداء خبراتهم المختلفة في هذا المشروع، للخروج بأفضل المميزات التي تحصل عليها مصر.
وأكد عبدالنبي أن هناك مشاكل متوقعة بعد تعاقد مصر مع روسيا على إنشاء 4 محطات نووية دفعة واحدة من موديل AES2006-VVER1200، مؤكدا أن هذه المحطات ليس لها محطة مرجعية، وهذا يخالف المنطق الهندسي ويخالف المواصفات المصرية ويخالف أهم مبادئ الأمان النووى.
ولفت إلى أنه كان من الأفضل أن يتم التعاقد على محطة واحدة فقط من هذا الموديل، أو كانت مصر تتعاقد على محطات من الجيل الثالث، والتي سبق تجربتها داخل وخارج روسيا، وهى موديل VVER-1000 .
وأضاف أن هناك مكتبين لتصميم محطات موديلAES2006-VVER 1200 هذان المكتبان منفصلان في التصميمات، موضحا أن هناك اختلافا كبيرا بين المحطات وبعضها البعض في حين أنها نفس الموديل.
134 مليون جنيه تعويض
وقال المهندس مدحت كمال، رئيس هيئة المساحة بوزارة الموارد المائية والري، إن الهيئة تمكنت من نزع ملكية أرض مشروع الضبعة النووى بالكامل وتسليمها لهيئة الطاقة النووية، ويجرى حاليًا صرف باقي قيمة التعويضات للأهالي، مشيرًا إلى أنه تم صرف مبلغ ١٣٤ مليون جنيه حتى الآن.
وأكد كمال، في تصريحات سابقة له، أن الهيئة تمكنت من نزع ملكية نحو 12 ألف فدان من مشروع أرض الضبعة وتسليم الأرض بالكامل لهيئة الطاقة النووية التى بدأت أعمالها بالفعل، وتقوم حاليًا ببناء مدينة سكنية للعاملين فى المشروع وجزء منها لأهالى الضبعة الذين تم نزع ملكية أراضيهم ومنازلهم.
اﻷمن البيئي
ومن ناحية الجانب البيئي، قالت الدكتورة منى كمال، رئيس جهاز شؤون البيئة، في كلمة بالمؤتمر الجماهيري الأول لأهالي مدينة الضبعة لعرض نتائج دراسات الأثر البيئي والمجتمعي لمشروع المحطة النووية في المدينة، إن اختيار موقع الضبعة مناسب للمشروع النووي ولا توجد تهديدات بحدوث زلازل أو براكين أو تسونامي متوقعة في موقع المشروع.
ودخلت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية في مفاوضات جادة مع 3 دول تقدموا بعروض لإنشاء المحطة النووية، وهى روسيا وكوريا الجنوبية والصين، وتم اختيار العرض الروسي.
ووقعت الحكومتان الروسية والمصرية اتفاقا للتعاون في بناء وتشغيل أول محطة للطاقة النووية في مصر داخل منطقة الضبعة على البحر الأبيض المتوسط وفقا للتقنيات الروسية الحديثة.
4 آلاف فرصة عمل بعد التشغيل
وأضاف وزير الكهرباء أن هذا المشروع سيوفر عدداً من المزايا الاجتماعية والاقتصادية والحضارية حيث إنه يوفر حوالى عشرة آلاف فرصة عمل جديدة لشباب المحافظة خلال فترة التشييد التى تمتد على قرابة ثمان سنوات ، فضلاً عن ما لا يقل عن 4 آلاف فرصة عمل أخرى بعد التشغيل، وسيترتب على المشروع رواج إقتصادى وسياحى سيكون له عظيم الأثر بعد تشغيل المشروع على منطقة الضبعة ومحافظة مطروح بكاملها.
وأكد وزير الكهرباء، أن المستفيد الأول من المشروع النووي هم سكان الضبعة، سواء بشكل مباشر من خلال توفير فرص العمل، أو غير مباشرة من خلال الرواج الاقتصادي بالمنطقة، وتطوير البنية التحية بالمنطقة وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية، وإقامة مشروعات اقتصادية وسياحية.