بعد انسحاب التحالفات الملاحية.. المنطقة الاقتصادية بقناة السويس في «ورطة»
تشهد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أزمة كبيرة، بعد إعلان عدد من التحالفات والخطوط الملاحية وشركات النقل البحري العملاقة، تصفية أعمالها في مصر وإنهاء كل تعاملاتها معها على خلفية قرار وزير النقل 800 لعام 2016.
وقبل أيام، أعلنت مجموعة من التحالفات والخطوط الملاحية العالمية العملاقة منها خطا ملاحة "نيبوني ياسان كايشا" (NYK) و"مول" (MOL) اليابانيان، والخط الملاحي التايواني "يانج منج" ( YANG MIN)، والخط الملاحي الكوري "كي لاين" (K LINE)، والخط الملاحي "إيفر جرين" (EVERGREEN)، إنهاء تعاملاتها في مجال النقل البحري والتجاري مع الموانئ المصرية وقناة السويس.
وتنقل خطوط الملاحة هذه، التي تعد من أقوى التحالفات العالمية في النقل البحري وتداول الحاويات، تعاملاتها من ميناء شرق بورسعيد إلى ميناء "بيريه" باليونان، وبدء شركات وتحالفات أخرى نقل أعمالها من ميناء السخنة بالسويس إلى ميناء "بورتسودان" بالسودان وأخرى لأشدود الإسرائيلي.
وكان وزير النقل، هشام عرفات، قد أصدر مؤخرًا القرار رقم 800 لسنة 2016، الخاص بشروط وضوابط مزاولة الأنشطة المرتبطة بالنقل البحري ومقابل الانتفاع بالتراخيص الممنوحة لمزاولتها، والمهن والأعمال المكملة لأنشطة النقل البحرى، وقواعد وضوابط الانتفاع بالأراضي والساحات الفضاء والمخازن المغلقة والتنكات والصوامع.
القرار صدر بديلًا عن القرارات "180، 73، 332، 520 و 512 لسنة 2003، وشمل تعديلات على حصص الشريك المصري في شركات ووكالات الملاحة، وزيادات غير عادية في إصدار تراخيص وتوكيلات الشركات، ومضاعفة رسوم الشحن والتفريغ على الشركات بالإضافة إلى زيادات في مرور السفن والحاويات التي تقوم بعملية "ترانزيت" في الموانئ المصرية.
وعلى إثره، تقدمت لجنة النقل بجمعية رجال الأعمال، والاتحاد العام للغرف التجارية وغرفة الملاحة ببورسعيد، بمذكرة إلى وزير النقل ورئيس هيئة النقل النهري، للنظر في بنود القرار، مؤكدة أن القرارات مجحفة، وتغلق بشدة أبواب الموانئ المصرية وتهدد الشركات بالإغلاق.
وجاء في المذكرة أيضًا، أن القرار يتضمن مضاعفة الأسعار دون مبرر ودون تقديم خدمات، مقابل هذا الارتفاع الجنوني، موضحةً أن المستهلك سيدفع فاتورة الغلاء في النهاية بعد تطبيقها على الشركات.
وتقدمت غرفة ملاحة الإسكندرية، بمذكرة أخرى، أكدت خلالها أن القرار يهدف إلى الجباية، ومن شأنه يؤدي لانهيار عدد كبير من شركات الملاحة وهدفه تحصيل الرسوم من دون تقدير للتداعيات التي يمكن أن تنشأ عنه، في توقيت تعاني فيه مصر سوء الأداء الاقتصادي.
ورصدت "مصر العربية" آراء الخبراء حول تأثير انسحاب عدد من التحالفات والخطوط الملاحية على حركة الملاحة وحجم التجارة البحرية بقناة السويس وعلى الاقتصاد المصري بشكل عام، خلال هذا التقرير.
"الجباية"
الدكتور أحمد خزيم، المستشار الاقتصادي للمجموعة الدولية وإدارة المراكز التجارية، قال سبق وأن حذرنا من مسئولى المدرسة الإيرادية "الجباية " فى مفاصل القرار، الذين ينحصر تفكيرهم دائمًا فى رفع أسعار الخدمات.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن خروج وانسحاب هذه الشركات والخطوط الملاحية من مصر يصيب الاقتصاد البحرى المأمول فى مقتل بجانب إصابة المستهدف من المناطق اللوجستية قبل أن تبدأ بخسارة لن نستطيع تعويضها.
وأضاف خزيم، أن الخسارة الناجمة عن ذلك ستؤدي إلى حرمان الاقتصاد المصرى من إيرادات بالدولار خدمية، وخاصة أن الطاقة الاستيعابية لميناء بورسعيد كبيرة، مما يؤدي في النهاية إلى تضرر الكثير من الخدمات داخل الميناء، وهذا كله بسبب القرارات التي يتم اتخاذها دون دراسة جيدة وطرح البدائل والأسواق المناسبة.
وأشار إلى أن قرار وزارة النقل بزيادة الرسوم يأتي فى الوقت الذى يوجد فيه منافس قريب ويتطور وهو ميناء بيرية اليونانى، التى استأجرته الصين وتضخ فيه استثمارات وتقنية عالية للغاية.
وأوضح خزيم أنه في مصر يتم التعامل مع القرارات الاقتصادية وكأنها عملية حسابية وهذا خطأ كبير، نتيجة غياب الرؤية وعشوائية القرارات بين الوزارات والحالة التنافسية فى رفع أسعار بين وزارات مجلس الوزراء، مما يؤكد انعزالهم عن بعضهم البعض وكأنهم في جزر منعزلة.
"سبب غير معلوم"
واعتبر الدكتور أحمد الشامي، أستاذ الاقتصاد والنقل البحري، أن انسحاب عدد من التحالفات والخطوط الملاحية سيؤثر على حركة الملاحة وحجم التجارة البحرية بقناة السويس، ولكنه تأثير محدود وليس بالدرجة التي يتحدث عنها البعض.
وأضاف الشامي، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن انسحاب هذه الشركات ليس بسبب القرار 800 ، لأنه لا علاقة له بعملهم، وأن القرار تأثرت به التوكيلات الملاحية وليست الخطوط الملاحية، وبالتالي فإن سبب إنهاء تعاملاتهم مع مصر غير معلوم.
وقال الشامي إن ميناء شرق بور سعيد، لا يمكن مقارنته بميناء بيريه اليوناني، بسبب موقعه المتميز فضلًا عن الخدمات اللوجستية العالية المتوفرة به، مرجحًا أن تسحب هذه الشركات حمولاتها الصغيرة والبسيطة فقط.
وأضاف أن هناك بعض الخطوط التي خرجت من مصر في أوائل 2016 بسبب القرار رقم 488 ، الصادر بتاريخ 7 سبتمبر 2015، مشيرًا إلى أنه كانت هناك شركة اسمها "CMA" قد انسحبت سنة 2000 واتجهت إلى مالطا ولكنها عادت مجددًا إلى ميناء شرق بور سعيد بسبب تميزه.
استثمارات المنطقة
وفي السياق ذاته، قال محمد عبد الله زين، وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، إن قرار الشركات بالانسحاب سيؤثر على الاستثمارات فى المنطقة الاقتصادية، معتبرًا أن قرارهم لم يأت من فراغ، بل جاء عقب القرار رقم 800 من وزارة النقل.
وأوضح أن انسحابهم سيحرم ميناء شرق بورسعيد من 700 ألف حاوية لينخفض إجمالى تداول الحاويات بنسبة تصل إلى 40% فى عام 2017 مقارنة بالعام الماضى، متسائلًا في بيان له، عن الميزة التنافسية فى الأسعار التى فرضتها الحكومة المصرية على شركات الحاويات فى ظل انخفاض حركة التجارة العالمية ؟ وما هى الخدمات التى ستقدمها لتلك الشركات مقابل رفع الأسعار؟ وما القرارات التى سوف تتخذها وزارة النقل لتلافى الآثار السلبية لقرار 800؟.
"رسوم"
وفي المقابل، رأى الدكتور أحمد درويش، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن زيادة الرسوم ووضع قيود جديدة على الخطوط الملاحية ليس تعسفا من قبل الهيئة، ولكن هذه الرسوم تخص الأعمال المهنية والإرشاد والقاطرة والأعمال الحرفية بالموانئ.
وأوضح درويش، في بيان صحفي، السبت الماضي، أن الرسوم لم تتحرك منذ عام 1992 مقارنة بالموانئ المجاورة، وأن القرار 800 جاء بهدف مواكبة الأسعار العالمية في منظومة النقل البحري مثل الموانئ المجاورة.
وبين درويش، أن الهيئة تقوم حاليًا بدراسة تداعيات القرار 800، وغيره من القرارات الخاصة بالخطوط الملاحية سواءً العاملة بموانئ المنطقة أو الأخرى العاملة بالموانئ التابعة لهيئات وزارة النقل، من خلال القرار وهناك تعاون ومشاورات مع المهندس هشام عرفات، وزير النقل، وكافة الأطراف لبحث هذا الأمر.
وفى محاولة لإنقاذ الموقف، قرر الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، تخفيض 50% من الرسوم التي تحصلها الهيئة على السفن التي يزيد طولها على 354 مترا، لتصل إلى 4% من رسوم العبور المقدرة على حمولة السفينة، بدلاً من 8%، والتى كانت قد بلغت 157 ألف دولار مقارنة بـ48 ألف في اليونان، خاصة أنه الميناء الوحيد في مصر الذي يستقبل الجيل الثالث من السفن.
جدير بالذكر أن قناة السويس تعاني مشاكل كثيرة في الآونة الأخيرة دفعت الفريق مهاب مميش إلى محاولة تحصيل الإيرادات مقدما وعرض نسبة تخفيض على الرسوم للشركات العالمية، وذلك بسبب بطء التجارة العالمية، والركود بالاقتصاد العالمي.
وتراجع إجمالي إيرادات قناة السويس خلال عام 2016 لأدنى مستوى له مقارنة بالعشر سنوات الأخيرة، حيث جاءت جملة الإيرادات 4.1 مليار دولار، فيما كانت من عشر سنوات 4.61 مليار دولار.
وكانت بيانات ميزان المدفوعات التى أعلنها البنك المركزي في بداية يناير الماضي، أظهرت تراجع إيرادات قناة السويس خلال الربع الأول من العام المالي الجاري بنسبة 4.8%.