بعد وصولها 2.7 تريليون جنيه.. خبراء: مصر أصبحت دولة مستقبلة للودائع وطاردة للاستثمار
في الوقت الذي سجلت فيه الودائع بالقطاع المصرفي ارتفاعا وصل 2.7 تريليون جنيه في 2016 بنسبة 44.3% عن العام الماضى، يحذر الخبراء من الاستمرار فى السياسات النقدية الحالية التى يتبعها النظام في إدارة الاقتصاد المصري والتى أظهرت فشلها في تحقيق أي نجاحات ملموسة على أرض الواقع بل تعتبر السبب الرئيسي فيما وصلنا إليه الآن، على حد قولهم.
وأظهرت بيانات النشرة الشهرية للبنك المركزى، ارتفاع ودائع القطاع المصرفى بالعملتين المحلية والأجنبية خلال العام الماضى، بنحو 846.5 مليار جنيه، لتصل إلى 2 تريليون و761 مليار جنيه ديسمبر الماضى، بدلاً من تريليون و914 مليار جنيه ديسمبر 2015.
واستحوذ شهر نوفمبر الماضى على نسبة 64% من إجمالى الودائع الجديدة التى دخلت القطاع المصرفى بقيمة 537 مليار جنيه بفضل فروق العملة للودائع الأجنبية عقب تحرير أسعار صرف الجنيه فى الشهر ذاته وتراجع قيمته أمام الدولار ليصل مستوى 18 جنيهاً فى نهاية الشهر، فضلاً عن رفع عدد من البنوك العائد على أوعيتها الإدخارية ليتراوح بين 16 إلى 20%.
كما ارتفعت ودائع القطاع المصرفى بالعملتين المحلية والأجنبية خلال شهر ديسمبر بمعدل أقل من نوفمبر، وبنحو 46.6 مليار جنيه، لتصل إلى 2 تريليون و761 مليار جنيه، مقابل 2 تريليون 714 مليار جنيه فى نوفمبر الماضى.
كذلك ارتفعت ودائع القطاع الحكومى بالعملتين المحلية والأجنبية خلال العام الماضى بنحو 176 ملياراً و528 مليون جنيه لتصل 475 مليار 945 مليون جنيه بدلاً من 299 ملياراً و417 مليوناً فى ديسمبر 2015.
وأظهرت البيانات ارتفاع ودائع القطاع غير الحكومى بالعملتين المحلية والأجنبية طوال العام الماضى بنحو 670 مليار جنيه، فى حين بلغت الزيادة فى شهر نوفمبر نحو 401 مليار 503 ملايين جنيه، وشهر ديسمبر 45 ملياراً 460 مليون جنيه، ليبلغ إجمالى الودائع 2 تريليون 285 مليار جنيه ديسمبر الماضي.
التعويم السبب
الخبير الاقتصادى محمد النجار، قال إن وصول إجمالى الودائع لدى الجهاز المصرفى لـ2.7 تريليون جنيه، جاء نتيجة قرار تحرير سعر صرف الجنيه، مشيرا إلى أن التعويم أثره واضح في زيادة الودائع لهذا الرقم بعد أن كانت 1.9 تريليون في نهاية 2015.
وأضاف النجار في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن ارتفاع نسبة الفائدة المقدمة من البنك المركزى وتقديم بعض البنوك شهادات إيداعية بفوائد مرتفعة جذبت المودعين إلى زيادة الودائع بشكل أكبر، لافتا إلى أن المستثمرين أيضا لجأوا لتحويل بعض الأصول إلى ودائع بسبب الفائدة المرتفعة.
وحذر الخبير الاقتصادى، من الاستمرار فى السياسة المالية الحالية لأننا في ظل هذه الأرقام سنتحول إلى دولة مستقبلة للودائع وطاردة للاستثمار، مطالبا الحكومة باستخدام بعض الأدوات المصرفية التي تشجع على استثمار الأموال وليس إيداعها فى البنوك، لأن أسعار الفائدة المرتفعة تمنع المستثمرين من وضع أموالهم في مشروعات استثمارية طالما أن العائد من الأموال كبير ومضمون.
وأوضح النجار، أنه يجب على الدولة الاعتماد على اقتصاد الاستثمار الذى يقضى على البطالة ويزيد الإنتاج لسد فجوات الاستيراد وطرح مزايا استثمارية جديدة، مؤكدا أننا نحتاج إلى إعادة صياغة السياسة المالية للبنك المركزى والسياسة الاقتصادية للدولة بشكل عام.
وقررت لجنة السياسة النقدية برئاسة طارق عامر، محافظ البنك المركزي، تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع 14.75 % والإقراض 15.75 %، وسعر الائتمان والخصم عند 15.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 15.25% للمرة الرابعة على التوالى.
وكان آخر تعديل أجراه البنك المركزي على معدلات الفائدة تم بالتزامن مع تحرير سعر الصرف يوم الثالث من نوفمبر الماضي؛ إذ رفعها 3% دفعة واحدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة، لتصل إلى 14.75% و15.755% على التوالي، ورفع سعر العملة الرئيسية للبنك المركزي، والائتمان والخصم بواقع 3% أيضاً إلى 15.25%.
شهادات الاستثمار لا تستثمر
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادى، وائل النحاس، إن ارتفاع الودائع لـ2.7 تريليون جنيه ناتج عن رفع سعر الفائدة على الشهادات الاستثمارية والودائع وتحويل 7 مليار دولار داخل القطاع المصرفي للجنيه المصري، إضافة إلى قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضى.
وأضاف النحاس، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن أموال الودائع لا يتم استثمارها بالشكل الأمثل بسبب فوائد التمويل العالية التي تصل إلى 25% سنويا وتجعل المستثمرين يحجموا عن الحصول على قروض من البنوك، مشيرا إلى أن هذه الأموال الضخمة عبء كبير على الدولة ولا تستفيد منها إلا في الاقتراض فقط.
وطالب الخبير الاقتصادى، المسئولين في البنك المركزى ووزارة المالية بإطلاع الشعب على خططهم الاقتصادية بشكل واضح وكامل، قائلا "لازم يقولولنا هما بيخططوا إزاى وليه .. كأن عندهم خطة سرية مش عاوزين يقولوها للناس وهى اللى هتخلص البلد من المشاكل اللى فيها".
الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادى، قال إنه لا يعتقد دخول هذا الحجم من الأموال إلى البلاد خلال الفترة السابقة ما أدى لزيادة إجمالي الودائع في البنوك، مشيرا إلى أن فروق تسعير الودائع الدولارية بعد تعويم الجنيه وارتفاع نسبة الفائدة هما السبب الرئيسى في زيادة الودائع لـ2.7 تريليون جنيه.
وأضاف سلامة في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن الكارثة الأكبر في الوقت الحالي تكمن في حجم الدين الخارجي الذى بلغ 67 مليار دولار، والدين الداخلى الذى بلغ 3 تريليون جنيه ، مشيرا إلى أن السياسة المالية الحالية للبنك المركزى هي السبب في كل ما يجرى للاقتصاد المصري والتي قد تعيد إلينا ما فعله الخديو إسماعيل من الاقتراض بشراهة إلى أن تم احتلال مصر قائلا "إذا استمرينا في هذه السياسات فإن هذا المجتمع ينتحر ببطء".
وارتفع إجمالي الدين الخارجي للبلاد إلى 67.322 مليار دولار في النصف الأول، الذي انتهى في 31 ديسمبر بعد أن كان 47.792 مليار دولار في النصف الأول من 2015-2016.
وارتفع الدين العام الداخلي 28.9% إلى 3.052 تريليون جنيه بعد أن كان 2.368 تريليون في النصف المقابل من السنة المالية السابقة.
وأكد سلامة، أن مصر لابد أن تتوقف عن الاقتراض نهائيا وتبدأ في الاعتماد على امكانياتها الاقتصادية الذاتية وزيادة الإنتاج والتحول من الاقتصاد الريعى الاستهلاكى إلى الاقتصاد الانتاجى الاستثمارى فضلا عن ضرورة تغيير السياسات المالية والاقتصادية العامة للدولة لأنها سبب رئيسي فيما نحن فيه الآن.