مجزرة المنيا.. "مينا وماركو" طفلان أخطأهما الرصاص وسحقتهما الكاميرات
خمسة وأربعون دقيقة انتظرها الصحفيون أمام منزل الشهيد عادل حبيب بقرية دير الجرنوس التابعة لمركز مغاغة، لحين انتهاء قناة "سي تي في" من التصوير مع الطفلين ماركو ومينا الناجيان من العملية الإرهابية.
حالة التذمر بدأت بين الصحفيين بعد أخذ القناة كل هذه المدة، وقبل نهاية حديث القناة توجه ثلاثة من الصحفيين للحجرة التي يتم فيها عملية التسجيل، لاستعجال القناة، أو التصوير معها إن أمكن لكن المذيع لم يبال بحديثهم مطالبا إياهم بالابتعاد، ليتدخل أحد أقارب الطفلين قائلا: "يا ناس العيال منمتش من عشية".
استقبل الصحفيون الذين لم يحظوا بمقابلة مع الأطفال صوت الشاب الأجش
كالصاعقة بعيون تلتفت يمينا ويسارا، بادئين مرحلة أخرى من الاستجداء والتوسل من أجل مقابلة مع الطفلين ولو لدقيقة واحدة".
في هذه الأجواء المشحونة خرجت سيدة من منزل الشهيد والد الطفلين حافية القدمين تشيح بوجهها عن جموع الصحفيين وهي تردد بشفاه مرتجفة وعيون احمرت من كثرة البكاء .. "ياناس خبطتين في الراس توجع ياناس"، متجهة صوب المنزل المقابل وسط عبارات مواساة من المعزين.
لم تتوقف كاميرات الصحفيين عند المرأة كثيرا، لدخولهم في وصلة أخرى من الجدل والتوسل لأحد أفراد الكنيسة مستشفعين به عند أهل الطفل للموافقة على التصوير.
في هذه الأثناء سأل سائق السيارة المصاحبة للقناة عن المرأة التي خرجت، فأجابته إحدى المعزيات بأنها هي أم الشهيد وان ابنها الذي استشهد هو الثاني خلال عام.. "معذورة الضنى غالي برضو".
منذ وقوع العمل الإرهابي وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تترك وسائل الإعلام بمختلف أنواعها الطفلين ولو فقط للراحة بضع ساعات ليستطيعوا أن يدلوا بشهادتهم المتكررة المتطابقة يرددونها دون أي إحساس أو حركة جسد تليق بهول ما عاينوا.
بلسان متعثر وبراءة طفل مغتالة، سأل مينا عادل مذيع القناة "مش ممكن تصوروا كلكم مع بعض علشان احنا تعبنا من امبارح؟ لم يتوقف المذيع أو الصحفيين عند براءة السؤال كثيرا، فيضيف ماركو بعينين لا تجد من الدمع ما تسكبه" كل ما ننسى تفكرونا.. احنا نقول نفس الكلام من العشية".
رغم أن رصاص الإرهاب تجاوز الطفلين ماركو ومينا أبناء الشهيد عادل حبيب إلا أن عدسات الكاميرات خذلت طفولتهم، وتضاءلت براءتهم وهول المأساة التي عاشوها أمام ضمير الصحفيين فاختاروا السبق الصحفي.
على الجانب الآخر من الطريق على بعد 300 متر تقع الكنيسة الإنجيلية حيث سرادق العزاء.. كل شيء يبدو طبيعيا، اتساقا كاملا مع الحدث وتسليم بالقضاء
وعيون عالقة بالسماء تنتظر عدالتها.