المرض النفسي لم يعد للنخبة في مصر.. هل تتدخل الحكومة للعلاج؟
في 13 سبتمبر الجاري، تصدر لاعب النادي الأهلي "مؤمن زكريا" واجهة المواقع الإخبارية والسوشيال ميديا لساعات، بعد أن ظهر، في إحدى المقابلات التليفزيونية، بصورة بدت صادمة للكثيرين، حيث تغيرت طريقة كلامه بشكل لافت، وبات يتحدث ببطء شديد كمن أصابه أحد الأمراض المتعلقة بالمخ أو الأعصاب، علاوة على شحوب وجهه وهزال جسده بشكل لافت.
حالة "مؤمن"، وما أثير حول مروره بأزمة نفسية، بسبب تذبذب مستواه الكروي وعدم رضاه عن الطريقة التي تم التعامل معه بها داخل ناديه، علاوة على تجربته الاحترافية البسيطة في السعودية، والتي مثلت له فترة مظلمة من حياته، عكست مجددا أمام الكثيرين بعدا مهما من أبعاد المرض النفسي، وهو البعد العضوي.
وتحت تأثير صدمة مظهر "زكريا"، استعاد الكثيرين من المصريين، لاسيما الشباب، هموما تضاعفت لديهم، خلال السنوات القليلة الماضية، والتي شهدت موجات غلاء وتضخم كبير، علاوة على انسداد الأفق السياسي، وهي أمور جعلت الشباب في مصر يتقلبون بين الهموم في الليل، وبذل مجهود مضاعف في النهار لمحاولة مجاراة كل ما يحدث.
قصص محزنة
وخلال الأسابيع الأخيرة، توالت القصص داخل وسائل إعلام مصرية عن تعدد حالات انتحار بين مصريين، كان أبرزها قصة انتحار عامل من مركز أبو تشت شمالي قنا جنوبي البلاد، لمروره بأزمة نفسية وفق بوابة أخبار اليوم المملوكة للدولة، رغم أن محافظات الصعيد تعرف في مصر بقوة التحمل.
كما حاول شاب يبلغ 35 عاما الانتحار، قبل أيام، بالقفز في نهر النيل من أعلى كوبري 15 مايو الشهير بوسط القاهرة، بدعوى مروره بأزمة نفسية، لكن قوات الأمن أفشلت محاولته.
ودفع استمرار الأزمة أستاذ الطب النفسي ومستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسية، "أحمد عكاشة"، لإطلاق الحملة الوطنية لإزالة وصمة المرض النفسي في يونيو الماضي تحت شعار "الألم النفسي زي (كـ) أي مرض.. له علاج".
وبحسب منظمة الصحة العالمية، في تقرير نشرته يوم 9 سبتمبر الجاري، فإن مصر تصدرت قائمة البلدان العربية من حيث أعداد المنتحرين لعام 2016، حيث شهدت 3799 حالة انتحار، وتجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات (3095 منتحرا مقابل 704 منتحرات).
الخوف من الغد
ويرى الطبيب النفسي د. "محمود الوهيدي" أن هناك انتشار لمشاعر الخوف والذعر في مصر، مبعثه الخوف من الغد في ظل واقع اقتصادي صعب، في المقام الأول، يليه الاعتقاد بغياب المساواة والعدالة، ونقص الأمان الشخصي.
ويلفت "الوهيدي" إلى إحدى أبرز أسباب التدهور النفسي الذي يرى أنه أصاب قطاع عريض من الشباب في مصر، وهو غياب القدوة أو تشوهها، وهي أزمة زادت وتيرتها مع تداخل السياسي مع الديني مع الاجتماعي في البلاد، خلال الفترة الماضية بشكل غير صحي.
وأوضح أنه أنه في مواجهة تلك المشاعر السلبية يلجأ الجسم إلى حيل دفاعية كي يتغلب عليها تظهر بعضها في أمراض نفسية كاللجوء إلى الاكتئاب والانعزال أو كاللجوء إلى زيادة مشاعر القلق وما يتبعه من مرض الوسواس القهري والعنف بهدف خلق شخصية مسيطرة تواجه ظروف الحياة.
ويشير "الوهيدي" إلى أن الوسواس القهري زاد بطريقة رهيبة في مصر، خلال الخمس سنوات الأخيرة، كما تضاعفت الإصابة بالاكتئاب بما يقرب 10 مرات قبل تلك السنوات الأخيرة في مصر.
الضغوط على الأطفال
وبالتدرج من جيل الشباب إلى جيل الوسط، نجد أن هذه المظاهر النفسية السيئة تتطور وتتحول إلى شعور بالفشل في تحمل المسؤولية، خاصة عند الاصطدام بالواقع المعيشي الذي ازداد صعوبة، والذي يزداد صعوبة بوجود أطفال يقعون تحت مسؤوليته.
وبمناسبة الأطفال، يؤكد نفسيون أن أصعب المظاهر تمكن في تطور تلك الأمراض والضغوط على الأطفال، فالصغار هم الحلقة الأضعف في دائرة الحياة، إذ تصل لهم ضغوط الحياة عبر ذويهم وتجعل منهم أطفالا مشوهين مخادعين بدرجة عنيفة، مما يضر مستقبلهم قبل حاضرهم.
ويطالب الدكتور "أحمد الشرقاوي"، استشاري الطب النفسي، بتطوير قطاع العلاج النفسي الاقتصادي في مصر، وهو القطاع الذي يتمثل في مستشفيات العباسية وحلوان والدمرداش، وهي مستشفيات تضم بالفعل كوادر ماهرة من الأطباء والمتخصصين النفسيين، لكنها غارقة في بحر الروتين والفوضى.
البديل أمام المرضى النفسيين أو المصابين بالاكتئاب هي العيادات الخاصة، وهي باهظة الثمن، ولا يتصور أن يقدم مريض نفسي على ارتياد أحد تلك العيادات، ليشكو بأريحية من مصاعبه المعيشية اليومية.
وعن أفضل أساليب العلاج يقول "الشرقاوي" إن الحل الأول يمكن في الخروج من دائرة الأزمة ونطاق الألم والمؤثر السلبي، وهو أمر يقدره الطبيب مع المريض بحيث لا يعيش في مكان يتسبب في زيادة ألمه.
أخيرا، يتبقى أن يتم إيلاء الاهتمام بالمبادرة التي دشنها مستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسية، وأن تكون نواة لتحرك حكومي منظم لمواجهة هذا الغول الذي ينهش قلوب المصريين.