تطورات سد النهضة | تصعيد إثيوبي جديد.. ما موقف مصر والسودان؟
في تصعيد جديد، تواصل إثيوبيا خطابها العدائي وتحدي كل من مصر والسودان، وتأكيد اعتزامها على الملء الثاني لسد النهضة رغم رفض دولتي المصب، وأنه لا أحد يمكن أن يمنع أديس بابا من بناء سد النهضة، وهو ما اعتبرته القاهرة تهديدا لمصالح الشعب المصري والسوداني.
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية صعد الحديث عن سد النهضة الإثيوبي بشكل كبير، ما بين تحذيرات الخبراء من احتمالية انهيار السد بعد الملء الثاني أو اكتمال بناء السد، وهو ما ينذر بطوفان يشبه بطوفان "نوح" عليه السلام يلتهم السودان ويُغرق صعيد مصر، وما بين التصريحات الإثيوبية التي تؤكد استكمال السد رغم تلك المخاوف.
وبلغت نسبة بناء سد النهضة الإثيوبي نحو 79%، وتعتزم إثيوبيا الملء الثاني في شهر يوليو 2021، إلا أن مصر والسودان رفضا أي إجراءات أحادية من قبل إثيوبيا قبل التوصل لاتفاق قانوني ملزم يحفظ حقوق الشعبين المصري والسوداني في مياه النيل.
ووصل العمل بالسد، الذي بدأ في عام 2011 ، إلى نقطة فارقة في يوليو 2020 عندما بدأت إثيوبيا في ملء خزانها، مرورا بالمشاكل الفنية التي تواجه البناء الضخم، وصولا إلى تحديد موعد الملء الثاني في يوليو 2021.
التحدي الإثيوبي
وتحاول إثيوبيا مواصلة سياسة فرض الأمر الواقع، فبعد أن فاجأت مصر والسودان بالملء الأول في يوليو 2020 الماضي، تصر على استكمال السد رغم تعثر المفاوضات، وهو ما بدى في تصريحات نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ديميكي ميكونين، بأنه لا يجب لأحد أن يمنع إثيوبيا من التنمية في مواردها الطبيعية وهي تساهم بـ 86 في المائة من نهر النيل.
واحتفلت إثيوبيا، أمس الأربعاء 17 مارس 2021، بذكرى مرور 10 سنوات على تدشين سد النهضة، وهو الاحتفال الأول من نوعه، والذي أكد خلاله نائب وزير الخارجية الإثيوبي إن استكمال مشروع سد النهضة مسألة ضمان لسيادة بلاده، حسبما نقلت هيئة الإذاعة الإثيوبية "فانا".
وخلال الاحتفالية أكد وزير المياه والري والطاقة سيليشي بيكيلي أن المرحلة الثانية لملئ السد ستبدأ في موسم الأمطار المقبل، مشددا أنه لن يتم تأجيل المرحلة الثانية لملئ السد "بأي حال من الأحوال".
ويأتي ذلك بعد أيام من رفض إثيوبيا للمقترح السوداني الذي أيدته مصر، بتشكيل وساطة رباعية دولية تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، لحلحلة مفاوضات سد النهضة التي فشلت على مدى السنوات العشرة الماضية.
وخلال عام 2020 تعثرت المفاوضات التي قادها الاتحاد الأفريقي بقيادة دولة جنوب أفريقيا، ومن قبل أيضا فشلت المفاوضات التي قادها البنك الدولي والخزانة الأمريكية.
مصر ترد على إثيوبيا
التصريحات الإثيوبية الأخيرة، اعتبرتها وزارة الخارجية المصرية كشف عن نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، مؤكدة رفضها لهذا الأمر لما يمثله من تهديد لمصالح الشعبين الصري والسوداني، ولتأثير مثل هذه الإجراءات الأحادية على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتعقيباً على تصريحات وزيري الخارجية والري الإثيوبيين، قال السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية إن هذه التصريحات التي أكدت على اعتزام إثيوبيا استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، تكشف مجدداً عن نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وهو أمر ترفضه مصر لما يمثله من تهديد لمصالح الشعبين المصري والسوداني.
وأضاف المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، في بيان له اليوم الخميس 18 مارس 2021، إنه من المؤسف أن المسئولين الإثيوبيين يستخدمون لغة السيادة في أحاديثهم عن استغلال موارد نهر عابر للحدود، فالأنهار الدولية هي ملكية مشتركة للدول المُشاطئة لها ولا يجوز بسط السيادة عليها أو السعي لاحتكارها.
وتابع :"بل يتعين أن توظف هذه الموارد الطبيعية لخدمة شعوب الدول التي تتقاسمها على أساس قواعد القانون الدولي وأهمها مبادئ التعاون والإنصاف وعدم الإضرار".
وأشار متحدث الخارجية المصرية إلى أن هذه التصريحات الإثيوبية قد صدرت في الوقت الذي تبذل فيه جمهورية الكونغو الديمقراطية الشقيقة، والتي تولت رئاسة الاتحاد الأفريقي، مجهودات مقدرة لإعادة إطلاق مسار المفاوضات والتوصل لاتفاق قبل موسم الفيضان المقبل، وهو ما يعكس غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإثيوبي للتفاوض من أجل التوصل لتسوية لأزمة سد النهضة.
ونوه إلى أن مصر والسودان قد أكدتا على أهمية الانخراط النشط للمجتمع الدولي في مفاوضات تقودها وتُسَيرُها جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال رباعية دولية تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وذلك لضمان فاعلية العملية التفاوضية ولدفع الدول الثلاث ومعاونتها على التوصل لاتفاق على سد النهضة خلال الأشهر المقبلة.
السودان:إثيوبيا تصر على الضرر
وتعقيبا على التصريحات الإثيوبية، قالت وزارة الخارجية السودانية إن إثيوبيا تصر على إلحاق الضرر بالسودان من خلال الملء الثاني لسد النهضة، منتقدة ما وصفته بـ"التعنت" الإثيوبي على الرغم من علمها بأن الملء الثاني يهدد حياة الملايين من السودانيين وله عواقب وخيمة.
ودعت الخارجية السوداني، في بيان لها مساء أمس الأربعاء، السلطات الإثيوبية بمراعات الاتفاقيات الدولية من أجل الوصول لاتفاق ملزم مرض للدول الثلاث بشأن ملء سد النهضة، مؤكدة أن السودان في كل الأحوال قادرة على حماية أمنها القومي ومواردها وسلامة بنياتها التحتية.
واعتبرت السودان أن إصرار إثيوبيا على الملء الثاني في يوليو القادم دون التوصل التفاق، يعني تمادي إثيوبيا في موقفها المخالف للقانون الدولي، داعيا إياها لاحترام القوانين الدولية والالتزام بمبدأ الاستخدام المنصف للمياه دون إحداث ضرر ذي شأن للدول المتشاطئة.
وأشارت السودان إلى أنها تلقت ردود أفعال إيجابية بشأن مقترحها بتشكيل رباعية دولية لقيادة مفاوضات سد النهضة، وأن الأطراف الدولية أبدت استعدادها للوساطة وتسهيل التفاوض وإتاحة خبراتهم الفنية والقانونية والسياسية للتقريب بين وجهات نظر الدول الثلاث.
وسبق أن حذر وزير الري السوداني من مخاطر سد النهضة على نحو 20 مليون مواطن سوداني يهددهم الملء الأحادي للسد، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية، سونا، مشددا أن الملء الثاني يمثل تهديدا خطيرا على الأمن القومي السوداني.
خبراء:العداء الإثيوبي والتواطؤ الأمريكي
وانتقد خبراء مياه التصريحات الإثيوبية التي أكدت خلالها على مواصلة بناء السد دون التوصل لاتفاق، معتبرين أنها تصريحات فجة وعدائية، مؤكدين على ضرورة البحث عن حلول حاسمة دون الانتظار لماوضات رباعية دولية.
ومن جانبه قال الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، إن تصريحات إثيوبيا عدوانية، وتتحدث وكأن نهر النيل ملكها وحدها وليس نهر مشترك، وأن ملء السد إجبار وليس تعاون وتنسيق، مضيفا :"ناسيين حقوق 150 مليون مواطن".
وأشار إلى أن ما أصبح يدعم الموقف الإثيوبي التصريحات الأمريكية الأخيرة، التي وصفها بـ"السيئة" بأنه لا أحد يستطيع أن يقول لإثيوبيا لا تملء السد، معتبرا أن هذا الموقف الأمريكي يمثل امتدادا لسياسة أوباما المتطرفة ضد العرب والمسلمين وتأكيدًا لما هو جاري تنفيذه فى اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
وأضاف علام، عبر حسابه على موقع فيس بوك، قائلا:"التواطؤ الدولى على مصر والسودان واضح للجميع، وسياسات أوباما الأمريكية للقضاء على ماتبقى من العرب مستمرة ولا تحتاج الى دليل، ولكن المهم هو كيف ستدافع مصروالسودان على وجودهما!؟ وكيف سيدافع العرب جميعا عن بقائهم!؟.
وتابع :"إعلان الولايات المتحدة الأمريكية بقبول الوساطة فى أزمة السد الأثيوبي إذا وافقت الدول الثلاثة، ورفض أثيوبيا ذلك وإعلانها على الملء المنفرد للمرحلة الثانية لسدها التخريبي وأثاره المخربة بدولتى المصب، وصمت وطناش الولايات المتحدة، والضغط يتزايد علينا لفرض الحل الصعب".
وأشار هاني رسلان، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن بيان وزارة الخارجية المصرية يتحدث عن مقترح الرباعية الدولية، رغم أن أمريكا أوضحت أنها لن لن تتدخل إلا بدعوة من الأطراف الثلاثة، متسائلا :"إذن فما هو معنى استمرار الحديث عن مقترحات أو تحركات غير قابلة للتنفيذ؟".
وأضاف رسلان، عبر حسابه على موقع فيس بوك، أن احتمالية التدخل الأمريكى لتسوية سد النهضة أصبحت غير قائمة، موضحا أن واشنطن ترهن تدخلها بدعوة من الأطراف الثلاث، وهذا يعنى أنها عازفة عن التدخل لأن إثيوبيا ترفض كالعادة.
واستطرد :"تواطؤ إدارة بايدن مع إثيوبيا فى قضية مياة النيل أصبح مكشوفا ولا يحتاج إلى براهين أو تخمينات، من ثم فإن المراهنة على المجتمع الدولى لكى ينهض بواجبه أصبحت مسألة غير عملية".