البقاء أم الرحيل؟.. نهاية "حلم مبتور" لمهاجري "كاليه" بفرنسا

كتب: وكالات ـ الأناضول

فى: شئون دولية

15:42 26 أكتوبر 2016

إخلاء مخيّم "الغابة" بمدينة "كاليه" شمالي فرنسا، يأتي بمثابة "حلم مبتور" تحول إلى "كابوس" للمهاجرين الذين جمعهم المخيم الأكبر في هذا البلد وفي القارة الأوروبية.

 

ودخلت عملية إجلاء مهاجري مخيّم "الغابة"، اليوم الأربعاء، يومها الثالث والأخير، لتكتمل المرحلة الأولى لتفكيكه.


"هدوء" اتّسمت به عمليات الإجلاء منذ انطلاقها، أمس الأول الإثنين، لتوزّع المهاجرين على مراكز الاستقبال والتوجيه التي أعدّتها الحكومة الفرنسية في مختلف أرجاء البلاد.


توزيعٌ داخلي ما كان، بأي حال ليرضي جميع تلك الأعناق المصطفّة بوجوم وعلى معاصمها أسورة جلدية ملوّنة، بحسب الوجهة المحدّدة لهم.


أحلامٌ بالتوجّه إلى بريطانيا القريبة من "كاليه" الفرنسية، كُلّلت بفشل سواء عبر محاولة الطرق غير الشرعية من خلال الصعود على متن الشاحنات العابرة للحدود مع البلدين، أو بشكل رسمي في إطار الالتحاق بعائلاتهم الموجودة في بريطانيا بالنسبة لمن يستجيبون لهذا الشرط.


طوابيرٌ اصطفّت على مسافات طويلة، وملامح المهاجرين بدت خالية من الحماس، ونظراتهم الواجمة تعكس تردّدا يثقل الأنفس بتساؤلات كثيرة وأدها واقع يفرض عليهم وجهة أحادية.


استفهاماتٌ لا تنضب في عقول تلقّت كمّا من المعطيات والمعلومات والمعاناة، حتى أضحت عاجزة عن استيعاب المزيد، خصوصاً وأن محافظة "با دو كاليه" التي تتبع لها مدينة "كاليه"، وموظّفين تابعين للداخلية الفرنسية، أخبروهم للتوّ بما ينتظرهم عقب تفكيك المخيّم.


ومعظمهم لا يمتلك من خيار سوى البقاء أو العودة إلى إيطاليا، أول بلد أوروبي وطأته أقدامهم.


"عزيز"؛ أفغاني يواصل رحلته منذ 6 سنوات، وتحديداً إثر مغادرته لبلاده في سن الـ 16، هو واحد من هؤلاء المهاجرين الذين يجدون اليوم أنفسهم مجبرين على العودة إلى إيطاليا.


رحلة طويلة بالنسبة لهذا الشاب اليافع الذي غادر مدينته هرات بأفغانستان، قبل أن يصل إلى تركيا ويعمل لمدة 3 سنوات بمخبز هناك.


وباللغة التركية التي تعلّمها أثناء عمله، قال "عزيز" مسترجعاً ذكرياته "كنا نعمل لمدة 12 ساعة في اليوم، ونعجن أكثر من ألف رغيف".


"عزيز" وصل مخيّم "الغابة" منذ شهرين تقريباً، وقد كان هدفه الرئيسي في ذلك هو مساعدة شقيقه على الوصول إلى بريطانيا.


وباستياء أضاف: "لو لم يكن من أجله، ولو لم تكن لدينا عائلة هناك (في المملكة المتحدة)، لما جئت أبداً إلى هنا.. اعتقدنا أن الإنجليز سيتركونه يمرّ".


الأفغاني الشاب قال إن الأمر بلغ به حدّ التفكير في دفع 4 آلاف جنيه استرليني للمهرّبين لتأمين عبور شقيقه، مع أنّ الأخير بإمكانه فعل ذلك بشكل قانوني باعتبار أنّه قاصر، وتشمله بالتالي الإجراءات المقترحة بالنسبة لهذه الفئة العمرية.


وسمحت لندن لـ 70 قاصراً بالانضمام إلى أسرهم في بريطانيا، بموجب مبدأ "لمّ الشمل"، ويبقى بحسب الجمعيات الإنسانية أكثر من ألف آخرين تقلّ أعمارهم عن 18 عاما في "كاليه" ينحدرون من السودان وأفغانستان وأريتريا وسوريا وغيرها.


مدّ وجزر يعمّق من مخاوف المهاجرين ويزيد من تردّدهم. وتماماً كغيره من العديد من المهاجرين الآخرين الذين وضعوا بصماتهم لدى دخولهم إيطاليا، يتوجّب على "عزيز" العودة إلى هذا البلد الأوروبي، بعد فترة وجيزة قضاها في مركز للاستقبال بفرنسا.


وفي الواقع، فإن المهاجرين الذين تقدّموا بطلبات لجوء في إيطاليا لا يمكنهم التقدّم بملفّ مماثل في فرنسا أو في أيّ بلد آخر، وفق لائحة "دبلن" للاتحاد الأوروبي والتي تلزم المهاجرين بطلب اللجوء من أوّل دولة يصلون إليها.


وفي حال رفضوا الرحيل، فإنهم يعرّضون أنفسهم لعقوبة الاحتجاز في مراكز فرنسية مخصصة لذلك، تماما مثلما حذّرت، الإثنين، وزيرة السكن الفرنسية إيمانويل كوس، في تصريحات لها بإحدى الإذاعات المحلية.


وبالنسبة لـ"عزيز" فإن الخيار الأخير المتبقّي أمامه هو الذهاب وحده إلى باريس "سأستقلّ الحافلة لأذهب إلى باريس".

 

ويضيف "لديّ الكثير من الأصدقاء هناك، وقد أعثر على عمل في أحد المخابز المتخصصة في المعجّنات الشرقية".


ولئن استطاع الشاب الأفغاني أن يحسم أمره، إلا أن "هادي" الذي لم يتجاوز عامه الـ 23، لم يتمكّن بعد من اتّخاذ قرار نهائي، خصوصاً وأن صورة فرنسا بأكملها تتلخّص في ذهنه الصغير في مخيّم "الغابة"، تماما كمعظم مهاجري "كاليه".


"لا أدري حتى الآن" يقول بصوت منخفض "قد أبقى في مركز الاستقبال ثم أقرر الرحيل بعد ذلك".

 

عامل آخر من شأنه أن يزرع الشك في نفوس المهاجرين، ويتعلّق بالمعاملة التي تنتظرهم في مراكز الاستقبال بالمحافظات. 

 

فعلى إثر العنف المتفجّر من معاملة الشرطة المتواجدة بمخيم "الغابة" في كاليه، بدا من الصعب على هؤلاء اللاجئين الاقتناع بأن تفكيك ملاجئهم سيكون نعمة بالنسبة لهم.


ففي هذا المخيم الذي يضم جنسيات مختلفة بينها الأفغانية والسودانية والسورية والمالية والإريترية والباكستانية، إلا أن الأفغان يظلّون الأكثر إفصاحاً عن غضبهم حيال أوضاعهم وآفاقهم المستقبلية. 


"ما الذي تنتظره الدولة (الفرنسية) للتدخّل؟"، يقول عدد منهم باستياء.


وإثر رحيل أكثر من 2318 في اليوم الأول، وإغلاق المحلات التجارية الصغيرة التي يديرها مهاجرون، بدا المخيّم أشبه بقرية مقفرة حزينة.


فتلك المحلات الصغيرة التي كانت إلى وقت قريب تكتظ بالزبائن من المهاجرين، أوصدت أبوابها بقرار صدر الأسبوع الماضي من مجلس الدولة، أعلى هيئة قضائية وإدارية في فرنسا.


ومع انطلاق عمليات الهدم، تحوّل جزء من المكان إلى ساحة تضجّ بالأنقاض والركام، على مرأى من تبقّى من المهاجرين ممن كانوا يرمقون وحدات الشرطة والصحفيين بنظرات خالية من التعابير.


عمليات الهدم سواء كانت من قبل الفرق المخصصة لذلك، أو من المهاجرين أنفسهم، لم تشمل الخيام والمحلات فحسب.


لكنها طالت أيضا مسجد "عمر" والذي يعتبر مكان العبادة الوحيد الذي يرتاده المسلمون لأداء الفرائض، بحسب جمال، صاحب مبادرة تشييد المسجد. 


ومع انتهاء إجلاء آخر المهاجرين المتبقين بالمخيم، اليوم الأربعاء، تودّع فرنسا أكبر تجمّع عشوائي للاجئين فيها، لتطوى صفحة أخرى في رحلة معاناة أكثر من 6 آلاف و486 مهاجراً، بحسب الإحصائيات الرسمية الفرنسية، في حين تتحدث بعض المنظمات الإنسانية عن رقم يناهز الـ 10 آلاف.

اعلان