برلمانيات هولندا.. اختبار للشعبوية الأوروبية
باهتمام بالغ، تنصب أنظار أوروبا، اليوم الأربعاء، على هولندا التي تجري انتخابات برلمانية يرجح عدد من الخبراء بأنها ستبعثر المشهد السياسي الأوروبي رأسا على عقب، وستحدد نوايا التصويت في كل من فرنسا وألمانيا وربما إيطاليا.
وفي الواقع، فإن الأنظار تتجه بشكل أكبر نحو اليميني المتطرف، مرشح "الحزب من أجل الحرية" في هولندا، خيرت فيلدرز، والذي تعتبر الأحزاب الشعبوية الأوروبية أن النتائج التي سيحققها في بلاده سترسم مسار التيار المتطرف في بقية أرجاء القارة.
"شعبوية معدية"
المحلل السياسي الهولندي أندريه كرويل، قال قبل أسبوع، إن "خيرت فيلدرز ربح الانتخابات بغضّ النظر عما ستكون عليه النتائج، لأنه لا حديث في هولندا هذه الأيام إلا عن مرشح الحزب من أجل الحرية".
وأضاف أن "اليمين بمختلف مشاربه اعتمد لغة فيلدرز، ما يعني أنه فاز سلفا".
فيلدرز المعروف بعدائه للإسلام وللمسلمين، والداعي إلى إغلاق الحدود والمساجد وحظر القرآن والخروج من منطقة اليورو ومن الاتحاد الأوروبي، استطاع أن ينفث خطابه العنصري في الحملة الانتخابية ببلاده، ليخلق نوعا من العدوى التي أصابت حتى الليبراليين أنفسهم.
عدوى شملت رئيس الوزراء الحالي مارك روته، من "الحزب الشعبي الليبرالي- الديمقراطي"، والذي نشر، في يناير الماضي، رسالة بالعديد من الصحف المحلية، دعا فيها أولئك "الذين يرفضون التأقلم أو ينتقدون قيمنا"، و"أولئك الذين "يتحرّشون بالمثليين، ويضايقون النساء اللواتي يرتدين تنورة قصيرة" إلى "التصرّف بشكل طبيعي حيثما ذهبوا".
المشهد أثار حفيظة الإعلام المحسوب على التيارات المعتدلة سواء داخل البلاد أو خارجها، حتى أن البعض منها تساءل مندهشا عما يحدث في "بلد الأقحوان" ولنموذجه الليبرالي؟
فمباشرة عقب استفتاء "بريكست" للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وصعود الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم في بلاده، أصيبت هولندا أيضا بأعراض التطرّف يمينا، ما يدفع إلى التساؤل إن كان الخوف أو "الفوبيا" من الهجرة وفقدان الثقة في السياسات القائمة سينتج ضغطا ينتهي بصعود التيار الشعبوي؟
اختبار لـ "مارين لوبان"
الشعبويون الأوروبيون يدركون جيدا أن برلمانيات هولندا ستكون أوّل اختبار لوزنها قبل رئاسيات فرنسا في أبريل ومايو المقبلين، والانتخابات البرلمانية في ألمانيا خريف العام الجاري، وربما الانتخابات الإيطالية بحلول ديسمبر القادم.
فما سيحققه فيلدرز من شأنه أن يلهم ويوضح الرؤية أمام نظرائه الأوروبيين، سيما في ما يتعلق بمستقبل الاتحاد الأوروبي، وهذا ما بدأت مرشحة "الجبهة الوطنية" بفرنسا، اليمينية المتطرفة مارين لوبان بالتخطيط له، حيث سبق وأن وعدت في حال فوزها بإجراء استفتاء حول الخروج من المنظمة.
ومع أن فيلدرز تراجع، في أحدث استطلاع أجراه معهد "بوي" الهولندي، إلى المركز الثاني بـ 15 % من نوايا التصويت، خلف رئيس الوزراء الحالي، أي ما يعادل 20 إلى 23 مقعدا برلمانيا، إلا أن الشعبويين يعوّلون على قرار اللحظات الأخيرة للناخبين، وعلى توسّع رقعة المعادين للمهاجرين وللمسلمين والحانقين على الأزمات الاقتصادية التي تهز منطقة اليورو عموما.
العديد من المحللين أشاروا، مؤخرا، إلى أن هولندا تعتبر مؤشرا موثوق به إلى حدّ ما بالنسبة لتوجهات التصويت الأوروبية، ما يعني أن هذا البلد سيحتضن الشرارة الأولى لصعود الشعبوية في أوروبا، ومهد تربع اليمين المتطرف فيها على السلطة.
فيلدرز.. نجا من الشيطنة فوقع في الراديكالية
خيرت فيلدرز يعد أيضا من أوائل الشعبويين الأوروبيين الذين صنعوا لليمين المتطرف حلّة جديدة، وهذا ربما ما جعله يحظى لوقت طويل بهامش من التسامح من قبل الهولنديين، وهو أيضا ما جعلهم يأخذون الكثير من الوقت قبل تصنيفه سياسيا في خانة اليمين المتطرف، وإن يرى بعض المراقبين أن تخفّيه وراء قناع الشعبوية الجديدة هو ما قد يكون سمح له بمغالطة الرأي العام، وإظهار واجهة مختلفة، تجلت بالخصوص حين دعم حكومة روتا في 2010.
تمويه عمّقته عوامل عديدة أخرى أبرزها أن فيلدرز نفسه قادم من صفوف حزب رئيس الوزراء الهولندي الحالي، قبل أن يغادره ليؤسس في 2004 حزبه الخاص للوقوف بوجه انضمام محتمل لتركيا للاتحاد الأوروبي.
وخلافا لمعظم نظرائه الأوروبيين، يدافع فيلدرز على المساواة بين الرجل والمرأة وعلى المثليين وإسرائيل، وهذا ما يمكن أن يضاف إلى قائمة العوامل المفسّرة للتساهل الشعبي الذي حظي به لوقت طويل.
في المقابل، وفي وقت كانت الأحزاب الشعبوية في أوروبا تبحث فيه عن سبل الخروج من عباءة "الشيطنة" التي أضعفت لسنوات رصيدها الانتخابي، أضحى فيلدرز أكثر راديكالية، وكثّف من هجماته ضد المسلمين، مشبها القرآن الكريم بكتاب السيرة الذاتية "كفاحي" لأدولف هتلر، والمساجد بـ "المعابد النازية".
غير أن نقطة الارتكاز تشكلت إثر الصدمة التي انتابت الهولنديين في 2002 على خلفية اغتيال بيم فورتين، أحد الوجوه البارزة لليمين الشعبوي، ثم في 2004 بمقتل المخرج ثيو فان جوخ المعروف بتصريحاته المعادية للمسلمين، حتى أن صحيفة "الجارديان" البريطانية كتبت تصف الحادث الأخير بـ "الاغتيال الذي دمّر الحلم الليبرالي" للهولنديين.
ومنذ ذلك الحين، يعيش فيلدرز تحت حراسة أمنية مشددة، لتهديده بالقتل أيضا، حيث لا يتنقل إلا مرفوقا بحراسه الشخصيين، إلى درجة أنه لا يستطيع قضاء أكثر من ليلة واحدة بنفس المكان.
ومع أنه من الممكن أن يفوز فيلدرز باقتراع اليوم - رغم تراجعه مؤخرا في استطلاعات الرأي- غير أنه يظل من غير المؤكد أن يتمكن من الدخول إلى الحكومة أو أن يتقلد رئاسة الحكومة في بلاده.
وحتى في حال حصوله على 25 و30 مقعدا من أصل الـ 150 التي يعدها البرلمان الهولندي، فإنه يظل بحاجة إلى اثنين أو 3 أحزاب أخرى تقبل التحالف معه، في وقت تستبعد فيه تلك الأحزاب أي تقارب مع الفصيل العنصري.