الأقليات.. ورقة انتخابية أخيرة في إيران
يتجه نحو 55 مليون ناخب إيراني إلى صناديق الاقتراع، يوم الجمعة المقبل، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، فضلا عن الادلاء بصوتهم لاختيار أعضاء مجالس البلديات، وسط تسليط المرشحين الضوء بشكل لافت على القضايا المتعلقة بالأقليات والمكونات المجتمعية.
ويتنافس في الانتخابات 3 مرشحين محسوبين على التيار الاصلاحي- المعتدل، و3 آخرين من المحافظين.
وتتميز السجالات المرافقة للانتخابات هذه المرة، بتركيزها على المسائل الطائفية والعرقية، فضلا عن المواضيع الاقتصادية.
ورغم النتائج الجيدة التي حققتها حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، على صعيد الاقتصاد الكلي، إلا أن تأثيرها على المواطنين لم يكن بنفس المستوى.
ويُحسب لحكومة روحاني نقل الاقتصاد من مرحلة الانكماش إلى النمو، وخفض نسبة التضخم من نحو 35-40 إلى 7-8 في المئة، إلا أن بقاء معدلات البطالة مرتفعة، ومحدودية تأثير التطورات العامة في الاقتصاد على المواطن العادي، تمثل إحدى أبرز الأوراق الانتخابية ضد روحاني، بيد منافسيه.
أما ادعاءات الفساد التي يدور حولها جدل في الشارع الإيراني منذ مدة طويلة، فتمثل الخاصرة الرخوة، لكلا الطرفين.
ومن الملفت للانتباه في الحملات الانتخابية لهذه الدورة، تخللها نقاشات قوية وعلنية أمام الشارع الإيراني، حول حقوق المكونات المذهبية والعرقية.
ويحمل تركيز حسن روحاني، ومنافسه المحافظ سيد ابراهيم رئيسي، على هذه الملفات أهمية كبيرة، لا سيما في ظل لقاءاتهما مع وجهاء المجموعات الطائفية والعرقية المختلفة.
ولا يمكن تناول النقاشات العلنية إلى هذا الحد الكبير حول المسائل العرقية والمذهبية في إيران، بمعزل عن التوترات الطائفية في الشرق الأوسط.
وتعد دعوة المرشد الأعلى علي خامنئي المرشحين لانتهاج اسلوب حذر في السجالات حيال القضايا الطائفية والعرقية، مؤشرا على حدة النقاشات.
لكن دعوة خامنئي يبدو أنها لم تلق أذنا صاغية، حتى في التلفزيون الرسمي، حيث طفت تلك القضايا على السطح مجددا، في إحدى برامج النقاش الانتخابية المباشرة.
ورغم التحذيرات المتكررة من مغبة التوجهات الطائفية والعرقية في الشرق الأوسط لا سيما بعد امتداد الصراع إلى سوريا، فاقمت السياسات التي اتبعها المسؤولون الإيرانيون، الأزمة في المنطقة، إلا أنها جلبت معها مفارقة أيضا، في ظل احتمال انتقال شرارة الحروب الطائفية - العرقية إليها.
ودفع لجوء إيران إلى تسليح المجموعات الموالية لها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، لبسط نفوذها في تلك البلدان، المجموعات الطائفية والعرقية الأخرى لتبني مواقف مناهضة لإيران.
لكن يبدو أن المسؤولين الإيرانيين يغفلون هشاشة التركيبة الاجتماعية في بلادهم أيضا، من حيث الدين والعرقيات واللغات، شأنها شأن بقية دول المنطقة.
لذلك فلا يمكن لإيران أن تبقى بمعزل عن تداعيات سياساتها التي تصب الزيت على النار في الصراعات المذهبية والعرقية في المنطقة.
ورغم الوعود التي أطلقها روحاني فيما يتعلق بحقوق الاقليات عام 2013 خلال حملته الانتخابية السابقة، إلا أن رغبته في حل مطالب المكونات المختلفة، بشكل ديمقراطي، اصطدمت إلى حد كبير بمراكز القوى المتنفذة في النظام الإيراني.
ويعتقد المرشد الأعلى والحرس الثوري والسلطات القضائية، بعدم امكانية حل المشاكل الطائفية والعرقية في البلاد، بالوسائل التي يقترحها روحاني، وتصر تلك الجهات على استمرار سياسات الدولة الراهنة في هذا الخصوص.
ويركز روحاني في حملته الحالية ومناظراته الانتخابية، على ضرورة تطبيق كافة الحقوق الدستورية للسنة والمكونات العرقية.
وتمكن روحاني من تنفيذ بعض وعوده السابقة التي أطلقها عام 2013، حيث عين "إبراهيم يونسي" الذي كان وزيرا للاستخبارات في حكومة خاتمي، نائبا له مسؤولا عن شؤون الاقليات.
والتقى يونسي مرات عديدة مع قادة الرأي للشرائح الاجتماعية المختلفة، وجرى في ضوئها افتتاح قسم اللغة الكردية وآدابها في جامعة كردستان، وقسم اللغة التركية باللهجة الأذرية وآدابها، في جامعة تبريز.
كما بدأ تعليم اللغة الأم في المدارس المتوسطة في بعض المناطق، بشكل أولي، كما عينت الحكومة سفيرا من الطائفة السنية، ومحافظين سنة في بعض المدن.
ورغم هذه التطورات إلى أن التشكيلة الوزارية لحكومة روحاني خلت من أي وزير سني.
وفي حال انتخاب روحاني رئيسا للبلاد مجددا، فمن المنتظر أن يمضي قدما في الانفتاح على المكونات الدينية والعرقية المختلفة، وسط ادعاءات بأنه سيعين وزيرا سنيا في حكومته، إن فاز في سباق الرئاسة
الصراعات الأثنية والمذهبية
تشكل القوميات غير الفارسية في إيران نصف عدد سكان البلاد، ولذلك فأنه من المستحيل عدم انعكاس الأزمة المتفاقمة في المنطقة على الداخل الإيراني.
وقد شهدت إيران خلال الفترة الأخيرة سقوط ضحايا جراء اشتباكات وقعت بين الأمن الإيراني، والحركات الأثنية، على سبيل المثال "جيش العدل" في محافظة سيستان وبلوشستان، الواقعة في جنوب شرقي البلاد، والتي يقطنها المواطنون الإيرانيون من ذوي الأصول البلوشية والسنية، وفي محافظة خوزستان الواقعة بشمال غربي إيران، التي تقطنها أغلبية عربية، تنشط "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، وفي المنطقة القريبة من الحدود التركية العراقية، التي تقطنها أغلبية كردية، ينشط "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً في التوتر الأثني في المناطق المذكورة في إيران.
ويعتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن تلك الجماعات المسلحة تستغل التراجع الاقتصادي والثقافي في المناطق المذكورة لخلق حاضنة شعبية لها فيها.
ويرى روحاني أن توسيع الحريات الأثنية، والدينية، و تفعيل تنمية اقتصادية في عموم البلاد، هو الحل الوحيد لمشاكل إيران.
وفي حال تم انتخاب روحاني لولاية ثانية فأنه سيقوم باتخاذ خطوات ملموسة للإيفاء بوعوده التي قطعها في فترة رئاسته السابقة، والتي لم يتمكن تحقيقها، حيث ستلعب الأصوات القادمة من المناطق المذكورة دوراً فاعلاً في تحديد كفة فوز إخد المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
ويعد "إبراهيم رئيسي" أبرز مرشح في إنتخابات الرئاسة الإيرانية، للمحافظين، حيث يحظى بدعم كل من "الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية"، و " جبهة المقاومة للثورة الإسلامية "، و " جمعية علماء الدين المناضلين في إيران".
وزار رئيسي بعد أيام من أعلان ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية، محافظات هرمزغان، و سنندج التي يقطنها، السًنة الأكراد والعرب، حيث أجرى لقاءات مع رجال الدين فيها، ما يعد مؤشراً على وجود بعض الانفتاح لجبهة المحافظين تجاه الأقليات في إيران.
من جهة أخرى حذر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، على خامنئي، بشدة المرشحين الذين يخوضون الانتخابات الرئاسية من استخدام المسائل المذهبية والإثنية كمواد للدعاية الانتخابية.
وياتي هذا التحذير في الوقت الذي مازالت ذكريات الانتفاضات والاشتباكات المسلحة التي وقعت عقب الثورة في إيران في 1979، حاضرة في الأذهان، وخصوصاً في المناطق التي يعيش فيها الأكراد، والتركمان، والبلوش، والعرب، والآذريين، والخشية من ظهور التهديدات الانفصالية مجدداً في إيران.
وأدت السياسة الخارجية الإيرانية التي تعد من إحدى أكثر البلدان تدخلاً في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً دورها في الحرب الداخلية في سوريا، و العراق، واليمن، ومحاولتها تطويق شبه الجزيرة العربية، وتهديدها للمملكة العربية السعودية عبر تدخلها في الشأن الداخلي للبحرين، إلى ردود فعل رافضة من دول المنطقة كان أخرها من المسؤولين السعوديين من خلال إعلانهم أنهم سينقلون الحرب إلى داخل إيران قبل أن يصل حدودهم.
ومن الواضح جداً أن اتباع إيران سياسية خارجية على أساس مذهبي يُهدد مستقبل المنطقة ككل، ولذلك فأن فوز مرشح أي من التيارات السياسية في إيران سيؤثر بشكل مباشر على امكانية تغيير طهران سياستها الخارجية تجاه المنطقة من عدمه.