في طريق تشكيل الحكومة .. الحريري يسير على الشوك
نجاح كبير حققه لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ طال عامين ونصف، لكن اكتمال هذا النجاح مرهون بتشكيل الحكومة التي حتما ستواجه صعوبات وتحديات عدة في تشكيلها سواء داخل لبنان أو خارجه بحسب مراقبين.
وانتهت الجلسة رقم 46 للبرلمان اللبناني بفوز العماد ميشال عون (83 عاما) ، برئاسة الجمهورية اللبنانية، ليصبح الرئيس الثالث عشر للجمهورية، ويحل نزيلًا جديدًا في قصر بعبدا الرئاسي.
وانتظر اللبنانيون انتهاء عامين ونصف من الفراغ الرئاسي بفارغ الصبر، حتى يأتي رئيس للجمهورية ليُصلح ما أفسده هذا الشغور السياسي، وينتظر الشعب تشكيل الحكومة لتبدأ في تدوير عجلات الإنتاج .
تشكيل حكومة
وكلف الرئيس اللبناني ميشال عون الزعيم السني سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن حصل على دعم أغلبية النواب بمن فيهم نبيه بري رئيس مجلس النواب ذو النفوذ الذي أعرب عن استعداده للتعاون في الجهود الرامية لتشكيل حكومة جديدة.
وجاء التكليف في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بعد أن حصل الحريري على أصوات 112 نائبا من أصل 126 نائبا اجتمع بهم عون في استشارات نيابية على مدى يومين.
ومن شأن تشكيل حكومة جديدة بدعم من الأحزاب القوية في البلاد أن تساعد على إعادة إحياء عمل الحكومة في بلد أصيب بالشلل على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية مما أثار مخاوف على الاستقرار الأمني.
وبتكليفه يعود الحريري الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و2011 إلى الحكومة في إطار صفقة تسوية أدت إلى انتخاب أحد خصومه السياسيين قائد الجيش السابق ميشال عون منهيا فراغا رئاسيا في البلاد استمر 29 شهرا.
رفض
ويواجه الحريري، زعيم كتلة المستقبل النيابية، في تشكيل الحكومة الحالية صعوبات تشبه ظروف تشكيل حكومة 2009، بدأت منذ التصويت على رئاسته للحكومة، حيث رفض نواب حزب الله اختياره كرئيس للحكومة الجديدة، بينما تشير مصادر سياسية لبنانية إلى أن حزب الله يسعى للمشاركة في الحكومة.
وحمل الحريري صاحب الـ46 سنة الراية بعد اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005، وخلصت محكمة دولية خاصة بلبنان تدعمها الأمم المتحدة إلى اتهام 5 من أعضاء حزب الله بعملية الاغتيال، لكن الحزب ينفي أي دور له بالاغتيال.
تحديات
على رغم وجود ظروفٍ إيجابية عامة في لبنان بعد التوافق الكبير على انتخاب رئيس وتقديم تنازلات من جميع الفرقاء، فإن عدداً من التحديات قد تُساهم في إيجاد صعوبات في تشكيل الحكومة وأهمها التركيبة اللبنانية المعقدة.
بيد أن إعادة خلط الأوراق السياسية في لبنان وصولاً لمخرج انتخاب الرئيس، أعاد الاعتبار لإرضاء الأطراف لبعضها البعض، ومن هذا المنطلق فإن من سهَّل وتنازل فيما يخص الرئاسة، يجب أن يحصل على مقابل يرضيه في الحكومة.
وهذا أمر طبيعي في أي لعبة سياسية لبنانية خصوصاً في الظروف الحالية، كما أن هناك طرفا من الضروري إرضائه كتيار المردة الذي يتزعمه النائب سليمان فرنجية، والذي كان مرشحاً للرئاسة، في حين ستكون حصته من خارج حصة تكتل التغيير والإصلاح حتماً.
كما أن هناك تحدٍ أمام تشكيل الحكومة ألا وهو حقيبتي الطاقة والمالية، فوزارة الطاقة هي الحصة التي يضعها الجميع نصب أعينهم، مع التقدم الحاصل في تفعيل عملها وما تعنيه من أهمية للاقتصاد.
أما وزارة المالية فهي فستكون أحد أهم المشكلات أمام الحريري، حيث أنها تُمثِّل على صعيد السلطة التنفيذية الموقع الأهم بعد موقعي رئيس الجمهورية والحكومة، حيث إن وزيرها يمتلك التوقيع الثالث بعد توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وهي بحسب اتفاق الطائف، تعتبر من حصة الطائفة الشيعية في لبنان.
وهذه الوزراة تطالب القوات اللبنانية بها، مما يفتح الباب أمام مشكلة مع نبيه بري والذي من المعروف أنه لا يتنازل عن الحقوق التي تُمثِّل أساساً في بناء التوازنات، في بلدٍ تحكمه التوازنات الطائفية.
عرقلة إيرانية
بدوره الدكتور محمد حسين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن إيران قطعا ستعرقل تشكيل حكومة الحريري، وذلك من خلال حزب الله الذي اعترض في جلسة البرلمان الخاصة باختيار رئيس الحكومة على الحريري بشكل معلن.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن الحكومة اللبنانية ستعكس قوة حزب الله الذي يدير لبنان نيابة عن إيران، لافتاً إلى أن التوافق الذي حدث بين تيار المستقبل وحزب الله صوري من أجل تنصيب عون رئيسا للبلاد بعد اتهام حزب الله بتعطيل انتخاب رئيس للبلاد.
ونوه بأنه حتى وإن تمكن الحريري من تشكيل حكومة، ستظهر الخلافات عند إلقاء بيان الحكومة، وقد تتطور إلى التخلص من الحريري نفسه بنفس الطريقة التي تخلص بها حزب الله من والده رفيق الحرير، ووقتها سيصل الفصيل السني في لبنان لضعف تام وسينعكس ذلك على رفع قبضة السعودية على الداخل اللبناني.
وينظر إلى دعم الحريري للرئيس ميشال عون في الانتخابات الرئاسية على أنه انتصار لحزب الله وطهران ودمشق على حلفاء الحريري السنة في الرياض الذي يبدو أنهم تراجعوا عن الساحة اللبنانية مع إعطاء الأولوية لمواجهة النفوذ الايراني في أماكن أخرى من المنطقة، وتضررت مكانة الحريري في لبنان جراء أزمة مالية تواجهها شركته للتطوير العقاري بالسعودية.
وفي إطار نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان فإن منصب رئاسة الوزراء يجب أن يتولاه مسلم سني، فيما ينبغي أن يكون رئيس البلاد مسيحيا مارونيا ويجب أن يكون رئيس مجلس النواب مسلما شيعياً.
توافق بين التكتلات
فيما رأى الدكتور مختار غباشي ـ نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية إن التوافق الذي حدث في اختيار رئيس لبنان يشير إلى أن الحريري لن يكون أمامه تحديات كثيرة، فطالما أن حزب الله تيار المستقبل تفاهموا على اختيار رئيس فقطعا لن يختلفوا على تشكيلة الحكومة وإلا سيكون التوافق غير مضبوط وله أهداف أخرى لم تعلن حتى الآن.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن سعد الحريري أتى بتوافق بين التكتلات الكبيرة بالداخل اللبناني وهى 14 آزار و8 آزار، مفيدا بأن من الممكن أن يواجه الحريرى مشاكل في اختيار الحكومة بسبب القوى السياسية الصغيرة الأخرى لكن سيتم التغلب على تلك المشاكل .
وأوضح أن القوى السياسية اللبنانية حتما ستضع حدا لتعطيل مؤسسات الدولة خلال ما يقرب من عامين ونصف فترة شغور المنصب الرئاسي فبالتالي عدم التوافق على تشكيل الحكومة لن يكون في صالح لبنان المهدد من الداخل والخارج.