اغتيال السفير الروسي في تركيا.. من المستفيد؟
"إذا أردت معرفة الجاني فابحث عن المستفيد"، عبارة يتبعها المحققون دائما في الكشف عن الجناة وإظهار الحقائق التي يشوبها الغموض، تحديدًا في شرق أوسط تتباين فيه الأجندات السياسية، وتتخذه أجهزة الاستخبارات العالمية مسرحًا لعملياتها، وهو ما تحاول "مصر العربية" سرده في تقريرها بحثًا عن معرفة المستفيد من مقتل السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف.
البحث عن الجهة المستفيدة ودلالات توقيت الحدث من أهم قواعد تحليل أي حدث لا سيما إن كان أمنيًا، ولعلَّ حادثة اغتيال السفير الروسي تزخر بهذه الدلالات، على مستوى تطورات الأزمة السورية وكذلك على صعيد العلاقات التركية الروسية.
فالتوقيت والسياقات وحدوث عملية الاغتيال في العاصمة التركية تحديدًا تضفي على المشهد دلالات أكثر تعقيدًا، ربما تنتج عنها أزمات وتوترات في المنطقة.
المستفيدون من مقتل السفير الروسي كثيرون، خاصة وأن جنسية كارلوف وبلده روسيا باتت متداخلة في كافة بلدان الشرق الأوسط خاصة في سوريا واليمن وتركيا وإيران وغيرها.
فالبعض رأى أن المستفيد الأول من مقتل السفير الروسي هم الأمريكان، بينما رأى آخرون أن المستفيد هو روسيا نفسها، بينما تحدث آخرون عن استفادة إيران وحزب الله، وآخرون عن جماعة البي كي كي الكردية.
عملية مقتل كارلوف ستقوي موقف موسكو لتطلق يدها أكثر في سوريا بعد أن ارتدت ثوب الضحية، وسيثقل من كفتها في ميزان الحوار والتفاهمات مع أنقرة.
أيضا، أتت عملية مقتل كارلوف في توقيت صعب، خاصة وأنها أتت في مرحلة تقارب بين تركيا وروسيا بعد أن تعرضت علاقتهما لهزة كبيرة إثر إسقاط الأولى لمقاتلة روسية في 24 نوفمبر 2015، وقد أثمر هذا التقارب حوارًا تركيًا روسيًا بخصوص حلب تُوِّج باتفاق إخراج المدنيين من المدينة المحاصرة. بل جاء الهجوم بعد خروج جزء كبير من المحاصرين في حلب وانتقال الأوساط الروسية والتركية للحديث حول ضرورة تثبيت حالة وقف إطلاق نار مستدامة في سوريا والانتقال للعملية السياسية.
توقيت الهجوم أيضا حمل تفاصيل عدة تربطه بالتطورات في سوريا وحلب على سبيل الانتقام؛ حيث تمّت عملية الاغتيال بعد الدور الروسي البارز في عمليات القصف الجوي في حلب بعد استفراد موسكو بالملف السوري، كما ردَّد الشرطي التركي منفذ الهجوم عبارة "نحن الذين بايعوا محمدا.. على الجهاد ما بقينا أبدًا" بلغة عربية ركيكة، قبل أن يكمل بالتركية "لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا" مضيفًا "لن تذوقوا طعم الأمن ما دام أشقاؤنا لا يتمتعون به".
المفكر السياسي السوري موفق زريق رأى أنَّ إيران هي المستفيد الأهم من اغتيال كارلوف، فهي لا تريد حلاً سياسيًا، بيد أن روسيا وتركيا خيارهم الحل السياسي، فلا يناسب إيران إلا الحل العسكري، والأسد أيضًا.
وأوضح السياسي السوري لـ"مصر العربية" أن الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية مستفيدة أيضا من الاغتيال، فالتقارب الروسي التركي خطر على الأطلسي، وأيضًا نفس الأمر لدى أمريكا.
وتابع: "اغتيال السفير الروسي في أنقرة لن تغير من الأمر شيئًا، لكن التناقض الروسي الإيراني سيظهر بقوة بعد حلب وبعد الاغتيال، قائلا: إيران ستخسر بالتأكيد.
من الناحية العسكرية والأمنية، قال المقدم إبراهيم الطقش الخبير العسكري السوري إن التقارب التركي الروسي همش الدور الإيراني في سوريا، وعمل على تسريع القضية السورية، وبالتالي رأت إيران وحزب الله أنه لا بدا من فعل شيء لزعزعة الاتفاق وخلط الأوراق، فكان اغتيال كارلوف.
وأوضح الخبير العسكري لـ"مصر العربية": لا أستبعد أيضا أصابع الأمريكان في الموضوع، فأمريكا تريد أن تكون صاحبة القرار في المنطقة، وهذا الاتفاق يضر بمصالحها، وإن تزويد أمريكا لحزب بي كي كي أكبر دليل لخلط الأوراق.
وعن استفادة الـ بي كي كي، أشار الطقش إلى أن الجماعة الكردية المسلحة هي العدو الوحيد لتركيا الآن، ومن مصلحتها خلق البلبلة في الأراضي التركية وتبنيه التفجيرات الأخيرة أكبر دليل، لذلك يسعى الأكراد لخلق الشقاق بين الروس وتركيا.
وأنهى العسكري السوري كلامه، أن الخاسر من تلك العملية هم الروس وذلك لتمريغ سمعتها في المجتمع الدولي، خصوصا وأن من يقف مع الظالم نهايته سيئة.
ومن الناحية القانونية، قال الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي إن إطلاق اسم السفير الروسي المغتال أندريه كارلوف في أنقرة على الشارع الذي اغتيل فيه، هو إقرار رسمي تركي بالمسؤولية وشكل من أشكال الجبر والترضية، فالقانون قاسٍ لكنه القانون.
وأوضح أستاذ القانون الدولي لـ"مصر العربية" أنه يمكن للدولة المتضررة من الحادث ( روسيا الاتحادية ) أن تكتفي بذلك الشكل من أشكال الجبر و الترضية، أو لا تقبل و تطالب بشكل، أو أشكال أخرى من جبر الضرر كأن تطلب تعويضا ماليا يذهب كله أو جزء منه إلى أهل المقتول، أي أسرة السفير الروسي.
في المقابل رأى أحمد النصر الناشط الإعلامي السوري أن عملية الاغتيال بعيدة عن الحسابات السياسية كردة فعل من شخص لديه غيرة على ما يجري في سوريا.
وأضاف لـ"مصر العربية" لا أعتقد أن الأمر سيؤثر على العلاقة بين روسيا وتركيا أبدًا؛ لأن هناك مصالح مشتركة وتقاسم نفوذ في سوريا مع الأسف أكبر من موت شخص حتى ولو كان سفيرًا بهذه الطريقة، وخاصة وأنه سيجري اجتماع بينهم في وقت قريب.
وتابع: "بعد مقتل الطيار الروسي بعدة أشهر عادت المياه إلى مجاريها، ولم يحدث أي تغيير، على العكس زاد التقارب وبدأ تقسيم الكعكة السورية.
بدوره، قال الباحث والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو في تصريحات متلفزة، إن المستفيد من عملية الاغتيال هي الجهات التي تريد تعكير صفو العلاقات بين تركيا روسيا، مشيرًا إلى أن الغرب والولايات المتحدة مستاؤون من التقارب التركي الروسي.
وتوقع ألا تؤثر العملية على العلاقات التركية الروسية، معتبرا أنها ستكون أزمة عابرة يتجاوزها البلدان.
في حين رأى آخرون أن ثمة توريطا لتركيا للإضرار بالعلاقات بين موسكو وأنقرة بمقتل كارلوف، رغم مساعي تركيا لعدم تكرار سيناريو أزمة إسقاط المقاتلة وتأزم العلاقات مع روسيا، وردًا على ذلك اعتبر أردوغان أنَّ الهجوم أصاب "تركيا وشعبها" وعبر عن ترحيب بلاده بتشكيل لجنة تحقيق ثنائية مع موسكو لكشف ملابسات الحادث، كما رأى وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو من موسكو أن المستهدف من العملية ليس روسيا وحدها بل أيضا تركيا والعلاقات التركية الروسية ومسارها الإيجابي في الآونة الأخيرة.
أيضا، العملية تأتي استهداف للأمن التركي والتشكيك بمدى قدرة أنقرة على حماية نفسها والسفراء المعتمدين لديها، خاصة إذا ما أضيف الحادث إلى سلسلة العمليات الانتحارية التي حدثت فيها مؤخرًا، ومنها هجومًا استاد بشيكطاش في إسطنبول وحافلة الجنود في قيصري.
تصريحات موسكو عقب الحادث جاءت مطمئنة إلى حدّ ما وداعية إلى استمرار التقارب التركي الروسي ردا على استهدافه من خلال هذه العملية إضافة إلى الدعوة لعدم تأجيل أو إلغاء القمة الثلاثية حول سوريا.
جدير بالذكر أن علاقة تركيا بروسيا تضررت كثيرًا منذ أن وطأت الأقدام الروسية سوريا في أكتوبر 2015 حيث عرقل هذا التدخل المساعي التركية الأمريكية السعودية لإسقاط نظام بشار الأسد.
ووصلت الخلافات لذروتها حينما أسقطت الدفاعات التركية طائرة سوخوي الروسي في 24 نوفمبر 2015 قالت إنها اقتحمت المجال الجوي لها، وفي المقابل هددت روسيا بالانتقام وقطعت على الفور العلاقات الاقتصادية مع تركيا وحظرت سفر سياحها هناك..
ولكن أردوغان نزع فتيل الأزمة المتصاعدة مع روسيا باتصال لنظيره الروسي في 26 يونيو 2016 يعتذر فيه عن إسقاط الطائرة ويعبر عن أسفه حيال ذلك وتعهد بتعويض ذوي الطيار الروسي.
وعقب محاولة الانقلاب العسكري على أردوغان في تركيا في 15 يوليو اتصل بوتين بأردوغان ليعلن أن روسيا تقف بشكل قاطع ضد أي محاولة للتحرك بطريقة غير دستورية، معربًا عن أمله في أن "تتغلب تركيا على هذه المشكلة وفي إعادة فرض النظام والقانون الدستوري".
وفي 9 أغسطس 2016 التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فلاديمير بوتين في سان بطرسبورج، وتعهدًا بإعادة العلاقات بين بلديهما إلى سابق عهدها بعد أزمة دبلوماسية استمرت نحو 9 أشهر، والتباحث للوصول لحل للأزمة السورية.
ووصل التفاهم لقمته في 14 أغسطس 2016 حينما أطلقت تركيا حملة "درع الفرات" في شمال سوريا بهدف طرد عناصر داعش والأكراد من حدودها خشية نجاحهم في إقامة دويلة كردية لهم تهدد الأمن القومي التركي، وما كان ليحدث ذلك دون موافقة روسيا التي باتت تتحدث في سوريا عقب نشرها صواريخ إس 400.
يذكر أن السفير خدم في تركيا منذ يوليو 2013، وبدأ كارلوف حياته الدبلوماسية عام 1976، وشغل عدة مناصب في وزارة الشئون الخارجية التابعة للاتحاد السوفيتي ووزارة الخارجية الروسية. كما أنه عمل سفيرا لروسيا لدى الصين، ونائبا لمدير قسم القنصليات في وزارة الخارجية الروسية.