في حواره لـ"مصر العربية"
سياسي تونسي: السلطة تجاهلت استحقاقات الثورة.. و«عودة الإرهابيين» وُظّفت لتصفية معارضين
قال أمين عام حزب البناء الوطني التونسي الدكتور رياض الشعيبي، إن السلطة التونسية تبتعد شيئا فشيء عن استحقاقات الثورة وعن بناء ديمقراطية مستقرة في البلاد، وتضع الشعب التونسي خارجيا تحت وصاية صندوق النقد الدولي وداخليا تحت رحمة لوبيات المال الفاسد.
وأضاف الشعيبي في حوار خاص لـ"مصر العربية"، أن الشباب التونسي لازال حيّا، يناضل من أجل الكرامة التي لم تتحق له بعد في جهات عديدة مهمشة على غرار المكناسي والسند والقصرين والحامة وبن قردان وغيرها.
وأوضح إنجاز الثورة اجتماعيا واقتصاديا يكاد لا يذكر حيث أن 20 بالمائة من التونسيين لم يغادروا بعد عتبة الفقر، و17 بالمائة من الشباب يعانون ويلات البطالة، في حين أن 35 بالمائة من بينهم من أصحاب المستويات الجامعية، نصفهم تقريبا تجاوزت بطالتهم القسرية الـ 10 سنوات.
وأكد أنه لا يوجد توافق في تونس بين النخب السياسية، بل أن الانقسام أخطر اليوم في تونس بسبب تناقض مصالح النخب، وإن كان في الغالب يُزَيَّن هذا الاحتراب بكساء أيديولوجي، وهذا الأمر ينطبق على الأحزاب المتشاركة في الحكم أو بينها وبين نخب المعارضة السياسية.
ولفت إلى أن النخبة السياسية تعيش في المشهد التونسي اليوم حالة من حرب الكل ضد الكلّ، ولو كان بيد هذه النخبة سلاح غير سلاح الكلمة لكان الواقع اليوم شبيها بما تعيشه بقية دول الثورات العربية من اقتتال داخلي، بحد تعبيره.
وإلى نص الحوار..
هل تحققت بعض شعارات الثورة الاقتصادية والاجتماعية؟
بعد 6 سنوات من اندلاع ثورة الحرية والكرامة، لازال الإنجاز الاجتماعي والاقتصادي للثورة يكاد لا يذكر حيث أن 20 بالمائة من التونسيين لم يغادروا بعد عتبة الفقر، و17 بالمائة من الشباب يعانون ويلات البطالة، في حين أن 35 بالمائة من بينهم أصحاب المستويات الجامعية نصفهم تقريبا تجاوزت بطالتهم القسرية الـ 10 سنوات، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تستجيب لانتظارهم.
لذلك أطلق حزب البناء الوطني هذه السنة الدورة الثانية لحملة وطنية تحت عنوان أحد أهم شعارات الثورة "التشغيل ـ استحقاق، قول ـ لا ـ للفساد" من أجل فرض مطلب التشغيل كأولوية وطنية .
وإذا فشلت الحكومات المتعاقبة في الاستجابة لأهم مطلبين اجتماعيين من مطالب الثورة، فلأنها لم تبد الإرادة السياسية الحقيقية لمراجعة المنوال التنموي الذي ثار عليه الشعب التونسي، ولا هي اتخذت الإجراءات الكفيلة بمقاومة الفساد الذي ينخر الدولة، ولا هى قامت بتنزيل مبادئ العدالة الاجتماعية التي نص عليها دستور 2014.
هل ترى أن الثورة هي التي تحكم في تونس؟
من التعسف القول إن الثورة المضادة قد أعادت بناء نفسها من جديد، كما أنه من التبسيط أيضاً الادعاء بأن البلاد تشق طريقها في اتجاه بناء ديموقراطية مستقرة، الحدث الثوري أنجز مهمته في إسقاط رموز الفساد والاستبداد في تونس، غير أن السياق الثوري لا زال غير واضح في رؤيته وفي إمكانيات تطوره في المستقبل هنالك مفارقة واضحة الآن في تونس.
الأغلبية التي جاءت بها الثورة تعطّل مساراتها في جميع المجالات، وعدم توفير الشروط الضرورية لنجاح العدالة الانتقالية، وحماية الفاسدين بعدم متابعتهم بل وتقديم مبادرة تشريعية للعفو عن العديد منهم، وأخيرا التدخل في السلطة القضائية بما يناقض ما جاء في الدستور من تأكيد استقلالية القضاء أهم ضامن لسيادة القانون واستمرار التجربة الديمقراطية في تونس.
السلطة اليوم تبتعد شيئا فشيء عن استحقاقات الثورة وعن بناء ديمقراطية مستقرة في البلاد، وتضع الشعب التونسي خارجيا تحت وصاية صندوق النقد الدولي وداخليا تحت رحمة لوبيات المال الفاسد، غير أن الشباب التونسي لازال حيّا، يناضل من أجل الكرامة التي لم تتحق له بعد في جهات عديدة مهمشة على غرار المكناسي والسند والقصرين والحامة وبن قردان وغيرها.
بعض الشباب يقول إن الثورة استولى عليها الشيوخ والنظام القديم.. ما رأيك بذلك؟
في الحقيقة، الشيوخ استولوا على الدولة وليس الثورة، وذلك لأنّ الثورة قيمة رمزية وأخلاقية لا يتملكها إلا من كان وفيّا لمطالبها وأهدافها، أما الدولة من حيث هي أداة لفرض السلطة فبالفعل انتهى الصراع بين الشيخين إلى تقاسمها.
أما استمرار الحديث عن النظام القديم واختزال تمثيليه في أشخاص بعينهم ومراقبة تموقعهم في الدولة كعلامة على عودته من عدمها، أعتقد أنّ ذلك لا يعطينا صورة مكتملة حول حقيقة الصراع بين الثورة وأعدائها اليوم في الواقع التونسي فالنظام القديم ليس أشخاصا فقط، بل أسلوبا أيضا في كيفية إدارة الحكم، وحتى عندما نستبعد ممثلي النظام القديم فلا يعني ذلك حتما إيجاد إدارة جديدة ومتطورة للدولة.
لقد زرع النظام القديم ذهنية تسلطية في إدارة الدولة ورثتها القوى المشاركة اليوم في الحكم بسبب عدم امتلاكها لرؤية بديلة متناغمة مع روح ثورة الحرية والكرامة.
ما هو تقييمك للتوافق في تونس بين النخبة السياسية؟
ليس هناك توافق في تونس بين النخب السياسية، بل أن الانقسام اليوم أخطر في تونس بسبب تناقض مصالح النخب، وإن كان في الغالب يُزَيَّن هذا الاحتراب بكساء أيديولوجي، وهذا الأمر ينطبق على الأحزاب المتشاركة في الحكم أو بينها وبين نخب المعارضة السياسية.
تعيش النخبة السياسية في المشهد التونسي اليوم حالة من حرب الكل ضد الكلّ، ولو كان بيد هذه النخبة سلاح غير سلاح الكلمة لكان الواقع اليوم شبيها بما تعيشه بقية دول الثورات العربية من اقتتال داخلي.
أما ما يسوق على أنه توافق سياسي حاكم، فإن اختزاله في الرئيس المؤسس لحزب نداء تونس ورئيس حركة النهضة مدعاة لهشاشته وضعفه وعدم ارتكازه على مشروع سياسي وطني جامع.
لقد تبين على امتداد أكثر من ثلاث سنوات على عقد الاتفاق بين الشيخين الراعيين للحكومة الحالية، أن ما حصل لم يكن توافقا وإنما تسوية سياسية لبت مطالب كل طرف، الأوّل أراد أن يتوج مسيرته السياسية بمنصب رئيس الجمهورية وقد كان، والثاني لم يكن يرغب في قبول مبدأ التداول على السلطة وقد حدث على ما أراد.
وما ذهبا إليه من سيناريو التوافق بعد انتخابات 2014 لم يكن الفرصة الممكنة الوحيدة لنجاح هذه التسوية، بل ربما كانت الفرصة الأخيرة لفعل ذلك بعد فشل محاولات أخرى أرادت تجنب مخاطر الانتخابات واختزال مسار هذه التسوية باقتراح سحب الثقة من الرئيس السابق الدكتور المرزوقي وتزكية الباجي قايد السبسي لخلافته مقابل استمرار حكومة على لعريض، كما جاء في مبادرة مبعوث الاتحاد الأوروبي لدول الربيع العربي والتي تعثرت فيما بعد.
اليوم لا يمكننا تقييم أي مسار توافقي، لأنه لم يكن لهذا المسار من وجود في أي يوم من الأيام إنما كانت ولا تزال تسوية سياسية على حساب الاستحقاقات الحقيقية للثورة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وما حقيقة الإجراءات الاقتصادية التي ستعمل على تسريح 50 ألف موظف حكومي؟
تقدمنا في حزب البناء الوطني في "المؤتمر الوطني للتشغيل" بمقترح تعويض 100 ألف موظف يختارون إراديا التقاعد المبكر، تعويضهم على امتداد 5 سنوات بشباب من الكفاءات المعطلة عن العمل.
وقد كان هذا المقترح مصحوبا بتصوّر حول الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذا الإجراء، لكن إذا بالحكومة تفاجئنا هذه الأيام بتقديم مقترح لتسريح 50 ألف موظف حكومي بخلفية مناقضة تماما للمقترح الذي طرحناه في مبادرتنا المنشورة بتاريخ 26 يناير 2016.
فإذا كنا نريد من خلال مبادرتنا تقديم حلول عملية تخفف من وطأة الأزمة الاجتماعية الحادة في البلاد، وتعسير الإدارة التونسية وتحسين مردوديتها دون تكاليف إضافية على المالية العمومية، فإن مقترح الحكومة اليوم ووفقا لما جاء في "الوثيقة التوجيهية للتنمية 2016-2020" التي حددت فيها الحكومة توجهاتها الاقتصادية، تكون مرة أخرى قد حملت الفئات الاجتماعية من الإجراء كلفة إملاءات صناديق الإقراض الدولية تحت ذريعة الضغط على كتلة الأجور من دون التفكير في التبعات الاجتماعية الخطيرة لتجميد الانتداب العمومي في وجه مئات الآلاف من الباحثين عن فرصة عمل.
إذا حدث تسريح للعمالة هل سيزيد من البطالة التي وعدت الحكومة بالقضاء عليها؟
حتى الآن مازال الخطاب الحكومي لم يتعد إعلان نواي في هذا الموضوع، ولم تتضح بشكل كبير تفاصيل هذا المقترح، كأن بالحكومة تقوم بعملية جس نبض واستطلاع مدى القبول بهذا الإجراء من خلال طرحه في الإعلام ومراقبة ردود الأفعال حوله، لكن في ظل مناخ الاستثمار السلبية السائدة الآن وبالنظر لما يشبه حالة الانكماش الاقتصادي الذي تمر به البلاد، فمن غير المتوقع أن ينجح القطاع الخاص في استيعاب هؤلاء المسرحين من الموظفين، كما لا أعتقد أن أمامهم فرصة كبيرة في النجاح في مشاريع خاصة بهم.
لذلك حملة التزيين والترغيب وحتى الإغراء التي تقودها الحكومة لترويج هذا المقترح لا تتعاطى بمسؤولية مع هؤلاء المسرحين المحتملين وتسوق لهم الأوهام، وأحسب أنّ كثيرا من الموظفين العارفين بحقيقة الأوضاع قد لا ينساقون وراء إغراءات التسريح الطوعي وربما ستجد الحكومة نفسها مضطرة للبحث عن بديل آخر للخروج من أزمتها.
الحكومة غير مهتمة الآن غير استيفاء اشتراطات المقرضين الدوليين بما في ذلك التخلي عن مسؤوليتها الاجتماعية، من أجل تدفق مزيد من القروض باعتباره الطريق الوحيد المتبقي لها في ظل خياراتها التي حددتها سلفا، في حين أن نفس هذه الخيارات المضحية بالاستقرار الاجتماعي وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، هي التي أدت بالنظام السابق إلى مواجهة ثورة عارمة لم تتوقف تداعياتها حتى اليوم.
هل ترى أن الوضع في ليبيا أثر سلبيا على الاقتصاد التونسي؟
تأثر الوضع الاقتصادي التونسي كثيرا بما يحدث في ليبيا، فليبيا تمثل العمق الجغرافي والمجتمعي للشعب التونسي، وما ربط تونس بليبيا من مصالح اقتصادية أكبر من أية علاقات أخرى كانت لتونس بأية دولة في العالم.
ليبيا التي كانت سوق العمل المفتوح للتونسيين على امتداد أربعة عقود وكانت السلع التونسية تجوب أسواقها دون أية عوائق، ولكن تسبب انهيار الأوضاع الأمنية في ليبيا وغياب الدولة المركزية والدبلوماسية التونسية الفاشلة والضعيفة والغائبة في كثير من الأحيان، في خسارة تونس لـ3 نقاط من النمو السنوي، فضلا عن مئات الآلاف من مواطن شغل التونسيين التي فقدوها داخل ليبيا.
كيف ترى المبادرة التونسية وهل ستصل لحل للأزمة الليبية؟
لا شك أن متانة العلاقات المجتمعية التونسية الليبية تمثل أرضية هامة تساعد على لعب تونس دور محوري في حل الأزمة الليبية، وقد تعزز هذا الدور من خلال الموقف المحايد الذي اتخذته الحكومات المتعاقبة تجاه أطراف الصراع في ليبيا، رغم بعض التشويش الذي تسببت فيه تصريحات بعض المسؤولين التونسيين أو الليبيين.
كما بقيت تونس بلداً مفتوحا أمام كل الفرقاء الليبيين على حد السواء من الشرق أو من الغرب، من قوى الثورة أو من قوى النظام القديم، كل ذلك جعل تونس تكون المكان المفضل للعديد من الحوارات الليبية الليبية من أجل تقريب وجهات النظر أو التمهيد لاتفاقات سياسية على غرار ما حدث في الصخيرات المغربية، أو من قبيل مبادرة دول الجوار الجارية الآن.
لكن تبقىالمشكلة بالنسبة لتونس في عدم امتلاكها ورقات ضغط يمكنها من خلالها أن تلعب دورا أكثر حيوية في حل الأزمة الليبية رغم الرهانات الكبيرة المتوقعة، وربما كان لعدم وجود سياسة واضحة في التعامل مع الأزمة الليبية والاكتفاء بدور المراقبة لتطور الأوضاع وتأخر الوعي بأهمية الدور التونسي، ربما كان لكل ذلك أثراً سلبيا على قدرة الدبلوماسية التونسية في أن تكون مؤثرة إيجابيا في اتجاه إيجاد حل للأزمة الليبية.
نتمنى أن تقوم الدبلوماسية التونسية الرسمية بواجبها كاملاً في هذا الملف وعدم ترك الفراغات التي يمكنها أن تضر بالمصالح الحيوية للبلاد أو التي يمكن أن تعطي صورة ضعيفة عن الدولة التونسية بما يفتح المجال للقضم من صلاحيات الدولية تحت تسميات الدبلوماسية الشعبية مثلاً أو السماسرة الوسطاء.
وماذا عن الحريات وحقوق الإنسان بتونس؟
لازال وضع الحريات وحقوق الإنسان هشا لأنه غير محصن بمؤسسات دستورية ضامنة ولا بإصلاحات هيكلية وقانونية لأجهزة الشرطة والقضاء، ولا حتى بثقافة سياسية منفتحة؛ فرغم توفر مساحات واسعة من الحريات في البلاد وخاصة في مجالات التعبير والنشر والاجتماع والتنظم، إلا أن هناك تخوفات كبيرة لدى التونسيين وهم يرون تعسفا في استعمال السلطة أحيانا، أو تضييقا على الاحتجاجات الاجتماعية خاصة.
واعتقال ومحاكمة بعض النشطاء وتعطيل غير مبرر لإرساء مؤسسات دستورية على غرار المحكمة الدستورية وتدشين مؤسسات أخرى مثل "هيئة مقاومة التعذيب" تحت غطاء المحاصصة الحزبية وعدم توفير مستلزمات العمل الرقابي لهيئات دستورية وحكومية معنية بالحريات وحقوق الإنسان، وعدم تحيين المنظومة القانونية بما يتناسب وما ورد في الدستور الجديد.
لذلك لا غرابة أن نجد اليوم انتشارا للتعذيب في مراكز الإيقاف والسجون بتواطؤ من جهات حكومية، أو أن نواجه منذ سنتين إعلانا غير دستوري لحالة الطوارئ بناء على قانون 1978، وهو الأمر الذي يتناقض جوهريا مع مقتضيات الحالة الاستثنائية التي فصلها دستور 2014.
مع أم ضد عودة المقاتلين التّوانسة إلى بلادهم ؟
هذا موضوع وُظِّف إعلاميا وسياسيا من أجل تصفية خصوم سياسيين وإدانتهم، في حين أنه مشكلة زائفة لأن مسؤولية الدولة أن تطبق القانون وأن تتخذ كل الإجراءات القانونية المناسبة لمواجهة ما يمكن أن يهدد سلامة المجتمع، ولا يمكن أن نكون مع عودة الإرهابيين إلى بلادهم أو ضد هذه العودة، لأن المسألة لا تتعلق برغبة شخصية، إنما من سيعود من هؤلاء مستسلما يجب أن يواجه المحاكمة العادلة وفقا لقانون الإرهاب، ومن تحدثه نفسه بالمس بأمن دولتنا ومجتمعنا فلا شك أن الأجهزة الأمنية والعسكرية يجب أن تتصدّى له بكلّ قوة.