«السيسي - سلمان».. لقاء من رحم تفاهمات ثلاثة
ثلاث "تفاهمات" بين القاهرة والرياض، حول الملف السوري، وجزيرتي "تيران وصنافير"، والتراشق الإعلامي، أثمرت عن لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، على هامش القمة العربية، بعد نحو أشهر من "الخلاف المعلن" بين البلدين، وفق خبراء عرب.
ولقاء "السيسي- سلمان " هو الأول بين الجانبين بعد نحو عام من زيارة سلمان للقاهرة في إبريل العام الماضي، والتي تلاها تباينات في وجهات النظر حول عدد من قضايا المنطقة.
وأثمر اللقاء الذي خرجت فيه صور "السيسي" و"سلمان" للرأي العام بابتسامات عديدة على هامش القمة العربية الـ 28 التي اختتمت أعمالها بالأردن أمس الأربعاء، عن ترحيب الرئيس المصري، بدعوة العاهل السعودي، لزيارة المملكة، التي أعلنت أنها ستكون الشهر المقبل، وفق تصريحات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
قمة "التطابق" بعد أشهر "التباين"
وجاء اللقاء بعدما شهدت العلاقات المصرية - السعودية تبايناً معلنًا في وجهات النظر خلال الفترة الماضية على خلفية أزمات المنطقة ورؤية البلدين لحلها لا سيما في قضيتي سوريا واليمن.
وكانت أزمة نشبت بين مصر والسعودية عقب تصويت القاهرة في مجلس الأمن منتصف أكتوبر المنصرم لصالح مشروع قرار روسي، لم يتم تمريره، متعلق بمدينة حلب السورية، وكانت تعارضه دول الخليج والسعودية بشدة.
وأعلنت مصر في نوفمبر بوقف شركة أرامكو السعودية لشحنات منتجات بترولية شهرية بموجب اتفاق مدته 5 سنوات، تم توقيعه خلال زيارة العاهل السعودي لمصر ، قبل أن تعلن القاهرة منتصف الشهر الجاري عودة الشحنات مرة أخرى.
وخلال الزيارة في إبريل 2016، وقعت مصر والمملكة اتفاقية تتضمن تنازل القاهرة عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر للرياض.
وخرجت احتجاجات شعبية مصرية رافضة للتنازل، وصدر حكم قضائي نهائي في مصر بإلغاء الاتفاقية، وسط محاولات حكومية مؤيدة للتنازل لمناقشتها في البرلمان المصري.
وخلال تلك الشهور حتى مقابلة السيسي- سلمان، ظهر تراشق إعلامي غير رسمي في وسائل الإعلام والصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي في البلدين، وصفت من جانب مراقبين بأنها "وترت" العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأثناء ذلك التراشق الإعلامي، كانت للبحرين والإمارات تصريحات متتالية حول أهمية وحدة الصف العربي، وسط أحاديث أعلامية لم تتأكد رسميا عن وساطة لهما لتقريب وجهات النظر المصرية السعودية.
وكان أبرز التصريحات المصرية خلال الشهر الجاري، من أمين مجلس الأمن القومي المصري (حكومي)، خالد البقلي، بتأكيده أن العلاقات مع السعودية "لم تنقطع أبدا"، مضيفا وقتها : "ما حدث سوء فهم لبعض المواقف والأطراف التقت وسنرى في القريب العاجل عودة علاقات أقوى بين الجانبين".
فيما اتفق لقاء السيسي- سلمان بالقمة العربية، بخلاف الزيارات المتبادلة على "دعم التنسيق المشترك في ظل وحدة المصير والتحديات التي تواجه البلدين (..) وأهمية دفع وتطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات، بما يعكس قوة العلاقات الراسخة والقوية"، وفق بيان رئاسي مصري.
وعقب اللقاء قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية، أن الرياض والقاهرة "متطابقتان في الرؤى في جميع المجالات سواء في الأزمات التي تواجهها المنطقة أو الحذر من الخطر الذي تشكله إيران "، وهناك "مبالغة" في تفسير أي تباين في مواقف البلدين بشأن سوريا واليمن.
وعن مصير الاتفاقيات التي وقعت خلال زيارة الملك سلمان لمصر إبريل الماضي، وأسباب عدم تنفيذها، أوضح الجبير أن "التشاور والتنسيق مستمر حيال تلك الاتفاقيات، وأن العمل عليها قائم، والتواصل بين المسؤولين والمختصين في البلدين فيما يتعلق بكل الاتفاقيات مستمر، والعمل قائم على تطبيقها".
وساطات مهدت لقمة
الأكاديمي المصري، طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ، يري أن " المقابلة كانت لابد أن تجري لجملة من الاعتبارات أهمها أن وساطات عربية سابقة عليها بذلت في هذا الإطار، من الإمارات والبحرين والأردن، وبناء عليه تم اللقاء الودي بين الملك والرئيس المصري"، واصفا إياه بأنه "مهم وناجح" ، بحسب وكالة "الأناضول".
واتفق معه، عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بالإمارات، قائلا : "المقابلة كانت تتويجا لمرحلة سابقة من تصفية الأجواء وتجاوز مرارات تراكمت خلال فترة أزمة الجزر وقضايا ومواقف مختلفة ومتباينة حول ملفات إقليمية ساخنة وسط حملات إعلامية متشنجة وصعبة".
وأضاف "حتما كانت هناك أطراف عملت بجدية كبيرة لتحقيق هذا التواصل وتخفيف حدة التوترات ولا أستبعد أن يكون هناك دور لدولة الإمارات في هذا الصدد"، في إشارة أيضا للوساطة العربية.
فيما اعتبر أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي مقره جدة) في حديث للأناضول، الاجتماع بأنه "لقاء الوفاق (..) الذي كشف أنه لا خلاف بين البلدين ولكن اختلاف يسوى دوما بالحوار"
ثلاثة تفاهمات
اللقاء الذي جمع "السيسي وسلمان"، وفق الأكاديمي المصري، طارق فهمي، "تتويج لتفاهمات تمت طيلة الفترة الماضية".
فهمي، رجّح أن التفاهمات تمت على أرضية "وقف التراشق الإعلامي والهجوم بين البلدين وهذا تم الفترة الأخيرة، والاتفاق على الحد الأدني من الخلاف بشأن سوريا (دون توضيح)، واستيعاب الأشقاء السعوديين في ملف الجزر أن مصر دولة مؤسسات، وأنه يجب تأجيل القضايا الخلافية".
وقريبا من هذا الطرح، يتحدث الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، موضحا أن اللقاء جاء بعد "تخفيف حدة الحملات الإعلامية، والتوافق في الملف السوري في ظل تضخم الدور الإيراني، وتدخل من الإدارة الأمريكية في هذا الصدد".
وأشار أن ملف الجزر أيضا كان "ضمن تهدئة الخواطر ربما لجولة قادمة قد تتغير فيه الأمور"، في إشارة لما يتردد عن حسم الملف عن طريق التحكيم الدولي، أو إمكانية حسمه برلمانيا أو قضائيا في مصر
فيما يتفق الأكاديمي السعودي، أنور عشقي الذي شغل سابقا أكثر من موقع رسمي، معهما في أن "التفاهمات في تباين وجهات النظر كان أولها في سوريا بالقبول بالحل السلمي الذي تسير في جميع الأطراف الآن وليس مصر والسعودية فقط، بجانب وقف السلبيات من جانب وسائل الإعلام والمنع للبعض الآخر".
وفي يناير الماضي، أوقف برنامج الإعلامي، إبراهيم عيسى، الذي عادة ما ينتقد الجانب السعودي، مؤكدا في بيان وقتها أن تأثير حلقات برنامجه "ألقت عليه أعباء وتعرض معها لأنواء وأحيط بالضغوط، وتسبب فى ضيق صدور".
فيما اختلف الأكاديمي السعودي أن يكون هناك تفاهمات تمت حول ملف الجزر، مؤكدا أن"الحكومة والبرلمان في مصر متفقان على أحقية السعودية في الجزيرتين"، مستبعدا أن تكون حولها تفاهمات جديدة.
تقارب بانتظار ترجمة
راسما صيغة للعلاقات المستقبلية بين القاهرة والرياض بعد هذا اللقاء، قال الأكاديمي طارق فهمي : "هناك مناخ جديد يتشكل بين القاهرة والرياض"، مؤكدا "ضرورة إجراء حوار استراتيجي بينهما في ظل حرص على تجاوز التباين والتجاذب في العلاقات"، معتقدا أن "هذا سيترجم الفترة المقبلة".
وأضاف "هناك جزء ليس متعلقا بخلافات وتباينات إقليمية، كسوريا ولكن متعلق بإزالة حالة احتقان الطرفين في قضايا ثنائية مثل قضايا الجزر، لأنه في النهاية مصر دولة مؤسسات ويجب أن يناقش هذا الموضوع بصورة أو أخرى وشكل التسوية مهم في هذا الإطار ويجب أن يقنع الأشقاء في السعودية".
وطالب أيضا "الأشقاء في السعودية بتفهم طبيعة الخلافات والقبول بالحد الأدني في الملفات الأخرى سواء في الملف اليمني والسوري وتطوراتهما دون أن يصطدما ويصلا للخيار صفر"، مؤكدا أن "هناك رشادة في هذا الإطار يجب أن تستمر في إطار العلاقات الثنائية".
كما توقع الأكاديمي الإماراتي، عبدالله، "مع إتمام زيارة السيسي للسعودية أن تكون هناك اتفاقيات اقتصادية جديدة ومجالات للتعاون أكثر وعودة العلاقات أفضل مما كانت عليه".
فيما توقع عشقي، أن تصير القاهرة والسعودية في نظرتهما لقضايا المنطقة في إطار "التكامل".
وعادة ما توصف العلاقات المصرية السعودية بأنها جيدة، وظهر دعم المملكة بشكل كبير للقاهرة منذ نهاية صيف عام 2013، عقب الاطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد.
وقدمت لها مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية بملايين الدولارات، غير أنها شهدت توترات في فترات بين إعلاميي البلدين، وسط موقف رسمي من كلا الجانبين "دبلوماسي النزعة"، يثني على دور المملكة والقيادة المصرية.