اللاجئون الفلسطينيون بلبنان و"يوم الأرض" .. حلم العودة لم يتبخر
تمثل ذكرى "يوم الأرض" للاجئين الفلسطينيين في لبنان فرصة لتذكر حلم العودة، رغم أنه لم يغب يوماً عنهم، حتى وإن توارى قليلاً أمام صعوبات الحياة اليومية.
ويعيش في لبنان حوالي 480 ألف فلسطيني، بحسب مسح اقتصادي – اجتماعي أجرته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين (أونروا) منذ ثلاث سنوات، بينهم 28 ألفاً في بيروت.
ويتوزّع اللاجئون على 12 مخيّماً من جنوب إلى شمال لبنان، ففي بيروت هناك أربعة مخيمات هي: مار الياس، شاتيلا، برج البراجنة، وضبية.
وتعرّضت هذه المخيمات لحروب أهلية ومحاولات تهجير ومجازر في بداية العام 1975، وفي العام 1983 مع الاحتلال لإسرائيلي لبيروت، في حين أن مخيّمي "تل الزعتر" و"جسر الباشا" تعرضا للتدمير النهائي في سبعينات القرن الماضي بسبب الحرب الأهلية من 1975 إلى 1989، ولم يعد بناؤهما مجدداً.
أما في الجنوب فهناك خمسة مخيّمات، أشهرها عين الحلوة، يليه الراشدية، البص، برج الشمالي، والميّة مية، وشمالاً يوجد مخيّما "نهر البارد" و"البداوي".
في ذكرى مرور أربعين سنة على انطلاق "يوم الأرض"، والتي تصادف يوم 30 مارس/آذار من كل عام، جالت الأناضول داخل مخيّم "شاتيلا" الذي شهد أفظع مجزرة بحق الفلسطينيين في لبنان ذهب نتيجتها أكثر من ألف ضحية، إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982.
لم تبدو داخل المخيّم، الذي لا تزيد مساحته على كيلو متر مربّع ويقطنه حوالي 12 ألف لاجئ، أي مظاهر واضحة لإحياء هذه الذكرى التي باتت تعني لكبار السنّ أكثر ما تعني لأبناء الجيل الجديد.
ياسر الخالدي فلسطيني من عكّا (63 سنة) ولد في لبنان داخل هذا المخيّم لا يعرف شيئاً عن فلسطين سوى من الإعلام والكتب التي قرأها عنها وعن كبار مفكريها، بحسب ما يقول للأناضول.
ويضيف أنه "حين زار الجنوب اللبناني لأول مرة بعد التحرير عام 2000، اشتم رائحة بلاده من هناك، واستطاع إشباع جزء بسيط جداً من لهفته تجاه بلاده من خلال مشاهدته للأشجار والطيور في الجهة المقابلة للبنان".
كما غيره من الفلسطينيين في الشتات يأمل "ياسر" العودة من الاغتراب (كما يسمّي لبنان) إلى وطنه، لكنه يشكّ بذلك قائلاً "نحن نحلم وعلينا فعل ذلك، لولا هذا الحلم لما صمدنا واستمرينا في متابعة قضيتنا جيل إلى جيل".
من جهته، يرى أبو بلال عدلوني (57 سنة) وهو فلسطيني من حيفا، أنّ القضية لم تمت كي يتم إحياؤها، وأن "يوم الأرض" لا نحدده بتاريخ أو يوم، فكل يوم نسعى ونطمح ونحلم للعودة إلى ديارنا، لا نسعى للحصول على الجنسية اللبنانية رغم أننا ولدنا ونعيش ونحب لبنان لكن حبنا له لا يتفوّق على حب فلسطين.
ويشير "أبو بلال" إلى أنه "شاهد موطنه لمرة واحدة فقط حين كان أسيراً لدى الجيش الإسرائيلي عام 1983، إذ تم اقتياده من لبنان إلى إسرائيل خلال الحرب الأهلية وخلال احتلال بيروت، ومكث هناك فترة أسبوعين كأسير وهو معصوب العينين، فيما كان يتم نقله من مركز إلى مركز آخر أزيلت الربطة من حول عينيه وشاهد بلده لساعات طويلة".
أما محمد يونس عودة (72 سنة) فله قصة مغايرة لبعض القصص في المخيّم، فهو وُلد في فلسطين ومن ثم أتى مع ذويه إلى لبنان وهو في السبع سنوات.
لا يتذكّر محمد صوراً طُبعت بذاكرته عن بلاده، فحين أتى كان صغيراً ولم يكن يفهم لما انتقل أهله من منزلهم إلى بلد آخر، كان يظن أنه في زيارة لأقاربه بفلسطين، لكن في الواقع هاجر أهله الوطن إلى بلد آخر على أمل العودة.
ويضيف محمد "لم يتحمّل أهلي وجودهم في لبنان، وكنت أسمع والدي يقول دائماً الموت في بلدنا أشرف من عيشة التشرّد هنا، وفعلاً قام أبي وأمي بوضعي عند أقاربهم في مخيّم شاتيلا، عادا إلى فلسطين واستشهدا هناك حين أوقع الجيش الإسرائيلي المنزل عليهما، لكن خوفهما عليّ جعلهما يتركاني لدى تلك العائلة التي قامت بتربيتي".
في جولة ميدانية داخل مخيّم "شاتيلا"، وخلال طرح سؤال عدد من الشبان والشابات عن مفهوهم لـ"يوم الأرض" كانت أجوبة البعض سلبية، إذ أن عدداً منهم لا يدرك تماماً ما معنى هذا التاريخ وفي أية سنة أطلق.
منال عيسى (35 سنة) تقول إنها، بمنتهى الصراحة، لم تسمع بهذا اليوم إلا خلال أيام الدراسة، لكنها لاحقاً - كما غيرها من صديقاتها وحتى أقاربها - لا يعرفن شيئاً عن هذا اليوم سوى أنه "يوم حزين على فلسطين" دون أية معلومات إضافية.
وتحمّل منال، كما صديقتها التي كانت إلى جانبها، الذنب إلى الإعلام المحلي الذي لا يلقي الضوء على أمور وطنية كذلك تفعل المدارس، وبالتالي هذا التعتيم يبعدنا عن قضيتنا ويبعد أولادنا معنا مستقبلاً.
يذكر أنه في العام 1976 وتحديداً يوم 30 مارس قامت السّلطات الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي الفلسطينية ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذات أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة.
وآنذاك عمّ معظم المناطق الفلسطينية إضراب عام ومسيرات بدأت من الجليل حتى صحراء النقب، فاندلعت مواجهات بين الطرف الفلسطيني من جهة والإسرائيلي من جهة أخرى، أسفرت عن سقوط ستة فلسطينيين وأُصيب واعتقل المئات، ليتحوّل هذا التاريخ نت ذلك اليوم إلى ذكرى "يوم الأرض".