في الذكرى الـ14..

«داعش» والغزو الأمريكي  للعراق.. من صنع من؟

كتب: أحمد علاء

فى: العرب والعالم

19:11 09 أبريل 2017
"ذهبنا إلى العراق للدفاع عن العالم من خطر كبير".. أي عالم وأي خطر؟، أكمل الغزو الأمريكي للعراق عامه الـ14.. حربٌ أمريكية برَّرها رئيسها -آنذاك- جورج بوش بأنَّها تهدف إلى مواجهة خطر دولة فباتت الدولة هذه في وضع الخطر هذا، يهدِّد وجودها تنظيم الدولة "داعش".
 
منذ الغزو الأمريكي إلى الآن، لا يكاد يتوقف النزيف العراقي، فأزمات تلو أزمات تعصف ببلاد الرافدين، حيث أحدث الغزو الذي استمر من 2003 وتحديدًا في التاسع من أبريل وقت أن سيطر الاحتلال الأمريكي على بغداد حتى 2011، تحولات كبيرة في العراق، حيث انتقلت مما كان يقال عنها عن نظام ديمقراطي يحتذى به في المنطقة إلى عراقٍ يعتمد على المحاصصة الطائفية معيارًا للحكم، وسط حالة فوضى عمَّت البلاد.
 

الإدارة الأمريكية قدَّمت قبل وأثناء وبعد سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 مجموعة من التبريرات لإقناع الرأي العام محليًّا ودوليًّا بـ"شرعية الحرب"، فساقت أنَّ حكومة الرئيس الراحل صدام حسين لها علاقات مع تنظيمات تصنفها واشنطن "إرهابية"، بينها "القاعدة"، وتعتبرها خطرًا على أمن واستقرار العالم، ما فُسِّر بأنَّ واشنطن سعت من بين ما سعت في العراق إلى مكافحة الإرهاب، إلا أنَّ الدائرة لفت وباتت والولايات المتحدة متهمة من قطاعات كثيرة بأنَّها سبب وجود "داعش" من ورائه الإرهاب في العراق.

 

 


 

قبل 14 عامًا، قال جورج بوش: "العراق الديمقراطي المسالم بعد نظام صدام حسين سيكون نموذجًا يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط".. هكذا برَّر بوش لنفسه احتلال العراق تحت زعم أنَّها تملك أسلحة دمار شامل.. لكنَّ أسلحة أخرى "يشتبه أنَّها أمريكية" دمَّرت العراق.. أسلحة تنظيم "الدولة".

 

أحد معالم الفوضى في العراق الذي يهدِّدها كدولة هو وجود تنظيم "الدولة"، فمع حلول ذكرى الغزو بات الحديث أقوى من أي وقتٍ مضى عن أنَّه سبب رئيسٌ في نشأة التنظيم، بل ذهب المحللون لما هو أبعد، فاعتبروا أنَّ التنظيم "صناعة أمريكية" لتحقيق مصالحها.

 

"داعش" مصنوع.. بريطانيا تعترف 
 
وبحسب ما أورده تقرير صحيفة "جارديان" البريطانية، في 6 يوليو من العام الماضي، كشف أحد تقارير اللجنة الاستخبارية المشتركة في لندن بتاريخ مارس 2007، أنَّ تنظيم "الدولة" ما كان ليظهر لولا الغزو الأمريكي للعراق.
 
التقرير جاء فيه: "المفجّرون الانتحاريون كُثر، وتنظيم قاعدة العراق يبحث عن فرصة لتنفيذ تفجير من العيار الثقيل يستهدف أهدافًا رئيسية.. في تقييمنا إن تنظيم قاعدة العراق سيسعى لتوسيع إطار حملته الطائفية حيث أمكنه ذلك، فالتفجيرات الانتحارية في كركوك تصاعدت وتيرتها بشكل حاد منذ أكتوبر 2006 عندما أعلنت قاعدة العراق تأسيس دولة العراق الإسلامية نظريًا بما فيها كركوك".
 
ويذكر التقرير: "هناك عدة مجموعات سُنية تشارك في الاعتداءات الطائفية، لكن في تقييمنا أنَّ تنظيم قاعدة العراق في مقدمة الصفوف الأمامية، وهدفه الاستراتيجي الأساسي متابعة شن حملة طائفية بغرض جرّ العراق إلى حرب أهلية.. في رأينا أنَّ حملتهم كانت الأمضى والأقوى من بين كل المجموعات المسلحة الأخرى، وبخاصةً بالنظر إلى مفعولها الكبير في 2006، كما أن تشكّل أكبر خطر مباشر يتهدد استقرار العراق، فتسارع وتيرة الاعتداءات التي تتسبب بوقوع أعداد كبيرة من الضحايا التي ينفذها التنظيم ضد الأهداف الشيعية لم يهدأ".

 

 

موسكو صراحةً.. "داعش" أمريكية

 

روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف قالت إنَّ تنظيم "الدولة" ظهر نتيجة تدخل واشنطن والغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

 

لافروف صرَّح - في يوليو الماضي - بأنَّ سياسة الغرب في الشرق الأوسط أدَّت لما تشهده المنطقة حاليًّا، لافتًا إلى أنَّ واشنطن وافقت على طرد ضباط نظام صدام حسين من الجيش العراقي، ما أدى إلى تهميش السنة في العراق وانضمام العديد من الضباط السابقين إلى تنظيم "الدولة" وغيره من الجماعات المسلحة.

 

"الشيوخ" يهاجم دولته.. لماذا الغزو؟

 
السابع من يونيو لعام 2008 لم يكن يومًا عاديًّا، فجذبت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي الأنظار إليها، فأصدرت - في سابقة هي الأولى من نوعها - تقريرًا مكتوبًا يوجه اللوم بشكل مباشر إلى جورج بوش وإدارته بتهمة إساءة استخدام المعلومات الاستخباراتية لتبرير حرب العراق
 
سطور التقرير أكَّدت أنَّ إدارة بوش خدعت الشعب الأمريكي حين تحدثت عن اتصالات بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة، وكذلك لم ينقل صانعو السياسات بدقة التقييمات الاستخبارية الحقيقية حول حقيقة اتصال الرئيس العراقي "آنذاك" بالقاعدة لتترك الانطباع لدى الرأي العام، بأنَّ هذه الاتصالات قد أسفرت عن تعاون كبير بين العراق لتعضيد تنظيم القاعدة.
 
بعيدًا عن تورط أمريكي في صناعة التنظيم أم نتاجه في ظل أنظمة عربية وُصف حكمها بـ"الاستبدادي"، فإنَّ الولايات المتحدة عادت تضرب من جديد في العراق، ليس لإزاحة رئيس أو  خطر نووي ولكنَّ من أجل محاربة تنظيم ينهش في عظام العراق.
 

 

لولا الغزو لما ظهر داعش

 
الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية اتفق مع المخابرات البريطانية حين قالت إنَّه "لولا غزو العراق لما ظهر داعش".
 
غباشي قال لـ"مصر العربية": "لو لم يقم الغزو الأمريكي للعراق لما ظهر تنظيم داعش، وما يحدث في سوريا صنع جبهة النصرة، وبدأنا نسمع عن مثل هذه التنظيمات الإرهابية إلا بعد معركة إدلب في ديسمبر 2012".
 
وأضاف: "في خطاب وداع أوباما قرأنا فيه كيف أنّ الولايات المتحدة غزت العراق ليس بسبب أسلحة نووية أو بيولوجية ولكن من أجل خروج العراق من عباءة الأمن القومي العربي بشكل كامل".
 
تابع: "تردَّد أنَّ هناك اجتماعًا عقد بين شركات نفط أجنبية وبين الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، وتم فيه اتخاذ قرار غزو العراق، وكان زعيم هذه الشركات هو رئيس مجلس إدارة شركة هالبرتون، وأوكل عقدين للشركة بإصلاح البنية التحتية النفطية العراقية بقيمة 7 مليارات دولار، وعقد بـ8 مليارات و700 مليون دولار خاصة بخدمات نفط، ثم تم تدمير الآثار العراقية، وتم نقل بعض هذه الآثار إلى إسرائيل".
 
 
غباشي نقل عن هربرت نورمان شوارزكوف جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي قوله إنَّ بلاده انتقمت من العراق بإخراجها من الأمن القومي العربي، معتبرًا أنَّ ذلك هو سبب الغزو الأمريكي للعراق.
 
العراق في الذكرى الـ14 للغزو الأمريكي يرى غباشي إنَّها باتت شبه مقسمة إلى ثلاث دويلات،  وهي - حسب قوله - دولة كردستان بضم إقليم كركوك ورفع العلم عليه والمطالبة بإعادة تقسيم مدينة الموصل بعد القضاء على تنظيم "الدولة" وسهل نينوى، ودولة سنية وصفها بـ"الأضعف" وتضم صلاح الدين ونينوى والأنبار وديالى، وبقية الأجزاء لدولة شيعية، حسبما ذكر.
 
وتابع: "الدستور العراقي شهد تقسيم وتصنيف على ثلاث جهات، بحيث يكون رئيس الجمهورية مسلم كردي ورئيس الوزراء مسلم شيعي ورئيس البرلمان مسلم سني".
 
واختتم قائلًا: "بعد 14 سنة من العزو باتت العراق خارج عباءة الأمن القومي العربي، وباتت محتلة إيرانيًّا، وأصبحت ممتلكاتها ومواردها في يد الآخرين فضلًا عن ثلة من الحكام قال عنهم بول برامر في أول اجتماع ضمَّه بالساسة العراقيين الذين جُلبوا للعراق بعد الاحتلال إنَّهم أناس لا يجوز أن يحكموا العراق".
 

 

لا علاقة

 
الخبير العسكري اللواء أحمد عبد الحليم استبعد وجود علاقة بين ما يجري بالعراق حاليًّا بالغزو الأمريكي، وقال: "عام 2002 شهد الإعلان الأمريكي الرسمي بالغزو، وفي هذا الوقت انعقد اجتماع  في أنقرة وتمَّ الإعلان السياسي بغزو العراق، في مارس في اجتماع لندن تم تقسيم العملية، واجتماع تالٍ في أزمير في أغسطس لتقسيم العملية أيضًا حتى تم الغزو".
 
الغزو الأمريكي يرى عبد الحليم إنَّه لم يحقِّق شيئًا إلا إسقاط حكم الرئيس الراحل صدام حسين وتقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، كردي في الشمال وسني في الوسط شيعة في الجنوب، قبل أن تصل تتعدَّد الأزمات هناك وصولًا إلى وضعها الراهن الذي وصفه بـ"المفتت".
 
عبد الحليم أشار إلى أنَّ رغبةً في تقسيم المنطقة "لم يحدِّد من يقف وراءها" هي السبب في كل النزاعات بالشرق الأوسط، موضِّحًا أنَّ الغرض من تشكيل هذه الحركات المتطرفة هو الحفاظ على مصالح دول بعينها.

 

صنيعة أمريكية

 
خبير العلاقات الدولية سعيد اللاوندي قال إنَّ العراق يعيش "وضعًا سيئًا للغاية"، لافتًا إلى أنَّه قبل الغزو الأمريكي كان الحديث عن أنَّ العراق ستكون جنة للديمقراطية.
 
اللاوندي اعتبر أنَّ تنظيم الدولة "داعش" هو صنيعة أمريكية، متابعًا "هذا التنظيم يملأ الأرض فسقًا في العراق وليبيا واليمن وسوريا، وهو أداة أمريكية لإرهاب المنطقة العربية.. والغزو جاء بعدما أذاعت كذبًا أنَّ العراق ستمتلك أسلحة دمار شامل".
 
الغزو الأمريكي للعراق يرى اللاوندي أنَّها لا يزال قائمًا إلى الآن متخذًا منحى جديدًا، في إشارة إلى تنظيم "الدولة".
 
وأضاف أنَّ الصناعة الأمريكية لتنظيم "الدولة" هدفت إلى حرق منطقة الشرق الأوسط، غير أنَّه أكَّد أنَّ "نار مثل التنظيمات" ستطال الولايات المتحدة.
 
ساقت الولايات المتحدة في مبررات غزوها للعراق أنَّها تسعى إلى محاربة ما أسمته "الإرهاب"، غير أنَّ اللاوندي أشار إلى أنَّ الغزو الأمريكي هو الذي صنع الإرهاب في العراق، داعيًّا الدول العربية إلى اعتبار واشنطن عدوًا، رافضًا التحالف مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب.

اعلان