مع تراجع التوزيع.. الصحافة الورقية السودانية في مهب الريح
رغم أن تراجع الصحف الورقية لصالح الإلكترونية، يُهيمن على مناقشات الأوساط الصحفية حول العالم، إلا أنه يحظى بوضع خاص في السودان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية، سببها الرئيس، اضطرابات سياسية، هي سمة تاريخه الحديث.
وما يشغل الصحفيين السودانيين اليوم، تراجع نسب توزيع الصحف الورقية، عاما تلو آخر، حتى بلغت نسبة انخفاض توزيعها 21 % للعام 2016، مقارنة بالعام الذي قبله، من جملة 116.5 مليون نسخة طبعتها 44 صحيفة، وفقا لمجلس الصحافة، الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم المهنة في البلاد.
وبدأ هذا التراجع مع وقع الأزمة الاقتصادية المستفحلة منذ انفصال جنوب السودان في 2011، مستحوذا على 75 % من حقول النفط، كانت تدر 50 % من الإيرادات العامة.
ولامتصاص الأزمة، ضاعفت الحكومة الضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على كل المنتجات ومدخلاتها، الأمر الذي أثر سلبا على صناعة الصحافة.
وما فاقم الأزمة، أن ارتفاع كلفة الطباعة والخدمات اللوجستية الأخرى، مثل النقل، صاحبها تضاءل سوق الإعلان.
ولتغطية العجز المالي، اضطر الناشرون إلى رفع سعر النسخة الواحدة من 5. جنيها إلى 4 جنيهات سودانية، في أقل من عامين، ما أدى إلى تراجع نسبة القراء.
وبالنسبة إلى ناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأحداث نيوز" الإلكترونية، عادل الباز، فإن "الصحافة الإلكترونية توفر كثيرا من كلفة الصحافة الورقية".
وكان الباز قد اضطر في العام 2012، لإغلاق صحيفته الورقية، التي تحمل نفس الاسم، لأسباب "مالية"، قبل أن يُدشن نسخته الإلكترونية، قبل أشهر.
وأضاف الرجل في تعليقه للأناضول، أن "الصحافة الورقية تحتاج لحلول حقيقية في ظل التكلفة العالية لمدخلات الطباعة".
ولم تستجب الحكومة لمناشدات متواترة من الناشرين، بخفض الجمارك والرسوم المفروضة على مطبوعاتهم، رغم وعودها بذلك.
ولا تملك الحكومة أي من الصحف السودانية، التي تعود في الغالب إلى رجال أعمال، وبنسبة أقل، إلى أحزاب سياسية.
لكن الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، عبد العظيم عوض، يرد تراجع التوزيع إلى "التساهل والتهاون في المهنة، واعتماد الصحف المحلية على نقل المعلومات من الإنترنت بنسبة 60 %".
وصرح عوض خلال مشاركته، قبل أيام، في ورشة لمناقشة "مستقبل الصحافة الورقية في السودان" أن "الصحف أغفلت الجوانب التحريرية، كالخبر الرصين والتحقيق الجرئ والكاركاتير، وركزت بالكامل على أعمدة الرأي من كُتَّاب ليس لديهم علاقة بالصحافة".
ويشتكي المحررين في الصحف السودانية من تدني أجورهم، والاهتمام بترقية بيئة عملهم، مقارنة مع كتاب الرأي، الذين يحظون بمرتبات أعلى، ويتنافس الناشرون على التعاقد معهم.
ومؤيدا لعوض، قال مدير مركز "طيبة برس"، محمد لطيف، للأناضول إن "الصحافة الورقية ستفقد بريقها، لصالح الصحافة الإلكترونية، عندما تفشل في إقناع القارئ بالمحتوى".
وبالمقابل يرى الباحث، عبد القادر محمد عبد القادر، الذي يعكف حاليا على إعداد دراسة حول مستقبل الصحافة الإلكترونية، أن السبب المحوري لتراجع الصحف الورقية هو "غياب حرية الصحافة".
وفي إفادته للأناضول، أوضح عبد القادر أن "بعض القراء لجأوا إلى الصحافة الإلكترونية التي تتمتع بحرية نشر أوسع".
وخلال الأعوام الماضية، درجت منظمة مراسلون بلا حدود على وضع السودان ضمن آخر 10 دول في مؤشرها لحرية الصحافة، الذي يغطي 180 بلدا حول العالم.
ويتهم ناشرون جهاز الأمن والمخابرات (تابع لرئاسة الجمهورية) بتعليق صدور صحفهم لفترات متفاوتة، ومصادرة نسخها بعد طباعتها، دون أحكام قضائية.
ويجادل القادة الحكوميين بأن القانون يتيح للجهاز تعليق صدور الصحف، في حال نشرها مواد "تضر بالأمن القومي"، مقابل تأكيد حقوقيين أنه لا يتمتع بهذا الحق.
وإن كان تراجع الصحف المطبوعة يتزامن مع ازدهار الصحافة الإلكترونية، حيث شهدت البلاد في الأعوام القليلة الماضية تأسيس عدد من المواقع، منها "سودان تربيون"، "الطريق"، "الجماهير" و"خرطوم بوست"، إلا أنها تحتاج إلى "الصقل والتجويد"، كما يقول الصحفي علاء الدين محمود.
وفي إفادته للأناضول، يأمل محمود، أحد مؤسسيي موقع "خرطوم بوست"، أن تتجاوز الصحف الإلكترونية أزمة الصحف الورقية التي "لم تنتبه إلى ضرورة التطوير، بطرق أجناس صحفية مختلفة وجديدة، مثل القصة الخبرية والملونة وفنون البروفايل".
ومن زاوية أخرى، يشير أستاذ الإعلام والكاتب الصحفي، فيصل محمد صالح، إلى "تجربة صحف عريقة حول العالم زاوجت بين النسختين، الورقية والإلكترونية، مثل فاينانشال تايمز وديلي تلغراف".
ويعتقد الرجل في تعليقه للأناضول، أن "الصحافة الإلكترونية أمامها طريق طويل لتنتشر في السودان نتيجة لضعف الإنترنت وغياب البنيات التحتية الأساسية كالهرباء وغيرها".
ووفقا لأرقام رسمية، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في السودان يبلغ 11 مليونا، أي نحو ثلث السكان، غير أن خبراء يشككون في هذا الرقم.
ورغم إقراره بالعقبات التي تواجه الصحف المطبوعة، يؤكد أستاذ الإعلام أن "أمامها عمر إضافي"، لمسيرتها التي تعود إلى العام 1903، بصدور صحيفة "السودان"، إبان الاستعمار الإنجليزي. -