لقاء السيسي وحفتر.. أجندة مصالح أم مخطط توافق؟
على طريقٍ مدجج بالسلاح يواصل الليبيون بحثهم المرير عن الدولة.. الدولة التي لم يذوقوا منها غير العنف منذ اندلاع ثورتهم في 2011 ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، الذي تركهم بلا شيء، سواء مؤسسات أو جيش، بل في غابة سلاح حمله الناس ضد النظام حين ثاروا ضده، إلا أنَّ وتيرةً تسارعت بشأن توافق يلوح أفقه، ويبشر يعيد الليبيين إلى دولتهم.
في قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد العسكري الليبي خليفة حفتر.. لم يخرج اللقاء بشيء معلن بل بصيغة دبلوماسية مكررة، تخفي وراءها مباحثات ومداولات خلف الأبواب المغلقة، تناقش تفاصيل مستقبل ليبيا الغامض.
لقاء السيسي وحفتر يأتي أيضًا بعد أيامٍ من إحباط القوات الجوية عملية تسلُّل من الحدود مع ليبيا، حيث دمَّرت القوات 15 سيارة محملة بالأسلحة والذخائر، بناءً على معلومات استخبارية مؤكدة أفادت بتجمُّع عدد كبير من السيارات استعدادًا للتسلل إلى داخل الحدود المصرية على الاتجاه الاستراتيجي الغربي.
تنسيق كبير يجمع السلطات المصرية بحفتر وقواته، وهو ما يفسِّر بأنَّ اللقاء تناول سبل التنسيق العسكري بين الجانبين على الحدود منعًا لتسلُّل أي عناصر عملًا على حفظ الأمن، لا سيَّما أنَّ أي تدهور في الأمن هنا أو هناك سيضر الطرفين أيمّا ضرر.
خلال اللقاء، أعرب حفتر عن تقديره لدور مصر الهام في الأزمة الليبية، مثمنًا الجهود المصرية لمساعدة مختلف الأطراف في الوصول إلى توافق.
بيان الرئاسة المصرية نقل عن السيسي تأكيده لموقف مصر الثابت من الأزمة الليبية وسعيها للتوصُّل إلى حل سياسي، بالإضافة لأهمية إعادة وحدة المؤسسة العسكرية الليبية على يد الليبيين.
الرئيس شدَّد كذلك على أهمية رفع القيود المفروضة على توريد السلاح للجيش الليبي ولضرورة وقف تمويل المنظمات المتطرفة وإمدادها بالسلاح والمقاتلين والتصدي لمختلف الأطراف الخارجية التي تسعى إلى العبث بمقدرات الشعب الليبي.
البيان ذكر أنَّ اللقاء شهد استعراض آخر التطورات السياسية في ليبيا، وتأكيد أهمية استمرار الجهود من أجل مواصلة الحوار بين الأطراف الليبية وإعلاء المصلحة الوطنية الليبية، بما يتيح إعادة بناء مؤسسات الدولة ويلبى طموحات الشعب الليبي في عيش حياة كريمة ومستقرة.
تكرار دبلوماسي.. لا جديد
هذه العبارات تكررت في عشرات البيانات المصرية الصادرة فيما يخص تعاملها مع الأزمة الليبية، إلا أنَّ الأيام والوقائع أثبتت أنَّ أمورًا غير معلنة تناقشها مثل هذه الاجتماعات لن تعلن، وتوافقات تتم بلورتها.
اجتماع السيسي وحفتر في القاهرة اليوم يرتبط بشكل لصيق باللقاء الذي كانت قد استضافته أبو ظبي الإماراتية بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج قبل أيام فقط، وهناك كُشف عن الاجتماع أنَّ حفتر والسراج اتفقا على تشكيل مجلس رئاسة الدولة، يضم رئيسي البرلمان وحكومة الوفاق وقائد الجيش، ويكون المجلس بمثابة القائد الأعلى للجيش، والمناط بمهمة حل التشكيلات المسلحة غير النظامية ومحاربة الإرهاب، كما اتفقا أيضًا على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد ستة أشهر من سريان الاتفاق.
في اليوم التالي للاجتماع، قال السراج إنَّه تمَّ الاتفاق مع حفتر، على الدعوة إلى الحوار الشامل وتوحيد مؤسسات الدولة وإنهاء القتال في البلاد، وأعلن التوصُّل إلى اتفاق مع حفتر حول عدة نقاط، بينها إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية وخضوعها للسلطة المدنية، والسعي وراء تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وتوحيد الجهود والإمكانيات لتجاوز المعوقات التي حالت دون تنفيذ الاتفاق السياسي وإجراء التعديلات عليه.
سنوات ليبيا المتعاقبة منذ الإطاحة بالقذافي تشهد حالة انقسام سياسي وفوضى أمنية، ما يجعل العديد من مناطق البلاد تشهد بين الحين والآخر أعمال قتالية بين القوى المتصارعة على السلطة، لا سيما في طرابلس ومحيطها غربًا، وبنغازي وجوارها شرقًا.
الأزمة السياسية تتجسد في وجود ثلاث حكومات متصارعة، اثنتان منها في العاصمة طرابلس، وهما "الوفاق الوطني"، و"الإنقاذ"، إضافةً إلى المؤقتة بمدينة البيضاء "شرق"، والتي انبثقت عن مجلس نواب طبرق، والتي يقود قواتها خليفة حفتر.
ويسيطر حفتر على فصائل في شرق ليبيا ترفض حكومة الوفاق الوطني، ما أسهم في عدم قدرتها على توسيع سلطتها في طرابلس وخارجها، وتدعم فصائل أخرى مسلحة في الغرب حكومة الوفاق الوطني.
مع زيارة حفتر للقاهرة، تواترت الأنباء عن عقد لقاء بين "القائد العسكري" والسراج، إلا أنَّه سرعان ما تبلورت هذه التوقعات، على الأقل حتى الآن، حيث غادر حفتر القاهرة عائدًا بطائرة خاصة إلى طبرق.
تصريح سيالة.. حديثٌ جديد
وفي خضم الحديث عن توافق يخطو بليبيا أولى تحركاتها من مشوار الألف ميل، صدر تصريحٌ من وزير الخارجية المفوض في حكومة الوفاق محمد سيالة في الجزائر اعتبر فيها أنَّ حفتر قائد للجيش لا غبار عليه.
ردًا على ذلك، دعا عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة بإقالة سيالة، معتبرًا أنَّه فاقد للمصداقية التي تمكنه من الاستمرار في منصبه.
التجمع السياسي لمدينة مصراتة أيضًا اعتبر أنَّ "تصريحات سيالة نسْف العملية السلمية وسترجع البلاد إلى المربع الأول وإدخال البلاد في أتون حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس".
سياسيًّا أيضًا، عاد المؤتمر الوطني العام السابق إلى الواجهة مجدَّدًا من خلال بيان تناقلته وسائل إعلام محلية ليبية يدعو فيه رئيسه نوري أبو سهمين القوات الموالية لحكومة الإنقاذ التابعة له بالتحرُّك من أجل استعادة السيطرة على مقراتها السابقة في طرابلس، بالتوازي مع إطلاق نار كثيف لأسلحة ثقيلة ومتوسطة سمع في كل أرجاء العاصمة الليلة قبل الماضية، عندما اقتربت كتائب موالية لحكومة الإنقاذ بشرق وجنوب العاصمة من حي الهضبة وأبو سليم.
وبحسب مراقبين للشأن الليبي، فإنَّ الحراك السياسي والعسكري بغرب البلاد يسعى بشكل واضح إلى إفشال إمكانية التقارب بين السراج وحفتر، ووجد في تصريحات سيالة الواضحة حول بقاء حفتر على رأس المؤسسة العسكرية سبيلًا للتصعيد ضد العملية التي تسعى دول جوار إلى التكتم على نتائجها من أجل الترتيب لها بشكل محكم ومحاولة فرضها من خلال أطراف دولية مؤثرة وداعمة للمناوئين لمؤسسة الجيش بغرب البلاد.
سلاح يهدِّد الوفاق
بوادر التوافق في ليبيا هدَّدته أزمة مسلحة، فبعد تزايد الأنباء بشأن إمكانية عقد لقاء آخر يجمع السراج وحفتر لمناقشة نتائج مشاورات لقاء أبو ظبي، تعالت أصوات الميليشيات والتيارات الرافضة في غرب البلاد للوفاق.
مصادر ليبية تحدَّثت عن أنَّ لقاءً كان من المزمع عقده بين السراج وحفتر في العاصمة المصرية تمَّ إلغاؤه، بعد قيام مجموعات مسلحة بنشر مقاتليها وآلياتها وسط طرابلس خلال اليومين الماضيين، كما نقلت "العربية".
لقاء السيسي وحفتر.. أهميته
الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية اعتبر أنَّ لقاء السيسي وحفتر اليوم يعتبر تكميليًّا للقاء حفتر والسراج في أبو ظبي.
وقال - لـ"مصر العربية" – إنَّ لقاء حفتر والسراج في الإمارات كان بالتنسيق مع السلطات المصرية، لافتًا إلى أنَّه شهد التزامًا من قبل أربعة بنود، هي التوافق على مسار الحل السياسي بمقتضى اتفاق الصخيرات، والشروع في دمج الاستحقاقات سواء الرئاسية أو التشريعية، والعمليات الخاصة بمواجهة الإرهاب والتصدي للتنظيمات المتطرفة، والشروع في تحديد الأطر الزمنية لتنفيذ ذلك.
وأضاف أنَّ القاهرة دخلت على خط الأزمة الليبية باعتبارها الطرف الأصيل والشريك المباشر، مشدِّدًا على ضرورة إقناع حفتر بالمضي قدمًا في المسار السياسي، لا سيَّما أنَّ حفتر كانت له بعض التحفظات على اتفاق الصخيرات، وهي النقاط التي تمَّ التوافق عليه في أبو ظبي.
فهمي أشار إلى أنَّ لقاء اليوم بين السيسي وحفتر يمثل محاولةً من القاهرة لترتيب الوضع السياسي جنبًا إلى جنب مع الوضع العسكري.
خلو البيان الرئاسي المصري من أي إشارة ضمنية أو صريحة للقاء حفتر والسراج فسَّره فهمي بأنَّ مثل هذه البيانات الدبلوماسية تفهم في سياقها.
أهمية لقاء القاهرة أوضحها فهمي بالقول إنَّ مصر تسعى لاتفاق حقيقي والتصدي لأي محاولات لإفشال الاتفاق قبل أن يبدأ، حيث أكَّد أنَّ هناك أطرافًا تسعى لإفشال الاتفاق من الداخل الليبي.
ورأى أنَّ الأزمة بين الأطراف الليبية هي "أزمة ثقة"، لافتًا إلى أنَّ القاهرة تسعى إلى إنجاح اتفاق أبو ظبي لا سيَّما أنَّ هناك رابحين وخاسرين من هذا الاتفاق، مشدِّدًا على أهمية التنسيق مع حفتر على وجه التحديد كونه يملك القوة العسكرية على الأرض.
اللقاء مع حفتر يراه فهمي لا يعني أنَّ القاهرة تقف إلى جانب "القائد العسكري" ضد فايز السراج، فأشار إلى أنَّه رغم عدم حضور رئيس حكومة الوفاق إلى مصر إلا أنَّ تنسيقًا جرى معه في الأيام الماضية لتثبيت اتفاق أبو ظبي والبناء عليه نحو حل الأزمة في البلاد.
فرص نجاح هذه التحركات المصرية يقول فهمي إنَّها أكثر من طرق الفشل، مشيرًا إلى أنَّ هناك إرادة سياسية من قبل مصر والإمارات لحل الأزمة من خلال هذا التوافق.
أجندة مصالح
الدكتور زياد عقل المتخصص في الشأن الليبي قرأ لقاء السيسي وحفتر اليوم على أنَّه ترتيب للخطوات العملية التي ستتخذ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وقال – لـ"مصر العربية" – إنَّ الجهود المصرية لحل الأزمة الليبية قادت الأطراف الليبية إلى عدة توافقات، مشيرًا إلى أنَّ شقين للمرحلة الحالية، أحدهما إجرائي وهو يتعلق بإجراءات الانتخابات ووضع الدستور، والآخر يتعلق بعلاقة مصر بخليفة حفتر ورؤيتها له بأنَّه الأنسب للمرحلة الحالية.
وأضاف أنَّ أجندة مصالح كبيرة تربط بين حفتر ونظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو ما كان جزءًا من مباحثات اليوم بالقاهرة.
هذه التفاهمات استبعد عقل أن تقود إلى وقف فعلي للمعارك الدائرة على الأرض، فهو أكَّد أنَّ طرفًا من الأطراف بيده القوة العسكرية فضلًا عن أنَّه لم يحدث التوافق العسكري على الأرض الذي قد يوقف القتال بين القوى المختلفة.
هذا التوافق العسكري – حتى وإن حدث، يرى المحلل السياسي أنَّه لن يمنع وقوع اشتباكات في بعض المناطق بين الجماعات المسلحة الصغيرة غير المؤثرة.
وأوضح أنَّ انهيار تحالفات الميليشيات داخل ليبيا في المرحلة السابقة هو الذي خلق المشهد الحالي بانتشار ميليشيات يصعب السيطرة عليها.
تشكيل لجنة لتعديل اتفاق الصخيرات "ديسمبر 2015" يرى فهمي أنَّه أول ما تحتاجه ليبيا لحل أزمتها الراهنة، حيث تتم إجازة هذه التعديلات من مجلسي الدولة والنواب، وبالتالي تحصل الحكومة على الشرعية، ثمَّ يتم وضع جدولة لإجراء الانتخابات.