بالصور|
قتل وتعذيب واغتصاب.. مدنيون عراقيون من نار «داعش» إلى جحيم الحكومة
"بينما كان فتحي نائمًا في غرفته مع زوجته وأطفاله.. يدخل عليهم المقاتل حيدر برفقة زملائه.. يسحب فتحي للخارج ثمَّ يغتصب السيدة.. يرحل الشرطيون يحكون لقوات الطوارئ جمال زوجة فتحي، فيأتون هم إلى المنزل لاغتصابها".
هذا المشهد ليس عملًا فنيًّا يُحكى في خيالات السينمائيين، بل جانبًا مما تفعله قوات حكومية عراقية وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لها ضد المدنيين، قتلًا أو تعذيبًا أو إخفاءً قسريًّا وكذا اغتصابًا.
كثيرةٌ هي التقارير التي تتحدث عن انتهاكات تمارس ضد المدنيين، ليس الحديث عن أنَّ مرتكبها تنظيم الدولة "داعش"، إلا أنَّها القوات العراقية التي في الأساس تقاتل لطرد التنظيم.
تقرير دير شبيجل.. انتهاكات موثقة
"ظن أنهم أبطال فخرج يصفهم بالوحوش".. تلك هي آخر حلقات مسلسل الانتهاكات، فمصور مجلة "دير شبيجل" الألمانية رافق القوات العراقية التي تقاتل ضد تنظيم "الدولة" ليرصد ما توقعها بطولاتهم على أرض الميدان، لكنَّ الرياح هبت بما لم يكن يشتهي أو يتوقع.. فتحدث عن "فظائع" في ميدان القتال.
المصور وصانع الأفلام الوثائقية علي أركادي "عراقي" وثَّق بعدسته ما قال إنَّها انتهاكات تمارسها قوات تحرير الموصل، وتحديدًا قوات النخبة التي تعرف بالفرقة الذهبية وقوات طوارئ الداخلية، وهما يمثلان الذراعين الأبرز في معركة الموصل التي انطلقت في 17 أكتوبر من العام الماضي.
"الفظائع - كما أورد التقرير - تتمثل في أعمال قتل وتعذيب وكذا اغتصاب نساء هاربات من جحيم المعارك وأمام أطفالهن وذلك كله تحت ستار محاربة تنظيم "الدولة".
اغتصاب وقتل وتعذيب
"أركادي" يقول إنَّه شاهد أول عملية تعذيب وإعدام في يوم 22 أكتوبر الماضي، عندما اعتقلت قوات الرد السريع شابين في قاعدة القيارة جنوب الموصل، وأقدمت هذه القوات على تعذيبهما لعدة أيام ومن ثم إعدامهما.
ويضيف أنَّه حصل على إجازة وعاد إلى منزله وبعدها ذهب إلى حمام العليل بتاريخ 11 نوفمبر الماضي بعد تحريرها من تنظيم "الدولة"، ومنذ ذلك الحين حدثت أمور أكثر، تتمثل في تعذيب واغتصاب وقتل الناس لأجل الشك فقط، كما شنَّت قوات الطوارئ حملة اعتقالات في صفوف الشباب للتأكد من عدم وجود عناصر لتنظيم "الدولة" بينهم، ومن ضمن المعتقلين الذين أحضرهم جنود المجموعة أب وابنه ذو 16 عامًا.
يروي الصحفي قائلًا: " مهدي محمود ، الأب، تمَّ تعليقه من أيديه بعد ربطهما خلف رأسه ومن ثمَّ رشوا الماء على ظهره وبدأوا بضربه وركله.. ابنه كان جالسًا بجوار الباب وكان يسمع صراخ والده وكنت هناك أقوم بتصوير كل شيء ولم يمنعني أحد بتاتًا ثم قاموا بتعذيب الولد أمام أعين والده ومن ثم قاموا بقتله أمامه".
وتحدث أيضًا عن أنَّ القوات الحكومية بعد أن سيطرت على قرية قبر العبد قرب حمام العليل، اعتقل عناصر الاستخبارات عدة أشخاص من بينهم "رعد هندية"، وهو حارس لأحد المساجد في القرية، حيث أخذوه واستجوبوه وضربوه لعدة ساعات وأطلقوا سراحه.
ويقول الصحفي: "بتاريخ 22 نوفمبر داهمت ليلاً قوة مكونة من 10 أشخاص، وكانت القوات الأمريكية في مكان قريب وتراقب المداهمة عبر طائرة مسيرة، كان رعد هندية نائمًا مع عائلته عندما اعتقلوه للمرة الثانية، وعذَّبوه لساعات قبل أن يتم نقله إلى مقر الاستخبارات، وهناك تمَّ تعذيبه لمدة أسبوع، وبعد ذلك تمَّ قتله مع عددٍ آخر من المشتبه بهم، وهذا حسب قول النقيب ثامر الدوري أحد ضباط الاستخبارات، وفي نفس الليلة اعتقلوا شابًا يدعى رشيد وكان بريئًا وشهد له عناصر استخبارات في الجيش، لكن ذنبه أنَّ شقيقه الأكبر التحق بتنظيم داعش هو وزوجته، توفي رشيد بعد ثلاثة أيام من التعذيب ورأيت جثته في مقر الاستخبارات".
وروى الصحفي واقعة أخرى، فأخذ يقول: "في منتصف ديسمبر الماضي انتقلنا إلى قاعدة جديدة في بزوايا في الأطراف الشرقية للموصل وكان هناك أخوان صغيرا السن، ليث وأحمد الذين تمَّ اعتقالهما بواسطة الفرقة الذهبية والذين أطلق سراحهم فيما بعد لعدم ثبوت أي أدلة تدينهم.. لقد تمَّ اعتقالهما مرة أخرى وهذه المرة الجنود تولوا تعذيبهم لأنَّ الضباط لم يكونوا موجودين بعد، لقد قاموا بربطهم ومن ثم بضربهم ومن ثم قاموا بغرز سكين خلف أذن أحمد.. أحد الجنود واسمه علي قال بفخر إن هذا التكنيك تعلمه من الخبراء الأمريكيين بنفسه".
ويضيف: "لقد كنت متفاجئًا ومذعورًا بأنهم سمحوا لي بتصوير كل ما حدث.. بقيت هناك لمدة ساعة على الأقل وفي الصباح التالي قال لي أحد الجنود إنَّه تمَّ تعذيب الاثنين حتى الموت خلال الليل، وأراني فيديو تظهر فيه جثثهم وأرسله لي على الواتساب الخاص بي".
واقعة أخرى في 16 ديسمبر الماضي، يقول الصحفي: "حضر الرجلان عمر نزار وحيدر علي السني والشيعي الذين يريدون القتال معًا ضد تنظيم الدولة إلى القاعدة في تلك الليلة وكانوا قد استلموا أوامر بإحضار مطلوبين تمَّ تسجيل أسمائهم من قبل أحد المخبرين يعتقد أنَّهم كانوا يقاتلون إلى جانب الدولة الإسلامية.. غادر الجنود لإحضار المطلوبين دون أي إيضاحات أو حتى معلومات من قبل الضباط المسؤولين".
ويتابع: "أحد الذين تمَّ إحضارهم في تلك الليلة كان فتحي أحمد صالح.. لقد سحبوه بينما كان نائمًا في غرفته مع زوجته وأطفاله الثلاثة.. حيدر علي دخل إلى الغرفة وقال إنَّه سيغتصب زوجة الرجل.. ذهبت مع الجنود الآخرين لأرى ماذا سيفعلون بالرجل وبعد دقائق عدت ورأيت حيدر علي عند باب الغرفة وكانت المرأة تنتحب وعندها سأله عمر نزار ماذا فعل فأجاب لا شيء إنها في دورتها الشهرية وسكت".
ويكشف: "لقد قمت بتصوير داخل الغرفة عندما كانت المرأة جالسة مع ابنها الصغير بين ذراعيها.. نظرت إلي ولكني تابعت التصوير.. عندما شاهدت هذا الفيديو مرة ثانية، عندما رأيتها تنظر باتجاهي وهي تقبل طفلها الصغير قلت: أظن أنها تقبلت أني أقوم بالتصوير في هذا الوضع السيء حتى يتمكن الناس من معرفة حقيقة ما يحدث.. بعدها قام بقية الجنود بسرقة ما يستطيعون سرقته بينما هم يقومون بتفتيش المنزل".
واقعة اغتصاب شاب يكشفها الصحفي العراقي فيقول: "المعتقل الأخير في تلك الليلة كان شابًا صغيرًا من مقاتلي ما يسمى بالحشد الشعبي والذي بدوره أيضًا شارك في قتال الدولة الإسلامية.. كان سنيًّا ولكن الحشد الشعبي يكره السنة.. لقد أخذوه إلى المبنى حيث كان هناك عمر نزار حيث اغتصبه أحد الجنود هناك.. إن الرجال الذين رافقتهم قد اختبروا قتالاً ضاريًا وصعبًا للغاية ولكنهم يظنون الآن أن بإمكانهم أن يفعلوا أي شيء.. قتل.. اغتصاب.. كله حلال ومباح وشرعي.. عندما يعود هؤلاء الجنود من مهماتهم يسألهم عمر نزار عن ماذا فعلوا فيجيبوه: لقد فعلنا كل شيء، أخذنا الرجال والنساء ونهبنا البيوت".
كما تتحدث رواية الصحفي: "لا يتوقف الأمر عند هكذا حد، فقد كانت هناك منافسة بين رجال الشرطة الفيدرالية ورجال وزارة الداخلية، فيوضح: "عندما كان رجال الشرطة يصفون كيف أنَّهم وجدوا واغتصبوا امرأة جميلة المظهر في بيت ما، فإنَّ قوات الطوارئ تذهب إلى ذلك البيت مرة أخرى من أجل اغتصاب تلك المرأة.. لقد أصبح القتال ضد الدولة الإسلامية أقل أهمية يومًا بعد يوم".
شارك الصحفي العراقي في هذه الجرائم ولكنَّه مضطر، فيقول فيما كشفه: "لقد كان عمر يطلب مني أن أشاركه هو وجندي آخر تعذيب معتقلين آخرين بينما كانوا يفعلون ذلك.. لقد كان موقفًا سخيفًا للغاية.. لقد كانوا يعتبرونني واحدًا منهم، ولقد كنت خائفًا.. أنا كردي وأعمل لدى وكالة تصوير صحفية أمريكية وكانوا أربعة رجال مدججين بالسلاح وكنت وحيدًا وأصبحوا يصرخون علي ويطلبون مني بأن آتي سريعًا إليهم.. لقد اضطررت حينها لضرب أحد المعتقلين.. لم تكن ضربة قاسية ولم تكن خفيفة أيضًا لقد كانت آخر شيء فعلته هناك".
ويكشف طريقة الهروب فيقول: "أوهمتهم بأنَّ ابنتي مريضة وأنه يتوجب علي العودة إلى البيت.. قدت مسرعًا نحو خانقين وبقيت هناك لبضعة أيام ومن ثم قمت بتأمين عائلتي وغادرت بلدي العراق بعد ذلك.. لقد كان واضحًا بأن حياتي ستكون في خطر حالما أنشر الأدلة التي بحوزتي عن هذه الجرائم".
رد العراق
وزير الداخلية قاسم الأعرجي - ردًا على ذلك - شكَّل لجنةً للتحقيق في مدى صحة تقرير "دير شبيجل" وما تضمنه من معلومات تفيد بوجود حالات لانتهاك حقوق الإنسان في محافظة نينوى وعاصمتها الموصل من قبل قوات الرد السريع التابعة للوزارة.
الناطق الرسمي للوزارة العميد سعد معن قال: "في إطار سياسة الوضوح والشفافية وعدم إخفاء المعلومات وإظهارها كما هي للرأي العام دونما تزويق أو تحريف فقد أمر الوزير بتشكيل لجنة تحقيقية في مدى صحة التقرير الإخباري الذي أوردته المجلة".
وأضاف: "أوعز وزير الداخلية للقائمين بالتحقيق بالتحري الواضح والنزيه وعرض الحقائق أمام أنظاره حال اكتمالها لاتخاذ الإجراءات القانونية وفق قوانين وزارة الداخلية النافذة بحق المقصرين إن اثبت التحقيق ذلك".
سلسلة اتهامات
ربما تنضم تقرير صحفي "دير شبيجل" إلى سلسلة اتهامات تنال من قوات التحالف الدولي المولية لحكومة بغداد أو القوات العراقية نفسها بممارسة تمارس انتهاكات تحت ستار الحرب على تنظيم "الدولة".
أحد هذه الاتهامات يعود إلى نهاية مارس الماضي، حين ذكرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أنَّ التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، يرتكب انتهاكات صارخة للقانون الدولي في مدنية الموصل العراقية لعدم اتخاذه الاحتياطات الكافية لحماية المدنيين، مشيرةً إلى مقتل مئات المدنيين في الموصل بعدما أمرتهم السلطات العراقية بالتزام منازلهم رغم الغارات الجوية للتحالف.
وضربت منظمة العفو مثالًا عن العدد الكبير من الضحايا المدنيين في غارة حدثت يوم 17 مارس الماضي، وأودت بحياة ما لا يقل عن 150 مدنيًا في حي الجديدة بالموصل.
وفي "مارس"، اتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الداخلية العراقية باحتجاز 1269 شخصًا بينهم قصر، بشبهة الارتباط بتنظيم "الدولة"، في ظروف قاسية ودون توجيه اتهام لهم في معتقلات مؤقتة جنوب الموصل.
المنظمة قالت إنَّ "الداخلية" تحتجز مئات المعتقلين، بينهم صبية يبلغون 13 عامًا، دون توجيه اتهام ضدهم في ظروف قاسية جدًا، مع ضعف بالعناية الطبية في ثلاثة مراكز احتجاز مؤقتة جنوب الموصل، اثنان منها في القيارة والثالث في حمام العليل.
وأضافت – في تقريرٍ لها - أنَّ أربعة معتقلين على الأقل توفوا في ظروف تبدو أنها ناجمة عن نقص العناية الطبية وسوء ظروف الاحتجاز، في حين جرت عمليات بتر أطراف بسبب عدم وجود علاج لجروح بعض المحتجزين.
وأشارت إلى أنَّ المعتقلات تضم معتقلين أكثر من قدرتها الاستيعابية، ما يحول دون تمكن البعض من التمدد للنوم، كاشفةً أنَّ بعض المعتقلين في حمام العليل ناشدوا مراقبيها لدى تفقدهم المكان فتح الباب ليتمكنوا من التنفس.
وفي 23 يناير الماضي، أمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بفتح تحقيق في اتهامات لأفراد بالقوات العراقية والحشد الشعبي باختطاف مدنيين والاعتداء عليهم في مناطق محافظة نينوى أثناء خوضهم معركة تحرير الموصل من تنظيم "الدولة".
في يناير أيضًا، بث ناشطون على الإنترنت مقطع فيديو أظهر أفرادًا من القوات العراقية وهم يعتدون على رجال عزّل بشكل وصفته الأمم المتحدة بـ"الوحشي" في حي سومر جنوب شرقي الموصل قبل أن يقتلوهم بالرصاص، وهو ما ردَّ عليه العبادي بفتح تحقيق.
أيضًا في 16 نوفمبر الماضي، اتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" ن جنودا عراقيين وأفراد فصائل ومدنيين بالتمثيل بجثث سقطوا خلال تحرير الموصل" target="_blank">عملية تحرير الموصل.
وفي 2016 إجمالًا، وثَّقت منظمة العفو الدولية ما قالت إنَّها انتهاكات ترقى لجرائم حرب، مارستها القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لها ضد آلاف السنة الفارين من مناطق سيطرة تنظيم "الدولة".
المنظمة الدولية أفادت بإعدام 88 شخصًا بناءً على تهم تتصل بالإرهاب، وإعدام 16 شخصًا خارج نطاق القانون واختفاء 1300 شخص قسريًّا و643 مفقودًا.
وأشارت إلى أنَّ حالات تعذيب وانتهاكات ارتكبت في السجون العراقية، تمثلت في التعليق في أوضاع مؤملة لفترات طويلة والصعق بالصدمات الكهربائية والضرب بوحشية والتهديد باغتصاب الأقارب.
الانتهاكات وتمدُّد داعش
يربط محللون هذه الانتهاكات على الأرض بسهولة سيطرة تنظيم "الدولة" على أراضيه في العراق، لا سيَّما الموصل وباقي المناطق السنية، فالناس هناك كانوا يعتقدون أنَّهم لن ينجوا من هذه "الجرائم" إلا إذا توفرت لهم الحماية العسكرية التي أفرطت بتوفيرها لهم تنظيم "الدولة".
يتجلى هنا أيضًا تحدٍ مفاده أنَّه حتى وإن استعادت القوات العراقية بعض الأراضي فإنَّها تكون قد خسرت سكان هذه المناطق، باعتبار أنَّ هذه الفظائع يرونها تتعدى أي انتهاكات أخرى قد ترتكب بحقهم.
الانتهاكات الأخرى منها مثلًا اتهامٌ وجِّه في الخامس من يناير الماضي من منظمة العفو الدولية لـ"الحشد الشعبي"، ذكرت فيه أنَّ هذه الميليشيات ارتكبت أعمالًا ممنهجة تشمل الإخفاء القسري والتعذيب والقتل واستهداف السُّنّة.
ولطالما يرد رئيس الوزراء حيدر العبادي على أي انتهاك بفتح تحقيق عاجل، ويحث القادة الميدانيين على التأكُّد من عدم انتهاك حقوق الإنسان تحت ستار العمليات العسكرية، ومراعاة حقوق الإنسان وعدم المساس بها.
غير أنَّ العبادي لا يؤيد دائمًا نشر تسجيلات وصور على الإنترنت تظهر الانتهاكات بحق المدنيين في الموصل، وتفسيره في ذلك أنَّ هذا الأمر يستهدف إفساد فرحة النصر في الموصل على حساب تنظيم "الدولة"، و"تشويه الصورة الحقيقية للقوات المحررة البطلة وتضحياتها التي تحرر وتوفر الأمن للمواطنين وتقدم الخدمات لهم"، وفق مفرداته.
ربط محللون ما يجري من انتهاكات على الأرض في العراق بطبيعة الصراع هناك، باعتباره قائمًا في إحدى صوره خلال عشرات السنوات الماضية على النزعة الطائفية.
هنا وضع محللون عراقيون مثالًا بأنَّ القوات الشيعية إذا ما سيطرت على منطقةٍ ما فإنَّ انتهاكات قد ترتكب ضد السنة المدنيين، وحتى إن كانوا غير ذي قوة أو مصدر خطر على تلك القوات.
وتقول منظمات دولية وحقوقية إنَّ مليشيا "الحشد" الشيعي هناك ارتكبت انتهاكات ترقى إلى جرائم تطهير عرقي، بحق السنة في المدن التي تمَّت استعادة السيطرة عليها من تنظيم "الدولة".
الاتهامات ضد الحشد تتعلق - كما رصدت الأمم المتحدة - في السنوات الثلاث الماضية بالتعذيب والإخفاء القسري وقتل مدنيين وأسرى تحت التعذيب ونهب مدن وبلدات قبل حرق ونسف آلاف المنازل والمحال بها.
وحسبما تتحدث التقارير، لم تسلم مساجد السنة من التدمير والحرق على أيدي الحشد، إضافةً إلى تدمير قرى بالكامل، ومنع النازحين من العودة إلى مدنهم وقراهم بهدف تغيير التركيبة السكانية لتلك المدن.
انتهاكات.. كيف تتوقف؟
الكاتب العراقي محمد أرسلان علي أكَّد أنَّ الانتهاكات تتم ممارستها من قبل بعض القوات العراقية وليس كل الجيش العراقي، مشدِّدًا على أنَّها ليست أمورًا ممنهجة.
وقال - لـ"مصر العربية": "هذه الممارسات بعيدة عن المعايير والمواثيق الدولية، وهي تحسب على الجيش العراقي خاصةً أنَّ عملية الموصل وصلت إلى شهرها السابع، وهناك الكثير من العمليات التي يمارسها داعش وتنسب إلى الجيش العراقي".
وأضاف: "نحن في حالة حرب وبالتأكيد توجد خسائر في صفوف المدنيين، ولكن هذا يعني أن نعطي الشرعية لقتل المدنيين عن طريق الخطأ أو القصد من قبل بعض أفراد الجيش".
وتابع: "97% من الموصل تمَّ تحريرها ويتبقى القليل جدًا، وفي الأيام القليلة المقبلة سيتم تحرير المدينة بالكامل، وسيتم تشكيل لجان التحقيق لمحاسبة كل المتورطين في هذه الجرائم".
وأشار إلى أنَّ الحشد الشعبي ارتكب أيضًا أفعالًا منافية للمواثيق الدولية بحق المدنيين، غير أنَّه أكَّد أنَّ ممارسات الجيش العراقي أقل مما تفعله قوات الحشد الشعبي.
ونوَّه بأنَّ الصراع الطائفي الممتد في العراق منذ عشرات السنوات يغلب على الطابع الوطني، ما جعل الحشد الشعبي المشكَّل من الشيعة يقاتلون تنظيم "الدولة" وبالتالي يعطون الحق لأنفسهم في قتل المدنيين، لا سيَّما السنة بداعي هذه النزعة الطائفية.
مثل هذه الانتهاكات يرى أرسلان أنَّها تؤثر على سير العمليات على الأرض، وقال: "منذ بداية تحرير الموصل صرَّح المسؤولون العراقيون بأنَّ العملية تتم في الخطوة الأولى بمساعدة الأهالي في حد ذاتهم، من خلال الحصول على معلومات عن وجود الإرهابيين والسيارات المفخخة في الموصل".
الكاتب العراقي شدَّد على ضرورة الانضباط العسكري خلال عملية الموصل، متابعًا: "المشاركون في تحرير الموصل عدة قوات وليسوا قوة واحدة، فالشرطة تشارك والجيش كذلك وقوات مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع، بالإضافة إلى مساعدة التحالف الدولي".
أرسلان أشار إلى هنا إلى أنَّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اعترف في أكثر من مرة بأنَّه قصف المدنيين.
عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات يتوقف - كما يرى أرسلان - على توخي الحذر فضلًا عن المعلومات الاستخباراتية التي يتلقاها الجيش من المدنيين.