البرلمان الفرنسي يقر قانونًا لكبح جماح السترات الصفراء.. هكذا يُحجّم التظاهرات
أقرّ البرلمان الفرنسي بغالبية ساحقة - اليوم الثلاثاء - مشروع قانون لمعاقبة المسؤولين عن أعمال تخريب خاصة خلال التظاهرات، كما يمنح حكام المناطق صلاحية حظر التظاهر.
وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية، بأنّ 50 نائبًا من الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" امتنعوا عن التصويت تعبيرًا عن رفضهم لمنح القانون حكام المناطق صلاحية منع التظاهر كإجراء وقائي.
ويخشى كثيرٌ من النواب من أن يمهّد هذا القانون لإخضاع حكام المناطق الذين هم ممثلون للدولة في المستقبل "لنظام تحركه نيات سيئة"، وفق الوكالة.
في المقابل، صوّتت الغالبية الساحقة من حزب "الجمهورية إلى الأمام" وحليفه الوسطي "الحركة الديموقراطية" وحزب المعارضة اليميني "الجمهوريون" على مشروع القانون، في حين رفضته المعارضة اليسارية واليمين المتطرف.
ورفض محامون بارزون، بينهم مقربون من الرئيس إيمانويل ماكرون، ما اعتبرونه "قانون الخوف" الذي هو "رد من سلطة تعمل تحت الضغط"، فيما رأى النائب الأوروبي السابق دانييل كوهن بنديت: "هذا القانون لا يفيد بشيء، وهو أحمق بشكل مأساوي".
ورفض الحزب الاشتراكي ما اعتبره "قانونًا جائرًا"، فيما اعتبره الحزب الشيوعي "مناهضًا للسترات الصفراء" وفيه "توجه سلطوي" وذلك خلال لقاء لعدد من النقابات والجمعيات.
وردّ وزير الداخلية كريستوف كاستانير على ذلك بالقول: "هذا القانون ليس قانون الخوف، بل هو قانون منطقي في ظلّ وجود أشخاص عنيفين يمنعون التظاهر السلمي".
وعدا عن منحه حكام المناطق صلاحية منع التظاهر تحت طائلة السجن ستة أشهر ودفع غرامة بقيمة 7500 يورو، يسمح هذا القانون أيضًا بإجراء عمليات تفتيش للعثور على أسلحة بطلب من المدعي العام، وأيضًا إجبار المخربين على دفع ثمن ما يتسببون بتكسيره.
ومن المقرر أن يُرفع القانون من جديد إلى مجلس الشيوخ في 12 مارس المقبل لقراءة ثانية على أمل إقراره بشكل نهائي وسريع لأن تظاهرات "السترات الصفراء" لا تزال متواصلة.
يأتي ذلك فيما يتحضّر عشرات الآلاف إلى التظاهر في كافة أنحاء فرنسا بدعوة للمرة الأولى من اتحاد النقابات العمالية وبمشاركة "السترات الصفراء".
وكان مجلس الدولة الفرنسي (أعلى هيئة قضائية في البلاد)، قد رفض - الجمعة الماضية - مطالب بحظر استخدام الغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة في احتجاجات "السترات الصفراء".
وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ المجلس رفض طلبًا مقدمًا من "الكونفدرالية العامة للعمل" (نقابة عمالية)، والرابطة الفرنسية للدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل حظر استخدام الغاز المسيل للدموع في الاحتجاجات.
ولجأت الشرطة إلى هذا السلاح من أجل فض الاحتجاجات، وتسبّب ذلك في إصابات خطيرة بين صفوف المتظاهرين، ما أحدث جدلًا كبيرًا في الداخل الفرنسي، أقامت على إثره نقابة الاتحاد العام للعمل ورابطة حقوق الإنسان دعوى قضائية من أجل وقف استخدامه.
وتُصنّف الإدارة الفرنسية هذا السلاح ضمن خانة الأسلحة "شبه الفتاكة"، التي تهدف إلى التصدي لتهديد شخص من دون إلحاق الضرر بجسده، إلا أن المعارضين لاستخدامه يشددون على أنه قد يتسبب بآثار خطيرة قد تصل لحد الموت.
وفي الفترة الأخيرة، ساد تبادلٌ للاتهامات بين قادة "السترات الصفراء" والحكومة حول عدد ضحايا هذه القواذف، ففي حين أعلنت مجموعة "لننزع سلاحهم" الداعمة لحركة السترات الصفراء أنّ 17 شخصًا ممن تعرّضوا للإصابة فقدوا إحدى أعينهم منذ اندلاع الأزمة في نوفمبر الماضي، قال وزير الداخلية كريستوف كاستنير إنّ عدد الذين تعرضوا لإصابات خطيرة في العين لا يفوق أربعة أشخاص من أصل 101 وفق تحقيقات قامت بها مديرية الشرطة.
ولاحقًا، أعلن الوزير أنّ عناصر الشرطة الذين يستخدمون هذه الأسلحة سيكونوا مجهزين بكاميرات متنقلة.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، كان قد تفجَّر جدلٌ حول استخدام هذا السلاح في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكان استعماله آنذاك مقتصرًا على القوات الخاصة، وتم تشريع استخدامه تدريجيًّا، وعلى مدار الأزمات بات يُستخدم تحت غطاء حفظ الأمن في فرنسا.
والجدل القائم في فرنسا بشأن هذه القواذف مطروح أيضًا على مستوى أوروبا، فقد منعت معظم دول الشمال "بريطانيا، الدنمارك، السويد، فنلندا، النرويج" استخدامها مطلقًا، واقتصر استخدامها في بعض دول غرب القارة "مثل ألمانيا" في إقليمين من أصل 16، فيما أجازت فرنسا وبولندا واليونان وإسبانيا (باستثناء إقليم كاتالونيا) استعمالها في حالات محددة.