أزمة «تركيا - لبنان».. ما هي تداعيات «النبش في الماضي»؟

كتب:

فى: العرب والعالم

19:51 03 سبتمبر 2019

 

يبدو أن أزمة سيطول مداها في سماء العلاقات اللبنانية - التركية وذلك عقب تصريحات للرئيس اللبناني ميشال عون حملت انتقادات للحقبة العثمانية في لبنان واصفا ممارسات الإمبراطورية العثمانية بإرهاب دولة.

 

 لم تستمر تركيا طويلا للرد على حديث عون، حيث أصدرت وزارة خارجيتها بيانا حمل عبارات قاسية بحق الرئيس اللبناني ردا على ما حمله حديثه في الذكرى المئوية لتأسيس دولة لبنان.

 

وأدانت وزارة الخارجية التركية بشدة، تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون، حول الحقبة العثمانية في لبنان، وقالت الخارجية في هذا الصدد: "ندين بأشد العبارات ونرفض كليا التصريحات المبنية على الأحكام المسبقة، والتي لا أساس لها عن الحقبة العثمانية، واتهامه للإمبراطورية العثمانية بممارسة إرهاب الدولة في لبنان".

 

وأكدت الخارجية أن العبارات التي نشرها عون بعد أسبوع على زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى لبنان، "لا تتماشى مع العلاقات الودية بين البلدين، ومؤسفة للغاية وغير مسؤولة".

 

كما أكد البيان على أنه لايوجد "إرهاب دولة" في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، بل على العكس، كانت الحقبة العثمانية فترة استقرار طويلة في الشرق الأوسط.

 

وتابع، إن "تجاهل الرئيس عون لما جرى في فترة الاستعمار، التي هي أصل كل مصيبة في يومنا، من خلال تحريف التاريخ عبر الهذيان، ومحاولته تحميل مسؤولية تلك الأمور للإدارة العثمانية، إنما هو تجل مأساوي لشغفه بالخضوع للاستعمار".

 

وأردف البيان "إن هذه المقاربة اللامسؤولة، ليس لها أي وزن في التاريخ من منظور موضوعي، وفي ضمائر شعوب المنطقة، ولن يكون".

 

رد بيروت

 

بدورها ردت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان  اعربت خلاله عن استهجانها لـ"بيان الخارجية التركية" في معرض ردها على كلمة عون مؤكدة أن "كلمة رئيس الجمهورية تضمنت سردا لواقع بعض الأحداث التاريخية التي واجهها لبنان في ظل الحكم العثماني، وقد تخطاها الشعبان التركي واللبناني اللذان يتطلعان إلى أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية في المستقبل، حيث ما يجمع البلدين أكثر بكثير مما يفرقهما، والتحديات المشتركة كبيرة تستوجب العمل معا وليس التفرقة".

 

وشددت الخارجية اللبنانية في بيان على أن "التخاطب بهذا الأسلوب مع رئيس البلاد أمر مرفوض ومدان، وعلى الخارجية التركية تصحيح الخطأ، لأن العلاقات التركية اللبنانية أعمق وأكبر من ردة فعل مبالغ فيها وفي غير محلها. وستتابع الوزارة الإجراءات المطلوبة لتصحيح الخطأ بحسب الأصول الدبلوماسية ومنع الضرر بالعلاقات بين البلدين.

 

 

استدعاء

 

وبعد حرب البيانات بين بيروت وأنقرة، استدعت وزارة الخارجية اللبنانية اليوم الثلاثاء السفير التركي في بيروت "هاكان تشاكل" إلى الوزارة وذلك لاستيضاحه حول مضمون البيان الصادر عن الخارجية التركية.

 

وذكرت وكالة الإعلام اللبنانية أنه صدر بيانا عن وزارة الخارجية والمغتربين جاء فيه أنه "بناء لتعليمات وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، استدعى مدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير غادي الخوري في وزارة الخارجية والمغتربين، السفير التركي في لبنان هاكان تشاكل، على خلفية البيان الذي أصدرته الخارجية التركية رقم 258 بتاريخ 1/9/2019، والذي تضمن تعابير ولغة لا تتطابق مع الأصول الدبلوماسية والعلاقات الودية التاريخية بين الدولتين والشعبين اللبناني والتركي".

 

وأضاف البيان أن "السفير الخوري طلب استيضاحا حول هذا البيان وتصحيحا واضحا للخطأ من الجانب التركي، لتجنب سوء التفاهم حفاظا على العلاقات الثنائية المميزة بين البلدين ومنعا للإضرار بها".

 

تداعيات

 

بدوره علق الكاتب اللبناني عمر ابراهيم على الازمة قائلا: لم يكن ينقص الشعب اللبناني المنقسم على نفسه في ملفات سياسية وانمائية وامنية، لاسيما بعد تطورات الجنوب وما رافق ذلك من سجال بين مؤيد ومعارض للعملية العسكرية التي نفذها حزب الله.

 

ويضيف الكاتب في مقال له على موقع سفير المشمال": وجد لبنان نفسه أمام أزمة جديدة قد تؤدي الى توتر العلاقات مع تركيا على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية عن الحقبة العثمانية، وقد زاد من وتيرتها تبادل البيانات المنتقدة بين الخارجيتين اللبنانية والتركية ومعها بعض التصريحات السياسية والتعليقات الصحافية وغيرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ويوضح أن الأزمة من شأنها أن تؤدي الى تعميق الشرخ بين اللبنانيين والى نبش أحقاد الماضي والنفخ في ابواق الطائفية، وهو ما تترجمه الردود التي بدأت تغزو مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد لتصريح رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة الذكرى المئوية لقيام دولة لبنان الكبير، وبين معارض له، إضافة الى الردود المتبادلة بين الخارجيتين التركية واللبنانية وإستدعاء الأخيرة للسفير التركي اليوم لاستيضاح موقف بلاده، ما يشير الى بوادر أزمة دبلوماسية بين البلدين قد تتدحرج نحو الأسوأ إذا لم يصر الى إحتوائها بالسرعة اللازمة.

 

 

وتابع الكاتب في مقاله قائلا: لطالما تطلع اللبنانيون الى افضل العلاقات مع تركيا خصوصا ان للدولة التركية مساهمات في مجال الانماء في بعض المناطق، فضلا عن مكانتها على الساحة الدولية، لكن هذه العلاقة لم يكتب لها ان تتطور بشكلها الطبيعي، فبعد ان تم تجاوز ازمة حظر بعض المنتجات التركية سابقا، عادت اليوم ازمة جديدة يخشى من ان يكون لها تداعيات سلبية على العلاقة بين البلدين، اذا لم يتم معالجتها.

 

وييختتم: إن التطرق إلى هكذا أمور خلافية أو نبش الماضي لا يقدم ولا يؤخر ولا يعالج المشاكل والقضايا التي يعاني منها اللبنانيون على المستويات كافة، الامر الذي يطرح سلسلة تساؤلات عن سبب استحضار الماضي في هذا التوقيت؟، وماذا يمكن ان يجنيه لبنان من خطابات التحريض سوى مزيد من العزلة عن محيطه والانقسام بين مكوناته؟ وهل يحتاج لبنان الذي يعيش شعبه على التحريض الطائفي بدءا بملف النفايات وصولا الى التعيينات ان يتم استفزاز شريحة من اهله تؤيد تركيا على غرار شرائح اخرى تؤيد دولا اقليمية ودولية؟.

اعلان