الاتفاق الروسي التركي حول إدلب.. لماذا سينهار قريبا؟ (تحليل)
بات واضحا أمام الجميع أن ما تمخض عنه الاجتماع الحساس بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، في موسكو، قبل أيام، لمناقشة أزمة إدلب المشتعلة، قد خرج بنتائج متواضعة لا تتناسب مع الساعات الخمس التي قضاها الأتراك والروس سويا على طاولة المفاوضات.
ويبدو أن برودة العاصمة الروسية قد ألقت بظلالها على المناقشات، التي تمخضت عن نتائج أقل من التوقعات، وبمناسبة التوقعات، هناك شبه يقين لدى أطراف متعددة بأن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمخض عن المحادثات بين "بوتين" و "أردوغان" سيتم انتهاكه وتدميره، في وقت قريب.
وبصيغة أخرى، فإن الاتفاق الروسي التركي نفسه يجعل الأوضاع مرشحة لجولة جديدة من التصعيد، كما يرى الباحث في مركز "ناشيونال إنترست"، "ماكسيم سوتشوف".
تصريحات "بوتين"
نظرة على تصريحات "بوتين" خلال تصريحاته الافتتاحية، عندما جلس مع "أردوغان" في الكرملين، تعطي سببا وجيها للتحليل أعلاه.
قال الرئيس الروسي: "لقد تدهور الوضع في منطقة إدلب في سوريا لدرجة أننا بحاجة إلى إجراء مناقشة مباشرة وشخصية".
وأضاف: "بادئ ذي بدء، أود أن أعرب عن خالص تعازينا لوفاة أفراد من جيشكم في سوريا. إن الخسائر في الأرواح دائما ما تكون مأساة كبيرة. وللأسف، كما قلت لك عبر الهاتف، لم يكن أحد، بما في ذلك جيش (النظام) السوري، على علم بموقع قواتك. وفي الوقت نفسه، كانت هناك خسائر بين الجنود السوريين أيضا".
وكانت قوات النظام السوري قد أعلنت عن خسائر كبيرة، كما أشار "بوتين" لذلك كما لو كان يحاول إبعاد شبهة أن موسكو لا تهتم بحليفها وتتصرف بطريقة أنانية. وفي الأسبوع الماضي، تم قتل ما لا يقل عن 34 جنديا تركيا في غارة جوية، وردت تركيا بقتل عدد كبير من قوات النظام السوري.
وقال "بوتين" لـ "أردوغان": "نحتاج إلى مناقشة كل شيء، وتحليل التطورات الحالية، حتى لا يحدث هذا مرة أخرى، ولكي لا يضر هذا بالعلاقات التركية الروسية، التي أعرف أنك تقدرها أيضا"، مؤكدا على أهمية العلاقة الثنائية لكلا البلدين خارج إدلب.
وتشير نبرة "بوتين" ورسالته إلى أن موسكو مهتمة بعلاقتها مع تركيا، لكنه أيضا لم يكن مستعدا للتضحية بسوريا لاسترضاء طموحات تركيا.
وقبل المحادثات، قال السكرتير الصحفي للكرملين "ديمتري بيسكوف" إنه يتعين على "بوتين" و"أردوغان" تسوية عدد من القضايا الحاسمة التي لم يتفق عليها فريقهما.
وصرح "بيسكوف" للصحفيين، في 4 مارس الجاري، قائلا: "توجد خطط لمناقشة أزمة إدلب مع أردوغان. ونتوقع أن يتم التوصل إلى تفاهم بشأن تلك الأزمة وأسبابها وتداعياتها، ومجموعة التدابير المشتركة اللازمة لإنهائها".
مسؤولية تركيا
ويعني هذا التصريح أن روسيا تعتقد أن الأزمة اندلعت بسبب عدم قدرة تركيا على الوفاء بالتزاماتها بطرد جماعة "هيئة تحرير الشام" من منطقة خفض التصعيد.
ومع ذلك، تدرك موسكو أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية كان مؤلما لـ "أردوغان" سياسيا، وكان كارثيا بالنسبة لتركيا في إطار المجال الإنساني من حيث تدفق اللاجئين، لذلك عبرت روسيا عن استعدادها للمساعدة في وقف التصعيد والتفكير في طرق للتقدم.
ويعكس ذلك أيضا المبادئ الـ 3 التي تتبعها روسيا في التعامل مع نظير صعب مثل تركيا، وهي:
أولا: إظهار التعاطف مع القضايا الحساسة والمهمة للأمن التركي.
ثانيا: تحديد الخطوط الحمراء الخاصة بها بوضوح وترك ممر لفرص التعاون في المستقبل بشأن هذه القضايا.
ثالثا: الاستفادة من الأخطاء التي ارتكبتها الأطراف الأخرى التي يعد موقفها مهما بالنسبة لأنقرة، مثل الولايات المتحدة، واستخدم التباين لمصلحتها.
وفي النهاية، وافق "بوتين" و"أردوغان" على وقف جميع الأعمال العسكرية على طول خط التماس ابتداء من الساعة 12:01 من صباح 6 مارس، وإنشاء ممر آمن بطول 6 كيلومترات شمال وجنوب الطريق السريع (إم 4)، وإطلاق دوريات تركية روسية مشتركة على طول ذلك الطريق السريع، على بعد 2 كم إلى الغرب من سراقب وصولا إلى عين الحفار، وذلك ابتداء من ١٥ مارس.
ويناقش الجيشين الروسي والتركي سبل تحقيق الممر الآمن على طول الطريق السريع (إم 4) خلال 7 أيام.
مكاسب لدمشق
ويعلق "سوتشوف" هنا قائلا: "ربما كان أحد أبرز الأشياء التي لم يذكرها البروتوكول هو الطريق السريع (إم 5)، وقد يشير هذا إلى أنه يتعين على تركيا الاعتراف بالوضع الحالي. وإذا كان الأمر كذلك، فقد تكون هذه هي الخطوة الأساسية نحو سيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد على بقية البلاد، وتأمين المرور إلى الشمال".
ويضيف: "كانت منطقة حظر الطيران أيضا خارج الطاولة، ما يمكن اعتباره فوزا لدمشق".
وتعد مسألة مواقع المراقبة التركية جنوب (إم 4) مسألة مثيرة للاهتمام يجب متابعتها، ومن المحتمل أن تكون واحدة من أصعب الأمور بالنسبة للجيشين لتسويتها.
وتشكل قضية اللاجئين حالة عدم يقين كبيرة في هذه المرحلة، لكن يبدو أن "بوتين" يمتلك الآن بطاقات للعب بها في محادثاته مع الأوروبيين كمساهمة شخصية منه في وقف تدفق المهاجرين الجدد إلى أوروبا، كما يرى "سوتشوف".
ومع ذلك، يبدو الاتفاق الجديد كإجراء مؤقت.
ويتوقع محللون أن ينتهك طرف واحد على الأقل وقف إطلاق النار، وعلى الأرجح سيفعل الجميع، بمن فيهم الذين لم يوافقوا عليه.
ومن المحتمل أن يتم اقتحام أو التسلل إلى المنطقة الآمنة المتاخمة للطريق (إم 4) من قبل المعارضة المسلحة أو قوات النظام السوري.
وقد تواجه الدوريات الروسية التركية المشتركة تحديات أمنية مختلفة، فضلا أنها لن تبدأ قبل 12 يوما، ويمكن أن يحدث خلال تلك المدة أي شيء.
ومع ذلك، كان المقصود من الاتفاق الجديد التأكيد على وقف إطلاق النار في إطار الحفاظ على العلاقات التركية الروسية، وبهذا المعنى يمكن اعتباره نجاحا نسبيا للطرفين.
علاوة على ذلك، في ظل الظروف الحالية، كان من المستحيل التوصل إلى اتفاق دائم، لأن طموحات الأطراف مرتفعة للغاية، والخطاب العام عاطفي أيضا، وكان يجب القيام بشيء ما على الأرض دون تأجيج التصعيد.
ويختم "سوتشوف"، تحليله قائلا: "بهذا المعنى، ربما يكون هذا الإنجاز الأدنى هو الحد الأقصى الممكن الآن، ومع ذلك، فإن حقيقة الأمر هي أن لدى كل من موسكو وأنقرة مبررا جديدا يمكن الاعتماد عليه عند اندلاع الأزمة المقبلة".