إثيوبيا والسودان.. الوساطة تتعثر والحرب تقترب

كتب: عمر مصطفى

فى: العرب والعالم

11:33 15 فبراير 2021

تواصل التصعيد العسكري وحرب التصريحات بين إثيوبيا والسودان، على خلفية النزاع الحدودي بينهما، حيث نددت الخرطوم بـ"عدوان" إثيوبي جديد على أراضيها، فيما أشارت تقارير إلى أن الجيش السوداني تمكن في الأيام الماضية من استعادة المزيد من الأراضي التي كانت تستولي عليها مليشيات أمهرية مدعومة من الجيش الإثيوبي.

 

ويخشى مراقبون من انزلاق هذا التصعيد إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين الجيشين السوداني والإثيوبي، في وقت يترقب الاتحاد الإفريقي ما ستؤول إليه نتائج تلك التوترات، خاصة في ظل تعثر الوساطة التي تقودها جنوب السودان، بعدما اشترطت إثيوبيا انسحاب القوات السودانية من الأراضي التي استعادتها مؤخرا قبل بدء إلى مفاوضات أو وساطة، وهو ما رفضته الخرطوم بشدة.

 

الاشتباكات على الأرض بين الجانبين، تترافق مع لهجة تصعيدية، حيث رفض وزير الدفاع السوداني الفريق ركن ياسين إبراهيم ياسين حديث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن وجود نزاع حدودي، مشيرًا إلى أن المناطق الحدودية واضحة ونصت عليها الاتفاقيات الدولية.

 

في المقابل، تتحدث أديس أبابا عن طرف ثالث يقود الخرطوم إلى طريق الحرب، زاعمة وجود خلافات بين المكونين العسكري والمدني داخل مجلس السيادة السوداني، وهو ما سخرت منه الخرطوم، مشددة على أن تحركاتها تحظى بإجماع وطني ومؤسساتي.

عدوان إثيوبي

وحملّت وزارة الخارجية السودانية، أمس الأحد، السلطات الإثيوبية "المسؤولية كاملة" عما قامت به الأخيرة من "عدوان يتمثل بدخول قواتها إلى أراض تتبع الخرطوم في انتهاك مباشر للسيادة وسلامة الأراضي السودانية"، مطالبة أديس أبابا بالكف عن تعديها على الأراضي الحدودية.

 

وأعربت الخارجية السودانية، في بيان، عن إدانتها واستنكارها لـ"العدوان الذي قامت به إثيوبيا بدخول قواتها إلى أراضٍ تتبع له قانوناً، في انتهاك مباشر لسيادة السودان وسلامة أراضيه، ولقيم الجوار والتعامل الإيجابي بين الدول بما يعزز الاستقرار والأمن".

 

وأكد البيان، أن "اعتداء إثيوبيا على الأرض السودانية هو تصعيد يؤسف له ولا يمكن قبوله"، و"من شأنه أن تكون له انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة"، محملا إثيوبيا "المسؤولية كاملة عما سيجر إليه عدوانها من تبعات". ودعا البيان السوداني إثيوبيا إلى "الكف فوراً عن تعديها على أراضيه، وأن تعدل إلى الحوار وتحرص على إكمال إعادة تخطيط الحدود المتفق عليها ووضع العلامات الدالة عليها".

 

تحرير أراضي جديدة

وبدأ الجيش السوداني في نوفمبر الماضي عملية عسكرية في مناطق الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، بعد اعتداء ميليشيات إثيوبية على وحدة من قواته، وتمكنت القوات السودانية من استرداد 90% من الأراضي الزراعية التي كانت تحت سيطرة قوات ومليشيات إثيوبية مُنذ 26 عامًا.

 

وأشارت صحيفة "سودان تربيون" إلى أن الجيش السوداني تمكن خلال الأسبوع الماضي من استعادة 50 ألف فدان في منطقة الفشقة الكبرى بعد اشتباك عنيف مع قوات إثيوبية، حيث نجح في طرد قوات ومليشيات إثيوبيا من مستوطنة برخت المقامة داخل الأراضي السودانية بعمق 5 كلم من الحدود.

 

وأوضحت الصحيفة أن مستوطنة برخت تعد الهدف الأساسي للجيش السوداني كي يتمكن من إعلان تحرير الفشقة الكبرى، حيث تضم أكثر من 10 الاف من المدنيين الإثيوبيين والقوات والمليشيات، كما إنها واحدة من أكبر مراكز دعم وتشوين الجيش الاثيوبي.

 

ويُطالب السودان بتكثيف العلامات في حدود البلدين الشرقية، وهي حدود يقول إنها مرسمة من العام 1902، حيث يتطلب الأمر فقط إعادة وتكثيف العلامات، لكن إثيوبيا تتماطل في اتخاذ الخطوة.

استيطان إسرائيلي

وكان عضو مجلس السيادة السوداني، الفريق شمس الدين كباشي، قد شبه، الجمعة، تعديات الإثيوبيين على أراضي بلاده في الفشقة بالاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، مؤكدا أن ما ينقص إثيوبيا هو الشجاعة فقط لإعلان الحرب في ظل استمرار اعتداءاتها وحشد قواتها على الحدود.

 

وشدد الكباشي في مقابلة مع قناة "العربية"، على أن القوات السودانية لن تتراجع عن شبر من الأراضي التي استعادتها بمنطقة الفشقة من الجانب الإثيوبي. وأكد أن السودان استعاد نسبة كبيرة من أراضيه بلغت 90%، مشيرا إلى أنه تبقت فقط حوالي 3 نقاط، يأمل  السودان أن تحل بالتفاوض وألا يضطر لنزعها بالحرب.

 

وأضاف "هذه المناطق تظل في النهاية أراضي سودانية مغتصبة واجب القوات السودانية أن تستردها وتحمي الحدود والأرض والموطن". وكشف الكباشي أن النقطة المتبقية بالفشقة السودانية هي مستوطنة "قطران" وأشار إلى أنها مشيدة وتضم طرق ومصانع.

 

وتابع "نحن نأمل من الإخوة في إثيوبيا إخلاء هذه المنطقة بكل مصانعها فنحن لا نريد أن نستولى على أي شيء منهم وهي منطقة سودانية وإن ظلت تدعي إثيوبيا إنها تتبع لها".

 

وأعلن الكباشي أن السودان لا يرفض الوساطة مع إثيوبيا لكن بشرط وضع العلامات الحدودية المُرسمة سلفاً. وقال "قرارنا واضح والأمر يُدار من داخل مجلس الأمن والدفاع بكل مكوناته مجلس سيادة ومجلس وزراء وقرار مؤسسات الحكومة الانتقالية والسودان أن موقفنا يتمثل فقط في وضع العلامات".

 

وتابع: "لن نتفاهم في أي شيء آخر ما لم نتوافق على وضع العلامات ومن ثم بعد ذلك يمكن النظر في أي اتفاقيات عسكرية أو تتعلق بالزراعة أو أي تعاون ثنائي من أي شاكلة ولكن ليس قبل إعادة وضع العلامات".

 

تعثر الوساطة

يأتي ذلك فيما تعثرت الوساطة التي تقودها جنوب السودان، لتهدئة التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا، وذلك في ظل اشتراط الأخيرة لانسحاب القوات السودانية من الأراضي التي استعادتها مؤخرا، وهو الأمر الذي رفضته الخرطوم بشدة.

 

وكشف مستشار رئيس جنوب السودان للشؤون الأمنية ورئيس الوساطة بين السودان وإثيوبيا، توت قلواك، في تصريحات لقناة "الشرق" السعودية، أن "زيارته الأخيرة للخرطوم مبعوثاً من رئيس بلاده، أتت إثر قلق جوبا من الانتشار العسكري الكثيف على حدود البلدين، والتخوف من نشوب حرب".

 

وأوضح قلواك، أن "جنوب السودان ستتأثر بهذا الوضع باعتبارها جزءاً من دول الهيئة الحكومية للتنمية الإفريقية (إيغاد)، وجزءاً لا يتجزأ من السودان"، مضيفاً أن رئيس جنوب السودان، سلفا كير ميارديت "اتصل برئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وأعرب عن قلقه من نشوب حرب بين الدولتين".

 

وتترقب جوبا، زيارة للبرهان خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث سيلتقي خلالها الرئيس سيلفا كير، لمناقشة قضايا الحدود، فيما ستشهد جوبا، زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي، قبل الدعوة إلى قمة ثلاثية للوصول إلى اتفاق ورؤية سياسية واضحة، وفقاً لما ذكره توت قلواك.

 

تعنت إثيوبي

وترفض إثيوبيا الاعتراف بترسيم الحدود مع السودان، الذي تم في عام 1902، وتطالب بإعادة التفاوض بشأن الأراضي الحدودية، رغم أن اتفاقية 1902 هي التي منحت أديس أبابا إقليم بني شنقول، الذي تشيد فوق أراضيه سد النهضة، مقابل تعهدها بعدما تشييد أي سدود على النيل إلا بموافقة دولتي المصب، مصر والسودان.

 

ويتمدد نشاط المليشيات الأثيوبية داخل الأراضي السودانية منذ تسعينيات القرن الماضي حيث تعمد إلى الاستيلاء على آلاف الأفدنة الخصبة وزراعتها سيما في منطقتي الفشقة الكبرى والصغرى التي تقدر مساحتهما بستة آلاف كيلو متر.

 

وفي عام 2008 توصَّلت مفاوضات سرية بين البلدين إلى تسوية حينما اعترفت إثيوبيا بحق السودان الشرعي في الفشقة مقابل سماح الخرطوم للإثيوبيين بمواصلة العيش هناك. وقاد أباي تسيهايا المسؤول البارز بجبهة تحرير شعب تيجراي آنذاك الوفد الإثيوبي في مفاوضات 2008 مع السودان.

 

ولكن بعد عزل جبهة تحرير شعب تيجراي من السلطة عام 2018، أدانت قيادات عرقية أمهرة الاتفاق واصفين إياه بالمساومة السرية واشتكوا من عدم استشارتهم في هذا الأمر. وقام الجيش السوداني بطرد الإثيوبيين من الفشقة وإخلاء المنطقة في ديسمبر الماضي.

اعلان