الباحثة المصرية تحلل:
مغزى جهود إعمار مدرسة يهودية للأطفال فى بكين؟
محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- خبيرة في الشئون السياسية الصينية- مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية/ جامعة بني سويف- مدير مركز الدراسات الآسيوية
جاءت فكرة كتابة هذه المقال لدى الباحثة بعد متابعتها لحادثة فريدة من نوعها حدثت تحديداً فى شهر يوليو الماضى وكانت الباحثة شاهدة حية عليها وعلى وقائعها وأطرافها، حينما تلقت الباحثة المصرية عدة دعوات للمساهمة فى إعادة إعمار وتنظيف المدرسة اليهودية الوحيدة الموجودة فى بكين بعد وقوع خسائر جسيمة نتيجة لسقوط أمطار غزيرة سببت بعض الدمار فى هذه المدرسة اليهودية، والتى تسمى "مدرسة غانينو الدولية فى بكين" Ganeinu international school والواقعة فى 262 جراند هيلز Grand Hillsالكائنة فى "شارع جينغشون" Jingshun Lu فى منطقة "شاويانغ" Chaoyang والعنوان بالصينية 朝阳区京顺路大湖山庄262号
امتلأت الصحف والمواقع الصينية - والتى تحتفظ الباحثة المصرية بمطبوعات ونسخ منها- بمناشدات يهودية وإسرائيلية موجهة بالأساس للصينيين وللمهتمين بالتواجد يوم الأحد الموافق 7 أغسطس 2016 فى تمام الساعة العاشرة صباحاً، بعنوان "المدرسة اليهودية فى بكين فى حاجة لمتطوعين لاعادة إعمارها للأطفال اليهود قبيل بدء الدراسة"، موضحين أنه بسبب الأمطار الغزيرة التى ضربت بكين فى الأيام السابقة فإن ذلك سبب دماراً وأضراراً بالغة لفصول وللعب الأطفال اليهود، لذلك فنحن نناشد أصدقائنا الصينيين والمهتمين بالتواجد خلال اليوم المشار إليه للعمل معاً يداً بيد فى جهود تنظيف المدرسة اليهودية للتأكد من أن الأطفال اليهود الدارسين فى هذه المدرسة قادرين على العودة إلى المدرسة في الوقت المحدد لذلك.
ثم توالت الاعلانات اليهودية - المدفوعة الأجر - بشأن كيف يمكنك أن تشارك فى جهود إعمار المدرسة اليهودية؟ - والاجابة ببساطة بأن المدرسة تحتاج بعض جهود التنظيف والدهان وغيرها المدرسة، وتأمل فى تنظيف ما تبقى من اللوازم والكتب وبعض مواد المناهج الدراسية، ولعب الأطفال، كما أنها بحاجة إلى المساعدة لإزالة الأثاث التالف. كما أن الطابق السفلي فى حاجة لإعادة الطلاء، وإزالة الجدران المتضررة.
وفى ذات الاعلان اليهودى الاسرائيلي المدفوع الأجر - والموجه بالأساس للصينيين كما ذكرت - ذكر فيه أيضاً أنه "ولما كان هذا هو حال المدرسة اليهودية فى بكين... فاسمحوا لنا أن نرحب ترحيباً حاراً إلى كل من هو على استعداد للعطاء فى جهود إعادة إعمار المدرسة اليهودية بأي طريقة ممكنة، والتى تشمل أيضاً جهود المساعدة في جمع الأموال من أجل الإصلاحات، وعمل أطباق وسندوتشات الفلافل والقهوة والشاي والتى ستكون جميعها نظير أجر وتقدم للمتطوعين، في حين أن أطفال الآباء والأمهات المتطوعين ستكون هى أيضاً موضع ترحيب للمجيء مع ذويهم المشاركين فى إعمار المدرسة اليهودية للعب فى فناء المدرسة اليهودية حتى إنتهاء ذويهم من عملهم التطوعى فى المدرسة. كما وجه نفس الاعلان الشكر الخاص لجميع المتطوعين الذين لديهم الرغبة بالفعل في تقديم وقتهم للمساعدة، والدعم المالي بأي مبلغ.
وناشد نفس الاعلان شركات الخدمات الصينية وطلاب المدارس العليا أو طلاب الجامعات الصينيين الذين يرغبون فى قضاء عدة ساعات من العمل التطوعي لخدمة المجتمع، أو الأفراد العاديين المهتمين في المساعدة في يوم تنظيف المدرسة اليهودية بأن يتم تشجيعهم على الاتصال بالشخص اليهودى الاسرائيلي المسئول عن استقبال المتطوعين الصينيين وغيرهم وهو "دينى فرويند" Dini Freundlich، مع الاشارة لجميع وسائل الاتصال بهذا الشخص الاسرائيلي بما فيها تطبيق "الوى شات" wechat وهو برنامج التواصل الاجتماعى الأكثر انتشاراً فى الصين. ديني لمزيد من التفاصيل.
ولم تتوقف تلك الاعلانات اليهودية والاسرائيلية فى الأيام التالية لهذا الاعلان - التى تابعتها الباحثة المصرية باهتمام شديد ودقيق للغاية - بأن زادت عليه إعلانات أخرى تحمل معنى الدعاية "بدأ العد التنازلى"، "فى انتظاركم... لا تنسون موعدنا يوم الأحد 7 أغسطس لاعمار وتنظيف مدرسة الأطفال اليهودية".
ولعل أكثر ما استوقف الباحثة المصرية هو ذلك الاهتمام الاسرائيلي المبالغ فيه من قبل رجال أعمال إسرائيليين بارزين - تعرفهم الباحثة عن قرب – أعضاء فى مجلس الأعمال الصينى - الاسرائيلي وغرفة التجارة الاسرائيلية مقيمين إقامة دائمة فى بكين وبعضهم متزوج بالفعل من صينيات ولديهم أولاد مختلطين صينيين إسرائيليين يهود، بشأن اهتمامهم جميعاً بنشر وإعادة تدوير وإرسال الايميلات ورسائل التواصل الاجتماعى عبر برنامج تطبيق "الوى شات" wechat لضمان وصول مضمون الرسالة التى مفادها بان إسرائيل واليهود فى حاجة لجهودكم لتنظيف المدرسة اليهودية.
كان من ضمن من قادوا هذه الحملة - الغريبة والغير مفهومة لاعمار المدرسة اليهودية - رجل أعمال إسرائيلي بارز - تعرفه الباحثة المصرية معرفة شخصية عن قرب- ومقيم إقامة دائمة فى بكين وخدم سابقاً فى جيش الدفاع الاسرائيلي وكان ممن شاركوا ضد مصر فى حرب أكتوبر 1973 وهو أيضاً رجل أعمال وعضو فى مجلس الأعمال الصيني - الاسرائيلي وغرفة التجارة الاسرائيلية ومتزوج من صينية ولديه منها ابن صغير فى الثامنة تقريباً من عمره يعتنق الديانة اليهودية مثل والده، وابنه بالمناسبة يدرس فى نفس هذه المدرسة اليهودية التى تحتاج لجهود تنظيف وإعمار فى بكين.
كان هذا رجل الأعمال الاسرائيلي المشار إليه هو من قاد تلك الحملة بكثافة قبل يوم الأحد 7 أغسطس الماضي، وكانت الباحثة المصرية تتابع بدقة جميع كتاباته خلال تلك الفترة وهو يناشد ويطالب الجميع بالوقوف مع الأطفال اليهود، ويكتب إعلاناً آخر لحث وتشجيع الجميع على الذهاب للمدرسة اليهودية يوم الأحد 7 أغسطس بأنه وزوجته الصينية سيكونا هناك لاستقبال المتطوعين بأنفسهم منذ الصباح الباكر.
ربما مرت هذه الاعلانات مرور الكرام من تحت نظر البعض - دون أدنى اهتمام وتحليل - إلا أن هذا الاصرار الاسرائيلي - الذى تابعته الباحثة المصرية بدقة متناهية – جعلها تعيد حساباتها وتدقق وتتابع كل المواقع التى نشرت هذا الاعلان بشأن المدرسة اليهودية، بل وتراقب كل الاسرائيليين واليهود المقيمين خصوصاً فى بكين بشأن نشر وإعادة نشر ومناشدة وحث وتشجيع الصينيين على الذهاب للمدرسة اليهودية يوم الأحد 7 أغسطس، وهو التاريخ الذي حفظته الباحثة المصرية ورددته عن ظهر قلب.
والباحثة المصرية عكفت على تحليل هذه الواقعة بكافة نواحيها وأطرافها من عدة نواح وجهات، كالآتي:
اليهود باعتبارهم أقلية فى أى مكان وزمان وفى الصين بالطبع، فإنهم يفكرون مثل أى أقلية أخرى تنشد الاحتماء فى ظل عباءة الأغلبية وهم بالطبع الصينيون حتى يحسوا بمعاناة وآلام اليهود وأطفالهم.
والباحثة المصرية - باعتبارها من دارسي الملف اليهودى الاسرائيلي فى الصين وباعتبارها وجهاً مألوفاً ومعروفاً وربما أيضاً غير مرغوب فيه لدى بعض دوائر العلاقات الصينية الاسرائيلية فى بكين - نظرت لهذه الواقعة بعين متفحصة بشأن: وهل كان اليهود بالفعل فى حاجة لمساعدة متطوعين صينيين للمساهمة فى تنظيف المدرسة اليهودية المتضررة من الأمطار فى بكين؟ لأنه بنظرة واقعية فإن عدد اليهود فى بكين يتعدى بضعة آلاف ما بين مقيم إقامة دائمة أو زائر للعمل أو السياحة وخلافه... وهذا العدد بالطبع كاف تماماً للمساهمة فى العمل التطوعى لخدمة المدرسة اليهودية... فما سر هذه الاصرار الاسرائيلي وراء إعادة وزيادة المناشدة للصينين للتواجد يوم 7 أغسطس فى المدرسة اليهودية فى بكين.
بل وأنا أيضاً أتساءل سؤالاً يحمل مغزى بشأن: وهل صغر حجم المدرسة اليهودية المخصصة للأطفال فقط في بكين يستدعى مناشدة هذا الكم الهائل من الصينيين عبر الصحف ووسائل الاعلام بالتواجد فى المدرسة فى الموعد المحدد؟
بل وهل عجز اليهود المتواجدين فى بكين عن الاستعانة بشركة نظافة صينية متخصصة مثلاً لتنظيف وتأهيل المدرسة للدراسة فى موعدها المحدد بدلاً من هذه الاعلانات الاسرائيلية الغير مفهومة لعدة أيام.
سألت الباحثة المصرية نفسها سؤالاً مباشراً: وهل يتعلق الأمر بمسألة تجنيد وخلافه؟ بمعنى أكثر دقة ومفهومية هل يتعلق الأمر بالحصول على جميع بيانات الصينيين المتطوعين فى جهود إعمار المدرسة اليهودية المهتمين بمساعدة اليهود فى مصابهم الأليم؟ مع العلم، أننى أشرت خلال السطور السابقة بأن الاعلان تضمن أرقام تليفونات وأرقام إسرائيلية لتسهيل تواصل الصينيين الراغبين فى التطوع مع الجانب الاسرائيلي لتسجيل بياناتهم كاملة من أجل جهود إعمار وتنظيف المدرسة اليهودية.
بل ومضت الباحثة المصرية - بعين المحلل الخبير بالشأن الاسرائيلي وبمسائل التجنيد الصهيونية وخلافه - بطرح سؤال مباشر ألا وهو: وهل سيتوقف الأمر والمتابعة الاسرائيلية لهؤلاء المتطوعين الصينيين على مسألة جهود إعمار مدرسة يهودية صغيرة للغاية أم أن الأمر سيتعداه إلى مرحلة وربما مراحل لاحقة فيما يعرف بجهود العمل المخابراتي "عملية الفرز" أى عملية فرز الصينيين لمعرفة من يصلح منهم للتقارب مع الجانب الاسرائيلي فى المستقبل؟ خاصة أن الاعلان قد ناشد - وتضمن فعلاً - الفئات التى يرغب الجانب الاسرائيلي مشاركتها فى جهود إعمار المدرسة ومنهم طلبة المدارس العليا والجامعات الصينية... فهل لذلك دلالة معينة عند الجانب الاسرائيلي؟
وما لم يفت الباحثة بالطبع هو: هل هذه طريقة وعملية تجنيد جديدة يقودها الجانب الاسرائيلي فى المجتمع الصيني؟ أم أن الأمر لا يتعدى فقط "جهود إعادة إعمار مدرسة يهودية تضررت من سقوط أمطار عزيرة فى بكين عليها؟". وأنا أطرح هذا السؤال تحديداً لكل من يقرأ هذا المقال كى يشاركنى الرأى والتحليل.
والمعلومة العامة التى تود الباحثة المصرية إضافتها فى هذا الشأن هو أن يوجد ثلاث مدارس يهودية للأطفال فى الصين - وفق البيانات والاحصائيات المعلومة عند الباحثة- وهى كالآتي:
"مدرسة غانينو الدولية اليهودية فى بكين" Ganeinu international school وهى التى أشارت إليها الباحثة فى هذه المقال، والتى تقع مباشرة تحت إشراف " بيت الشاباد اليهودى فى بكين" Chabad Lubavitch of Beijing وهو المعنى بجميع المسائل اليهودية لليهود مكون من دورين ملحقاً به مكاناً للصلاة مقسماً لجزئين واحدة لصلوات النساء والآخر لصلوات الرجال فى الدور الثانى منه، بينما الدور الأول من بيت الشاباد اليهودي فهو عبارة عن "مطعم كوشير يهودي" لاعداد الوجبات الحلال لليهود، مع وجود متحف يؤرخ لتاريخ اليهود فى الصين داخل بيت الشاباد اليهودى فى بكين ... ولقد زارت الباحثة المصرية بالفعل بيت الشاباد اليهودى والتقطت عدة صور بداخله خلال زياراتها وإقامتها ودراستها السابقة فى بكين للاطلاع على أحوال وتاريخ اليهود هناك وهى النقطة البحثية الدقيقة التى تخصصت فيها الباحثة المصرية.
"مدرسة كارميل اليهودية فى هونغ كونغ" Carmel School of Hong Kong
"مدرسة مجموعة تودر اليهودية فى شنغهاى" Todder's Group of Shanghai والتى تقدم تجربة تعليمية للأطفال اليهود فى شنغهاى وتجتمع بهم ثلاث مرات أسبوعياً لخدمة المجتمع اليهودى الكبير فى شنغهاى Shanghai Jewish community ويشرف عليها "بيت الشاباد اليهودى فى شنغهاى" Chabad of Shanghai وهو كما ذكرت سابقاً بيت دينى مخصص للصلوات والأنشطة والأطعمة اليهودية وبكافة المسائل المتعلقة باليهود.
ومن خلال العرض السابق للباحثة المصرية، يلاحظ حجم الأنشطة والتواجد الاسرائيلي فى الصين، خاصة مع بدء ظاهرة جديدة ألا وهى "زيادة ساعات التعليم الدينى اليهودى الصارم للأطفال اليهود المقيمين مع ذويهم فى الصين"، منعاً لاختلاط وضياع الهوية اليهودية من هؤلاء الأطفال. ولعل موضوع المدرسة اليهودية وجهود إعادة إعمارها التى أشارت إليها الباحثة باستفاضة خلال المقال هى حلقة من حلقات استمرار "التغلغل" و "الاختراق" الصهيونى داخل المجتمع الصيني، وموضوع المدرسة اليهودية ليس ببعيداً عنها.. فهل توافقوننى الرأى هذه المرة؟