حلب.. السقوط قبل الأخير

كتب: إضاءات

فى: تقارير

11:17 01 ديسمبر 2016

وحده السكون إذن يريد بشار الأسد أن يحكمه وأن يمشي بخُيلائه في حضرته، بعدما أثبت للعالم كله كيف أنه يمكنك أن تقتل ما شاء الله لك، وسوّلت لك نفسك أن تقتل، وتجد من يتغنى بذكرك ويصفق لك.  ست مائة وثلاثة وأربعون «643» قتيلاً، أغلبهم من الأطفال والنساء، سقطوا حصيلة الأيام القليلة الماضية من جراء القصف الجوي والمدفعي للجيش السوري النظامي، ولا تزال النار مفتوحة على ما ينوف عن ربع مليون مواطن سوري!

 

حلب الجريحة، لا تدفني موتاكِ، خليهم كأعمدة الضياء، خلّي دمي المسفوك لافتة الطغاة إلى المساء، خليه ندًّا للجبال الخُضر في صدر الفضاء، لا تسألي الشعراء أن يرثوا زغاليل الخميلة، شرف الطفولة أنها خطرٌ على أمن القبيلة، إني أباركهم بمجدٍ يرضع الدم والرذيلة، وأهنئ الجلاد منتصرًا على عين كحيلة، كي يستعير كساءه الشتوي من شعر الجديلة، مرحى لفاتح قريةٍ، مرحى لسفّاح الطفولة!

 

اقرأ أيضًا: الشهباء حلب: من هنا مرّت خيولنا

 

الأسد في سباق مع الزمن

مع توالي القصف على أحياء حلب الشرقية، يستمر نزيف الدم السوري، وكانت تقارير إخبارية، أوردتها جريدة القدس العربي، تفيد باستهداف قوات النظام لمدنيين كانوا في طريقهم للهرب من أحيائهم التي خضعت لقصف النظام العنيف منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، والذي أسفر عن مقتل ما يزيد عن 600 قتيل، أغلبهم من الأطفال والنساء.

 

النظام يعجل بوتيرة الحرب لاقتناص المدينة قبل العشرين من يناير/كانون الثاني القادم، موعد اعتلاء الرئيس الأمريكي الجديد سدة الحكم، وكانت رويترز قد نقلت عن مسئول كبير في التحالف العسكري لمحاربة «داعش» قوله بأن مخططًا زمنيًا اعتمدته روسيا يقضي بانتزاع التحالف الداعم لنظام بشار الأسد أحياء حلب الشرقية من يد المعارضة المسلحة قبل هذا الموعد مخافة أي تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وكانت فصائل المعارضة قد أخضعت هذه المناطق لسيطرتها منذ عام 2012م.

 

خريطة توزيع السيطرة في حلب – 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

 

ميدانيًا، تعتبر العمليات الجارية أعنف المعارك التي شهدتها حلب، وفيها انتزعت القوات الحكومية ما يقارب ثلث الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، تحت غطاء كثيف من القصف المدفعي والجوي، وشملت أحياء:

 

مساكن هنانو، (26 نوفمبر/تشرين الثاني): أكبر أحياء حلب الشرقية، ويحظى الحي بأهمية رمزية؛ باعتباره أول حي سيطرت عليه الفصائل المعارضة صيف 2012، حين انقسمت مدينة حلب بين أحياء شرقية تحت سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة وغربية تحت سيطرة الجيش النظامي. وللحي أهمية ميدانية؛ إذ يمكّن الجيش السوري من فصل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة؛ ما يسهّل الاستيلاء عليها، وإخضاعها لسيطرة النظام، وهو ما أكده نبيل عبدالرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان.

جبل بدرو، (27 نوفمبر/تشرين الثاني): الحي الكائن جنوب مساكن هنانو، وتكبدّت فيه قوات المعارضة خسائر كبيرة قبل انسحابها.

 

الصاخور، (28 نوفمبر/تشرين الثاني): بالسيطرة على حي الصاخور فإن كامل القسم الشمالي الشرقي لحلب بات خارج سيطرة المعارضة المسلحة، وهو يعادل نحو 40% من الأحياء الشرقية (المحاصرة) التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

 

الحيدرية، (30 نوفمبر/تشرين الثاني): ودخل الحي حيز العمليات بالتزامن مع حي الصاخور، وتمت السيطرة الكاملة على أراضيه صباح الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني.

 

وبهذا بات الجزء الشمالي لحلب الشرقية خاضعًا لسيطرة الجيش السوري النظامي، وقوات سوريا الديموقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الفقري، إذ سعت الأخيرة -بالتزامن مع عمليات الجيش السوري- لتوسيع نطاق سيطرتها شمال شرقي المدينة.

 

وكانت قوات سوريا الديموقراطية «قسد»، تسيطر في السابق على حي «الشيخ مقصود» شمالي حلب، ثم انطلقت مؤخرًا لاقتناص المزيد من النقاط الجغرافية من قبضة المعارضة السورية مستفيدةً من المعارك الوحشية الضارية شرقي المدينة، واستولت في طريقها على أحياء؛ «عين التل، بعيديين، هلّك الفوقاني والتحتاني».

 

دماء على «أستار» حلب

 

الأوضاع الإنسانية تشهد تدهورًا كبيرًا، ولا تنذر الصور الآتية من داخل أحياء حلب الشرقية بأي خير. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن نحو 10 آلاف نازح خرجوا من أحيائهم في ظل القصف إلى مناطق الجوار، بعضهم (6 آلاف) ذهب إلى حي «الشيخ مقصود» حيث سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (الكردية) وبعضهم (4 آلاف) دخل أحياءً يسيطر عليها النظام، وكانت وسائل الإعلام الحكومية قد بثّت صورًا لمدنيين يدخلون إلى مناطق سيطرة النظام في حافلات كبيرة.

 

ستيفن أوبراين، رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، أبدى الكثير من القلق والخوف إزاء الوضع شرقي حلب، مخبرًا بأنه لا يوجد أي مستشفى داخل الخدمة في هذه المناطق، ومخزون الغذاء قارب على النفاد، من جراء الحصار المفروض على المناطق منذ يوليو/تموز الماضي.

 

ويقدر المرصد سكان المنطقة الشرقية لحلب، بحوالي 250-275 ألف، وتنتظر باقي هذه المنطقة كارثة إنسانية، إذ لا تزال المناطق التي لم تخضع لسيطرة النظام تحتفظ بالكثافة السكانية الأكبر.

 

أما بخصوص ردود الفعل الدولية، فلم تكن على مستوى الحدث، واعتبرت في أغلبها المدنيين ضحايا لعمليات عنف متبادل بين المتحاربين دون تمييز، ويمكن إجمالها في مطالبة وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آيرلت، باجتماع عاجل لمجلس الأمن لبحث مصير 275 ألف سوري تحت القصف، ووصف الأمر بـ«الكارثة الإنسانية»، كما وجهت الأمم المتحدة الإثنين الماضي نداءً للأطراف المتحاربة لوقف العمليات العسكرية، وفي تصريح للمتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، حضّ خلاله جميع الأطراف المتحاربة على وقف القصف العشوائي، لحماية المدنيين والحفاظ على البُنى التحتية والسماح بالمساعدات الإنسانية العاجلة بموجب القانون الدولي. ومن جانبه حمل جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، روسيا المسئولية عما يرتكبه نظام الأسد من جرائم بحق المدنيين، مؤكدًا أن روسيا لديها التأثير الأكبر على النظام السوري.

 

صحيح أن الحديث عن حاضر حلب يغني بالحديث عن مستقبلها، إلا أنه لابد من الإشارة إلى المآلات التي يمكن للجماعات المعارضة أن تصير إليها. فبينما حذر معهد دراسات الحرب، من تحول المعارضة المعتدلة للتحالف مع السلفية الجهادية، في محاولة للاستقواء وتحسين الأوضاع العسكرية على الأرض، يبدو الخيار الآخر والأكثر احتمالًا، الانسحاب التام من حلب للشمال السوري حيث قوات درع الفرات المدعومة من تركيا.

 

النص الأصلي اضغط هنـــــــــــــــــــا

 

اعلان