خاطرة الجزء العاشر
قالوا عن رسول الله: "هو أذن".. فما معناها
قال تعالى واصفا السلوك المشين لبعض المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن".
فبين تعالى أن في المنافقين من كان يبسط لسانه في أذية النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول إن عاتبني محمد حلفت له بأني ما قلت هذا فيقبله، فإنه أذن سامعة.
وأهل اللغة يقولون: يقال رجل أذن إذا كان يسمع مقال كل أحد.. وعن ابن عباس: "هو أذن" أي مستمع وقابل.
وهذه الآية نزلت في عتاب بن قشير حين قال: إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له.. وقيل بل في رجل اسمه نبتل بن الحارث.
ثم يرد الله تعالى على المنافقين فيقول: "قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم".
أي هو أذن خير لا أذن شر، أي يسمع الخير ولا يسمع الشر، وهو أذن خير ورحمة يستمع ما يحب استماعه.. وأنه عليه السلام يسمع للجميع لكنه يؤمن للمؤمنين فقط فلا يصدق غيرهم، ولا تتأثر نفسه بكلام المنافقين.
ولو كان هؤلاء يفقهون قليلا لعلموا ذلك من تلقاء أنفسهم، فمثلا حين تخلف ناس في غزوة تبوك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وراحوا يقدمون إليه الأعذار الكاذبة وهو يقبل منهم.
حتى جاء كعب بن مالك فقال الصدق ولم يعتذر بعذر، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله في أمرك"، وفي هذا دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يميز الكاذب من الصادق لكنه يتعامل بحكمة وحسن سياسة.
تماما كما لم يقتل النبي عبد الله بن أبي ابن سلول معللا ذلك بقوله "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
فائدة1:
ما العيب في أن يوصف الرجل بأنه أذن؟
هذا يساوي قولنا في العصر الحالي "فلان وِدَنِي".. والمعنى أنه لا شخصية راسخة له، بل هو شخص ضعيف مهزوز يتأثر بكل كلمة ويتردد مع كل قائل، كما نقول "كلمة توديه وكلمة تجيبه".
أو المعنى أنه رجل سفيه لا يحسن أن يميز الكلام الجيد من الرديء ولا الكذب من الصدق ولا النافع من الضار، فيستطيع أي أحد أن يقنعه بما شاء دون عناء.
ولا شك أن هذا وصف ذميم لا يرضاه لنفسه عاقل، لذلك جاء الدفاع من المولى سبحانه عن رسوله عليه السلام فبين أنه عليه السلام يسمع الخير لا الشر وأنه يميز حسن الكلام من قبيحه وصادقه من كاذبه، لكنه صلى الله عليه وسلم لا يستخفه أحد بحماقته.
فائدة2:
هل يتأثر الإنسان بما يسمعه في العادة؟
نعم بالتأكيد، فالأذن أداة من أدوات تكوين الشخصية، والعاقل هو من يتحكم فيما يسمعه لأن ذلك سينعكس على سلوكه حتما، لأن المسموع سيساهم في خلق قناعات ومبادئ في أعماق النفس الإنسانية.
ولتتحقق من هذا المعنى تأمل أمر الله تعالى عباده المؤمنين "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"، وتأمل نهي زعماء الكافرين لجماهيرهم "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون".
بل إن تأثير الأذن يتعدى خلق القناعات وتكوين الشخصية، إلى التأثير النفسي على الجهاز العصبي.
فانظر مثلا حال إنسان يستمع إلى كلام جنسي.. بالتأكيد سيثار.
وانظر حال إنسان يتناول الطعام ثم استمع إلى كلام مقزز عن الفضلات والنجاسات.. بالتأكيد سيترك طعامه.
بل إن بعض الناس يمرض عند سماع شيء ما، وبعضا آخر يشفى عند سماع شيء آخر، وهكذا.
والخلاصة من هذا أنه ينبغي على المسلم أن يتحرى ما يَسمعه أو يُسمعه أهله وأولاده؛ لأن ذلك حتما سيؤثر في شخصياتهم.