في ذكرى عين جالوت.. رمضان والأمل
في مثل هذا اليوم الـ 25 من رمضان سنة 656 هـ أظلت سماء الإسلام سحابة ملؤها الخير والفضل العظيم فقد كتب الله للمسلمين نصرا في عهدٍ عمّ فيه الظلام ربوعَ الدنيا، وعلت رايات أهل الضلال من التتار والصليبيين فوق مآذن أمة الإسلام، وأوشكت بغرورها وصلفها أن تنادي في العالمين: لمن الملك اليوم! فقد انتشر التتار في العالم الإسلامي كالجراد الذي لا يترك أخضر ولا يابسًا إلا التهمه التهاما يدخل بعده عالم الفناء.... إنه انتصار المسلمين في عين جالوت..
لم يترك التتار بلدة إسلامية دخلوها إلا وقد فرضوا سيطرتهم عليها ، وشدوا عليها عنانهم، فقد سحقوا كل الإمارات الإسلامية من الصين في أقصى الشرق مرورًا بوسط آسيا وإيران والعراق والشام.. ولم يتبق لهم إلا بلد واحد قال عنها نبي الله يوسف عليه السلام: {خَزَائِنِ الْأَرْضِ}.. ووصفها خبير بها وأمير من أمرائها؛ عمرو بن العاص رضي الله عنها قائلا: «ولايتها تعدل الخلافة»... واغترّ طاغية بحكمها وظن أن ملكها شهادة له بالألوهية حيث قال الله حكاية عنه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }...
إنها مصر... المرفوع ذكرها عند الله، المحفوظ اسمها بحفظ كتاب الله ، أرض اصطفاها الله للتجلي عليها ، أرض يشقها نهر من أنهار الجنة... مطمع الغزاة، وفتنة الولاة...
همّ التتار أن يكملوا صرحهم العتيد بأكبر لَبِنَةٍ تزين بناءهم، وترفع رؤوسهم ، وترضي غرورهم ، فأرسلوا رسلهم إليها طامعين أن تفتح لهم بغير سلاح، وأن تَخْفِض لهم الجناح، وأن يقنع أهلها بإمرة كتبغا ناسين أنها مقبرة من قد بغا... فجاءهم رد بليغ بلاغة الدماء في ساحة المعارك، فعُلِقت رؤوس الرسل على المشانق...
تولى إمرة المسلمين علم من أعلامهم ، وسيف من سيوفهم إنه سيف الدين قطز، تسلح بالإخلاص ، واستعان بعد الله بأهل العلم، وقلوب المجاهدين ، وأتى للنصر بأسبابه ، وطرق كل نوافذه وأبوابه... لم يفتنه بريق الملك، ولا زخارف السلطان ، ولم يكتف بالشعارات، وشهيق الحناجر وزفيرها...
أعمل المسلمون في التتار سيوفهم ورماحهم، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}... وكتب الله لأوليائه النصر بعد سيل من الهزائم، والأملَ بعد أزمان من القنوط واليأس، والعزةَ بعد طول مذلة، والتمكين بعد زمن من الاستضعاف، والفَرَج بعد أعوام من الكرب، والفرح بعد سنوات من الحزن... ليزدادوا- ومَن اطلع على تاريخهم- يقينا بوعد ربهم: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}....