ترامب وحال العرب "نمشي جنب الحيط ونقول يا رب الستر"
كثيرة هي المتغيرات التي تطرأ على المنطقة الشرق أوسطية من تغيير لما هو مألوف منذ عقود في الإطاحة بالأصنام والتابوهات المقدسة والمصطلحات وإلى ما غير ذلك، والأهم هو تغيير ما سيطرأ على الحدود السياسية للمنطقة وعلى مرأى الكل وكافة الشعوب التي لا حول لها ولا قوة، ونقصد بالكل بالنظم والرؤساء المتربعين على سدة الحكم منذ عقود ولا يستطيعون عمل أي شيء سوى انتظار دورهم في الأفول، على الأقل هذا ما رأيناه، بالرغم مما يصرحون به هنا وهناك وأنهم يتعرضون لمؤامرات غربية وكونية وأنهم يمثلون الشرعية، ولكن في النهاية ستقول الشعوب كلمتها الأخيرة كما قالتها فأس سيدنا ابراهيم حينما حطم الأصنام والمعبودات والآلهة التي نصبت نفسها على الشعوب وكأنها ممثل أو ظل الرب على الأرض.
الكل يتحدث عن مؤامرة على المنطقة التي تهدف إلى تمزيق الممزق وتجزيئ المجزئ وتشتيت المشتت، عن طريق الماسونية والقوى الغربية وشماعات غيرها. ولكن الأهم من ذلك لا يتحدث أحد من هذا الكل إلا القليل عما نعيشه من حالة من الفوضى وعدم احترامنا للإنسان المغلوب على أمره في المنطقة ولا نطلب منه سوى تنفيذ ما نحقنه من مخططات وبرامج توعوية مكررة منذ مئات أو آلاف السنين من دون تغيير أي شيء فيها. الحلول المطروحة لا تتعدى عمَّا يعرفه الكل في التضحية في سبيل بقاء ذاك الظل الرباني في مكانه وأن كل ما يقوله ليس إلا موحى له من فوق، وكأنه ليس بإنسان وليس معصوم عن الخطأ.
لم نرَ إلى الآن أحداً من هؤلاء الظل يعتذر أو ينتقد ذاته عمَّا فعله بحشود الشعب من تنميط لحياته وتقليل من كرامته وتذليل لوجوده وربطه في النهاية بأن يلهث لتأمين لقمة العيش والتي هي من أبسط حقوقه التي لا يستطيع أحد في أن يمنَّه بها عليه. حالة التنميط التي تعيشها الشعوب في المنطقة وجعله يسير كما القطيع لا يهمه سوى البحث عن الكلأ لتعبئة معدته الخاوية، وترك عقله فارغ من فلسفة الحياة التي هي أن الإنسان يأكل كي يعيش وليس العكس في أنه يعيش كي يأكل.
تنميط المجتمعات عملية قديمة قدم النظم السلطوية التي تسعى من خلال هذه السياسة في السيطرة على المجتمع وجعله يعيش حالة من عدم الاستقرار وعدم التفكير إلا بثانويات العيش والأمور التافهة التي ليست لها أية علاقة بكينونة الكون ومعنى الحياة والحق والحقيقة.
فلسفة الحياة تبدأ في سؤال كيف نعيش؟ وما العمل؟ وكيفية المقاومة للوصول للمبتغى؟ أي البحث عن الاسلوب الأنجع للوصول إلى الحقيقة التي لطالما بحث عنها الأولون وتركوها لنا لمتابعة المسيرة والبحث عن الخلود التي هي غاية وفطرة انسانية بدأها جلجامش ولن تنتهي مادام الانسان يبحث عن الأفضل والأرقى. إذاً، انها ظاهرة مجتمعية وليست حالة فردية قام بها شخص ما من قبل وفشل "جلجامش" وعلينا القبول بذلك، وإلا لما كل هذا التمسك بكرسي السلطة والنفوذ من قِبل حكامنا أدامهم الله وتوريث الحكم لأبنائهم وكأنهم خالدون أبد الدهر، إن لم تكن في أحد مضامينها هو البحث عن الخلود.
القناعة هي الكلمة الحقيقية والمفتاح السحري لشيفرة الخلود. القناعة بأن هناك آخرون بمقدورهم مواصلة المسيرة من بعدنا بغض النظر عن معتقداتهم وآرائهم وقومياتهم. فإذا كنا على يقين بأن الخلود ليس إلا لله رب العالمين، فلما هذا التشبه به والبحث عن السلطة إلى الأبد. فعلينا نحن أفراد الشعوب في الشرق الأوسط أن نكون على قناعة بأن الآخر له ما لنا وعليه ما علينا وأن نمنح لهم الفرصة في التغيير الذي هو أس وعماد التطور.
الغرب توصلوا لهذه القناعة. قناعة التغيير لما هو مألوف بغض النظر عن الآتي من هو ومن يكون وبماذا يفكر وماذا سيفعل؟ هذا ما أفرزته الانتخابات الأخيرة في أمريكا على الأقل. فقبل ترامب جاء أوباما الأسود إلى البيض الأبيض والآن جاء ترامب الذي لم تكن حظوظ نجاحه تتجاوز أرنبة أنفوفنا في الشرق الأوسطي.
فلأننا في البلدان والدول العربية لا نمتلك البديل ولا نعرف فلسفة التغيير ولا حتى سمعنا بمخططات المستقبل وبرامج مواجهة الكوارث قبل حدوثها. تعلمنا وعلمونا أننا لا ولن نتحرك إلا بعد فوات الأوان أو كما يقول المثل "إلا بعد أن يضرب الفأس بالراس أو تصل السكين للعضام". وفوق ذلك لا نضع الحلول الناجعة ونوصف للمريض الميت سريرياً بمسكنات آلام لا تغنيه عن شيء. كافة الحلول الموضوعة هي حلول آنية وسريعة وعشوائية لا تمثل سوى مسكنات لا غير لحالة مرضية مزمنة أصابها الغرغرينا في مجتمعنا.
ظهور الوعي المجتمعي وتنظيم المجتمع تعتبر من المسائل الحيوية التي ينبغي التوقف عندها ووضع آليات تنفيذها على أرض الواقع بأسرع وقت ممكن، على الأقل لإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان ثانية. الثورة الذهنية والثورة الأخلاقية هي أهم ما نحتاجه للخروج من عنق الزجاجة التي وضعنا أنفسنا بها، وأنه لا وجود لنظرية المؤامرة في مخيلتنا إلا إذا كنا نحن الأرضية المناسبة لها التي ستعشش عليها. وعينا تحطيم الموروثات والعادات والأعراف البالية التي تحدد مسيرة حياتنا بدءاً من "نمشي الحيط الحيط ونقول يا رب السترة"، ونترك الأخرى لحين وقتها. علينا إزالة هذا الحائط الذي توارينا خلفه كثيراً لستر عورتنا من الموروثات والعادات، لأن السترة في النهاية هي سترة العقول والأخلاق أكثر مما تكون عورة امرأة.