كلام في إصلاح الجامعة العربية
أثار مقال الدكتور نبيل العربي- الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية- بموقع صحيفة "الشروق" المصرية في ديسمبر الماضي، والذى حمل عنوان "مأساة حلب وضرورة إعلان فشل نظام الأمن الجماعي"- أثار الكثير من الشواغل والخواطر لديّ؛ حيث جاء في وقت تتصاعد فيه، كما عهدنا، الانتقادات للجامعة وأدائها، بل ذهب البعض إلى ضرورة إعلان موتها!
يأتي الحديث عن إنهاء كيان الجامعة في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة العربية، بعد أن استنفدت نظم الحكم العربية العديد من المحاولات منذ الاستقلال في منتصف القرن الماضي، وحتى موجات الربيع في 2011 لبناء دولة مدنية حديثة تراعي حقوق المواطن وتعلى من شأن آدميته.
ولعل القصور في أداء الجامعة يُرجعه الدكتور مجدى حماد، الذى تبوأ مناصب متعددة داخل جامعة الدول، في كتابه "جامعة الدول العربية" (سلسلة عالم المعرفة) إلى تشوه التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للأقطار العربية بفعل الهيمنة الغربية السافرة في الماضي، وخلق اقتصادات عربية متشابهة في تبعيتها ومتشابهة في وظائفها ولكنها متنافرة وغير متكاملة فيما بينها.
الدكتور حماد رأى أنَّ وجود الجامعة أصبح على المحك؛ لأنَّ المستقبل العربي ذاته يتعرض لمخاطر– كان هذا الكلام وقت طبع الكتاب عام 2007 - كما أنَّ محنة المنطقة العربية تتمثل في غياب الديمقراطية، فضلاً عن سيطرة التخلف السياسي وشيوع الفساد.
اتفق معه في الرأي الدكتور محمد شوقي عبد العال- الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة– في ورقة له على موقع " معهد البحوث والدراسات العربية" التابع للجامعة العربية بعنوان "التنظيم الإقليمي العربي.. جامعة الدول العربية ومنظماتها المتخصصة" – الورقة عام 2016 - حيث قال إن الأنظمة العربية يغلب عليها طابع الشمولية وغياب الممارسة الديمقراطية.
الدكتور عبد العال أشار إلى أنَّ الجامعة لا تعاني من ضعف في بنيتها التنظيمية قدر ما تعاني من عدم قدرة الدول الأعضاء أو عدم رغبتها لإنفاذ برامج تستهدف صالحاً مشتركاً، فهذه الدول تعاني من تسلط نظم تُغلّب المصلحة القطرية الضيقة على المصلحة العامة الجامعة لها، الرجل رأى أيضًا وجود قصور كبير على المستوى التنظيمي للجامعة من عدم وجود جهاز قضائي عربي (محكمة عدل عربية), وعدم تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقّعة عام 1950 وما يستتبعها من لجان متخصصة، بالإضافة إلى أنَّ الميثاق لم يحدد معيارًا لما يُعد عدوانًا.
وفي ختام ورقته أكَّد الدكتور عبد العال أنَّ تطوير الجامعة أصبح أمرًا لازمًا إذا أُريد لها البقاء, وهذه الضرورة تكمن لطول الفترة الزمنية منذ إنشائها والقصور الواضح في أدائها, كما رأى ضرورة تعديل الميثاق لإقرار عقوبات على الدولة العضو التي تنتهك الميثاق وتضر بروح العمل العربي المشترك.
جامعة الدول العربية التي أُنشئت قبل جماعة الفحم والصلب الأوروبية والتي تطورت فيما بعد إلى الاتحاد الأوروبي وقبل إنشاء الكيان الصهيوني تعاني الآن من تفتت لبعض دولها ومن تغيير في المفاهيم والتوازنات الدولية المصاحبة لوجودها, وإذا كان الأمين العام السابق ألقى باللوم في مقاله على نظام الأمن الجماعي الذي أقره ميثاق الأمم المتحدة في حماية سكان حلب من السفاح الأسد, فمن باب أولى أن نوجه السؤال لأنفسنا لأنَّ اللحظة الآنية لا تتحمل المزاح أو التراخي.
وإذا كان الباحث بمؤسسة الأهرام سامح راشد قال في مقالة له على موقع مجلة "شئون عربية" – التي تصدر عن الجامعة العربية – بعنوان " الدور التدخلي للجامعة العربية بين التطور والثبات" بأن النقلة الحقيقية للجامعة تحدث عندما تكون جامعة العرب بحق جامعة الشعوب لا الحكومات العربية, وإدارة عملية التغير الداخلي للدول العربية على أسس واضحة ومحددة تقر بها الحكومات مبدئيًا وبالتالي تكون مُلزمة بها أمام الجامعة وأمام شعوبها, فها نحن نشاهد الشعب السوري يُذبح بدم بارد منذ أكثر من خمسة أعوام والقوات الإيرانية والروسية تمرح وتسبح في أرض وفضاء الجغرافيا السورية ولا نسمع إلا أصواتاً ناشزة من هنا وهناك تؤيد بصفاقة مجازر السفاح الأسد.
رغم فشل الجامعة العربية في حل أزمة فلسطين, ومع تفاقم الأزمات وانهيار الدول العربية الآن، وفي ظل وجود قصور بالأداء العربي عامة, يظل السؤال عن إصلاح حقيقي للجامعة مطلباً ملحاً, لكن على الجميع الذين ينادون بإنهاء وجود هذا الكيان العربي أن يخبرونا ما هو شكل البديل الجماعي للعمل العربي الذى يدعون إليه؟!