لافروف واعظًا

كتب: أحمد بهجت صابر

فى: ساحة الحرية

09:58 12 مارس 2017

ما يحدث فى سوريا اليوم ليس بحاجة للكثير من الوصف والكلام، فهذه الأعداد الكبيرة من القتلى واللاجئين تغني عن الدخول فى نقاشات جانبية عن تحديد مَن المسئول أو كيفية دعمه؛ لأن ولي الأمر لدى المسلمين صاحب ولاية أصيلة ويتحمل تبعات أفعاله.

 

على الرغم من ذلك فقد بدا السيد وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرجي لافروف متشحًا بثوب الواعظ فى كلمته أمام مؤتمر ميونيخ للأمن فى دورته الثالثة والخمسين بالمدينة الألمانية الشهر الماضى عندما اتهم الغرب بإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار بالعالم،  بل ذهب بعيداً بقوله إن بلاده قدمت الملايين من الأرواح من أجل نيل الآخرين حريتهم!

 

السيد الروسى قال أيضاً بأن مؤسسات الحرب الباردة أثبتت فشلها, ورأى البعض من هذه الكلمات تسويقاً لما يمكن تسميته "بمبدأ لافروف" وسعياً حثيثاً للترويج لعالم ما بعد النظام الغربى, لكن مع الأسف على حساب الدم العربي في سوريا الذي يئن من ضربات الطائرات الروسية ليل نهار, والدعم غير المسبوق للسفاح الأسد الابن, والذى لولاه لما استطاع النظام السورى البقاء, ليس هذا فحسب وإنما الروس بعد أن قتلوا واستباحوا الدم السوري قدموا أنفسهم كضامنين لاتفاقيات هدنة هشة مع المعارضة المسلحة.

 

لم أشأ أن أجعل من هذه المقالة درساً فى التاريخ لكن يا سيد لافروف إن المدينة التى ألقيت منها كلمتك شهدت ميلاد مجلة الشرارة "إسكارا بالروسية" على يد فلاديمير لينين بداية القرن الماضى لتمثل شرارة بالفعل انطلقت منها الأفكار الماركسية التى ألهمت البلاشفة الروس الثورة, ثم كيف لك يا سيدى وأنت حفيد الشعب الذى ثار ضد طغيان القيصر وظلمه أن تدعم حكومتك نفس الطغيان الذى ثار عليه أجدادك؟!

 

ألم تشكل يا سيدى ثورة الشعب الروسى أعوام (1905-1907) درساً كبيراً فى رفض النير والظلم المجحف على أيدى القيصر؟ أم أن الدماء الكثيرة التى سالت فى فترة الحرب الأهلية بعد ثورة عام 1917 جعلتكم تستمرئون دماء الآخرين فى سوريا؟! ثم من أين لك أن تنتقد الغرب على دعمه "ديمقراطية زائفة" من وجهة نظركم بينما يدعم عسكريوكم آلة البطش والقتل للنظام الأسدى الوحشى؟!

 

وعلى ما يبدو فإن السيد لافروف حاول القفز كثيراً فوق حقائق تاريخية تقول بأن الكيان الصهيونى كان للتخلص من الجماعات اليهودية فى روسيا وشرق أوروبا الذين شكلوا عبئاً على الغرب فما كان منهم إلا تصدير المشكلة لنا بالمنطقة, ثم ها نحن يا سيدي نجني ثمار ما فعلتم من قتل ودمار واغتصاب وإهدار للكرامة العربية, ولم يكن ينقص هذا المشهد إلا أن تزيدوه اشتعالاً بالدعم غير المقبول لنظام مارس القمع والقتل بحق شعبه لتجربوا فينا أسلحتكم الجديدة علكم تجدوا سوقاً جديدة لها.

 

وإذا كان تاريخكم يا سيدي قد شهد خلال ثورة البلاشفة تدخلاً من قبل قوى دولية أخرى في شئون بلادكم, فها أنتم تفعلون ما فعلته تلك الدول بتدخلكم في سوريا لصالح الظلم والخراب لا لشيء إلا للحفاظ على موطئ قدم على ما تطلقون عليه المياه الدافئة بالبحر المتوسط, ألم يكن أجدى لكم الوقوف على الحياد من الصراع منذ البداية بدلاً من هذا التورط المشين؟

 

سيذكر التاريخ سيدي وزير الخارجية الروسى الموقر بأنكم دعمتم السفاح بشار الأسد ضد شعبه الثائر كي تجعلوا من هذه الدولة رقعة صغيرة فى لعبة الشطرنج الدولية التى تديرونها, وستأبى دماء الأبرياء ودموع الثكالى إلا أن تسجل انتصارًا للحق والعدل في نهاية المطاف ولو طال الزمن بهم.

اعلان