منتصر الزيات يكتب: قبل أن يبتلع الطوفان وحدتنا (1)
لم تزل الآلام تسيطر على الشارع المصري بكل فئاته مما جرى من تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية، الحادثين اللذين أوديا بحياة عدد من الأنفس البريئة، وإبطال مفعول عبوات ناسفة كانت معدة للانفجار في مناطق أخرى، سلم الله في إدراكها وإبطالها، وإلا لأزهقت أنفسًا أخرى وساد الخراب.
تساؤلات طبيعية آثارها الحادث تبحث عن إجابات، في مقدمتها (من الفاعل؟) وهنا أتساءل عن الجاني الحقيقي، لا أتعرض للمعلومات التي تم الإعلان عنها ومدى دقتها من عدمه، أيًا كان المنفذون من الدواعش على الأرض.
لكني أبحث عمن حرك في أنفس هؤلاء الشباب المفاهيم الدينية المغلوطة، وكرّس في عقولهم وقلوبهم، أن تفجيرهم لأنفسهم واستهداف دور عبادة الأقباط، وقتل أكبر عدد من روّاد تلك الدور المستهدفة، سيكون عبر بوابة عاجلة توردهم الجنة، فهؤلاء مغرّر بهم، لكن الخطر يكمن في الجناة الحقيقيين الذين لم تصل إليهم يد العدالة بعد.
وجه الخطورة يتمثل في أن المستهدف هو مصر، لا غرو في ذلك ولا غرابة، وإشعال النار في مصر، وتهديد لُحمتها ووحدتها الداخلية، فرغم اختلاف المزاج المصري في مرحلة بالغة الدقة تشهد البلاد فيها انقساما حادا، لم تنفجر البلد ولم تنشطر، وبقيت البنية المصرية الأساسية متماسكة، من هنا يفكر "الشيطان" بزرع الفتنة في الملف الطائفي ليوقع بين أبناء الشعب الواحد حتى يصل بهم إلى مرحلة الاحتراب الأهلي ومن ثمّ تسود الفتنة ويقع الاقتتال.
إذن الذي لا شك فيه أن المستهدف من مثل هذه العمليات هو تهديد الوحدة الوطنية، وإذا ما جرى ذلك- لا قدر الله- فإن ذلك ينذر بشر مستطير.
تكرار الحوادث بشكل منتظم في مناسبات دينية سنويًا يكشف عن هذه الرغبة لدى الجناة الذين يضمرون الشر بمصر، ويكشف في نفس الوقت عن قصور أمني حقيقي في اتخاذ الإجراءات المانعة من وقوع مثل تلك الجرائم.
وتكرار الحادث ببشاعته في غضون فترة قصيرة جدًا بينما التحقيقات لم تنتهِ بعد في حادث تفجير الكنيسة البطرسية، يعني أن بعضًا من الأفراد الذين لديهم صلة بالحادث السابق هم من تحركوا لإكمال المخطط في وقت قياسي بذات الطريقة والأسلوب، بهدف الضغط على الأقباط وإخراجهم عن وعيهم وتحقيق الانفلات لدى دوائرهم الشعبية بل والقيادية، ما يصب في اتجاه المخطط.
ولا شك أن حالة الغليان داخل الأوساط المسيحية، قد بلغ مداه من تكرار الحوادث على هذا النحو القاسي والمؤلم دون حماية حقيقية.
إدراكنا لهذه الحقيقة ينبغي أن تكون له ترجمة في المعالجة الأمنية والإعلامية حتى نصل لموقف مجتمعي فاعل، يستهدف تجفيف كل الأسباب التي توفر غطاء مناسبًا للجناة يتحركون خلاله لبلوغ أهدافهم الإجرامية.
لا يحتمل الموقف توظيف هذه الحوادث لمصلحة النظام السياسية ضد معارضيه، وإنما توظيف الطاقات لتحقيق الثقة في النفوس والعقول، وتحويل الموقف المجتمعي لظاهرة اصطفاف تحول دون تكرار هذه التفجيرات الإجرامية، ومن ثم تمنع تحقيق المخطط حسبما أشرنا إليه.