فورين أفيرز:

جاستا.. سلاح ذو حدين يطعن سيادة الولايات المتحدة

كتب: جبريل محمد

فى: صحافة أجنبية

22:23 21 أكتوبر 2016

يوم 28 سبتمبر، أصدر الكونجرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف بـ "جاستا"، الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، بمقاضاة السعودية للحصول على تعويضات مالية، القانون ليس قاصرا فقط على ضحايا 9/11 أو دولة بعينها، ولكنه يسمح لأي مواطن أمريكي بمقاضاة أي دولة أجنبية عن الأضرار الناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي وقعت في الولايات المتحدة.

 

أقر الكونجرس "جاستا" رغم احتجاج البيت الأبيض، والحكومات الأجنبية، وكبار رجال الأعمال، ومؤسسة الأمن القومي الأمريكي، وتحذير الرئيس باراك أوباما من أن القانون يعرض الجيش، والمخابرات لدعاوى قضائية في المحاكم الأجنبية؛ ويضعف العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين.

 

ولم يكن من الصعب تحليل التكلفة، والعائد - بحسب مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية - فهناك عوامل سياسية، بجانب التعاطف مع أسر الضحايا، فالقانون محرج سياسيا، وقبل أن أي تعديل، الكونجرس والجمهور الأمريكي بحاجة للاعتراف بالثمن الباهظ الذي سيدفع جراء جاستا في شكله الحالي.

واقعيا، القانون يوفر فرص ضئيلة للحصول على أحكام قابلة للتنفيذ لأسر ضحايا هجمات سبتمبر، كما أن عواقبه وخيمة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب.
 

ومن المفارقات، أن القانون الذي يوفر العدالة لضحايا الإرهاب، يمكن أن يقوض بشكل خطير ويهدد جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في الخارج، لأنه يفتح الباب للمواطنين من دول أخرى لمقاضاة الأمريكيين بتهم مماثلة في المحاكم الأجنبية.

 

أوباما وغيره من خبراء السياسة الخارجية، يرون أن "جاستا" يقوض قانون "حصانة الدولة" وهو مبدأ من مبادئ القانون الدولي العرفي، وهذا النوع من الاحترام المتبادل يسمح بوجود نظام دولي منظم وسلمي، واعترفت الولايات المتحدة نفسها بالحصانة السيادية منذ 1812.


 

"جاستا" يزيل صلاحيات السلطة التنفيذية لتحديد أي الدول تخضع للاستثناء، وبموجب قانون الحصانات السيادية، اعتمدت المحاكم على الدول الموجودة في قوائم وزارة الخارجية الراعية للإرهاب، لكن في ظل "جاستا" يمكن إقامة دعوى ضد أي بلد، ومن ضمنها السعودية التي لم تكن أبدا على لائحة الخارجية، وتاريخيا حليف الولايات المتحدة الوثيق.
 

فهذا القانون يوسع مفهوم "الدول الراعية للإرهاب" ليشمل أي بلد أجنبي مرتبط بعمل إرهابي على الأراضي الأمريكية، كما أن السماح بجر الدول الأجنبية للمحكمة يقوض بشكل خطير شرعية استثناء "الإرهاب" من قانون الحصانة السيادية.

 

جاستا يعطي السلطة التنفيذية فرصة كبيرة لتأجيل الدعوى إلى أجل غير مسمى، ولكنه يثير احتمال صراع على السلطة بين فروع من الحكومة.
 

وعلاوة على ذلك، جاستا لا يفعل الكثير لحل المشكلة الرئيسية، وهي التعويض، والاستيلاء على الأصول السيادية لدى الولايات المتحدة، لأنه لا يوجد نص في "جاستا" يمكن المحكمة الاتحادية من فرض سيادتها للاستيلاء على الأصول الأجنبية، الضمانة الوحيدة للضحية الذي يسعى للجوء إلى هذا الخيار هو معركة قانونية طويلة، وفي الواقع، هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى حل أو دفع تعويضات.

 

والمشاكل الأقل وضوحا ولكنها أكثر خطورة، تداعيات "جاستا" الدولية بالنسبة للولايات المتحدة، ورغم أن عددا من منفذي هجمات 11 سبتمبر سعوديين، القانون لم يذكر اسم المملكة بشكل مباشر، وبدلا من ذلك يزيل الحصانة السيادية لدولة أجنبية ربما دعمت عملا من أعمال الإرهاب في الولايات المتحدة، ولأن حماية الحصانة السيادية تعتمد على مبدأ المعاملة بالمثل،  جاستا يعني أن البلدان الأخرى يمكنها إلغاء الحصانة السيادية للولايات المتحدة.

 

السعوديون هددوا بالتصعيد ضد جاستا، ويمكنهم تعقيد أو إضعاف السياسة الخارجية لأمريكا عن طريق رفض تحليق الطائرات الأمريكية المسافرة من أوروبا وآسيا للقاعدة الجوية في قطر، والتي تشرف على العمليات في أفغانستان والعراق، وسوريا. ويمكنهم التقليل من التعاون ضد الإرهاب في الشرق الأوسط، وأيضا حماية الأميركيين الذين يعملون في المملكة.

 

كما أن العديد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة انتقدوا القانون، حيث أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن "أي انتقاص من مبدأ الحصانة السيادية" يمكن أن يشجع الدول الأخرى على العمل بالمثل وفرض عبئا "على النظام الدولي ككل".

 

باختصار، أصدر الكونجرس قانونا قصير النظر بشكل ملحوظ مع عواقب دولية وخيمة، وليست هناك خيارات أمام الكونجرس إلا إلغاء هذا القانون، فهو بطة عرجاء لن يستطيع الاستمرار طويلا في الإضرار بالمصالح الأمريكية.

 

اعلان