دبلوماسية إسرائيلية: مصر السيسي.. من هزة إلى أخرى
في أكتوبر 2014 بعثت " روث وسيرمان لاندا" دبلوماسية إسرائيلية سبق أن عملت في القاهرة في الفترة بين 2003- 2007 عبر صحيفة "يديعوت أحرونوت" برسالة إعجاب شديد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أودعته خلالها أمنيات شعب إسرائيل بالتوفيق والسداد. وفي سبتمبر 2015 تحدثت للقناة الأولى بالتلفزيون الإسرائيلي عن حكم السيسي، وقالت إنه" رجل استراتيجي محترف ذو بصيرة نافذة".
الآن مجددا ظهرت "لاندا" لتتناول الأوضاع في مصر في ظل حكم السيسي لكن بمسحة كئيبة غلب عليها الأزمات التي يعج بها الشارع المصري بدء من انعدام الأمان والأزمة الاقتصادية، والانقسام المجتمعي، والاعتقالات التي قالت إن النظام ينفذها حتى أصبحت السجون المصرية "كاملة العدد".
مقال "لاندا" بصحيفة "يديعوت أحرونوت" جاء تحت عنوان "مصر من ثورة إلى أخرى.. لا شيء يوقفها".
إلى نص المقال..
الإطاحة بمبارك، وصول "الإخوان المسلمين"، الإطاحة بمرسي، وصول السيسي، الأزمة الاقتصادية الحادة، الهجمات المتتالية، الابتعاد عن الولايات المتحدة والسعوية والاقتراب من روسيا وبشكل معين من إسرائيل. مصر في الأعوام الأخيرة دولة تنتقل بسرعة فائقة من هزة إلى أخرى.
في إطار "الربيع العربي" الذي هز مصر في 2011، أدى تصاعد صوت "الشارع المصري"- الشباب، المحبط، العاطل معظمه عن العمل، والمتصل بشكل شبه تام لوسائل التواصل الاجتماعي- إلى الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، وبعد فترة إلى وصول نظام محمد مرسي و"الإخوان المسلمين" للحكم.
فترة الحكم القصيرة لـ "الإخوان المسلامين، لم تمنح الرئيس مرسي الفرصة لإجراء تغييرات بعيدة المدى في مصر. لم تتضرر العلاقات المصرية الإسرائيلية وعلاقات دولية حساسة أخرى على الإطلاق، لأن من واصل إدارتها كانوا نفس الضباط الذين طوروا العلاقات حتى قبل وصول "الإخوان المسلمين" للحكم.
تضررت مصر بشدة من تغيير النظام، لاسيما بسبب إضعاف السيطرة على نقاط التماس الواقعة بين نقطة وأخرى. أدى التهميش الاجتماعي والاقتصادي لسكان سيناء على مدى سنوات حكم الرئيس المخلوع مبارك، وغياب بناء "أفق" اقتصادي- اجتماعي للسكان إلى تعاطف سهل نسبيا للمحسوبين عليها مع التنظيمات الإرهابية المختلفة.
إرهاب وعنف ضد النساء: الشارع المصري أقل أمنا
خلال فترة مرسي أتبعت أيضا سياسة متسامحة بشكل معين تجاه المرور من غزة إلى سيناء، على خلفية التقارب الإيدلوجي بين "الإخوان المسلمين" في مصر وحركة حماس بقطاع غزة.
مكن هذا الانفتاح الجماعات الإرهابية الأكثر تنظيما من الدخول عبر الفجوة التي حدثت قبل ذلك، وذلك في وقت كانت جماعة الإخوان منشغلة في محاولة التعلم كيفية التحول من جماعة شبه سرية لجماعة تمسك بزمام الأمور في مصر الجديدة ذات التحديات الكثيرة.
بشكل عام، أصبح الشارع المصري خلال السنوات الماضية أقل أمنا بالنسبة للمواطنين، سواء أكان ذلك يتعلق بالجرائم الجنائية أو بتهديد الإرهاب. تشهد مصر مئات الهجمات الإرهابية شهريا، لا تكشف بعضها وسائل الإعلام. كذلك أصبح الشارع المصري خطيرا جدا بالنسبة للنساء، بشكل لم يكن له مثيل خلال حكم الرئيس مبارك. تدهور الوضع لدرجة أن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي حرص على تصنيف نفسه كمن أخذ على عاتقه الدفاع عن نضال المرأة في البلاد وأجرى عدة زيارات غطتها وسائل الإعلام لاسيما لنساء مصريات تعرضن للتحرش الجنسي بشوارع العاصمة القاهرة.
في أعقاب التقلبات التي شهدها المجتمع المصري، برزت بشدة حقيقة أن هذا المجتمع المتجانس على ما يبدو، والذي يشكل فيه المسلمون السنة نحو 100%، بات منقسما بين جانبين. سواء في فترة حكم الرئيس المعزول مرسي، أو في الفترة الحالية، أكثر من نصف المصريين بقليل يؤيديون الحكم العسكري والنظام الذي نتج عنه، ويعارضون الإسلاميين، بين هؤلاء المسيحييون، الذين يشكلون ما بين 10- 20% من السكان. يعارض الباقون الحكم العسكري ويحسبون تحديدا على "الإخوان المسلمين"، ومجموعات أخرى متنوعة، لا تشكل أهمية كبيرة من حيث عدد مؤيديها، وتأثيرها، وقدرتها التنظيمية.
بلد منقسم
تجرى يوميا عمليات اعتقال لكل من يشتبه في تأييده لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي حُظرت. وباتت السجون في مصر كاملة العدد.
الجيش المصري مشغول الآن بإدارة البلاد في كافة المجالات تقريبا، بدون فصل بين السلطات أو منظومة ضوابط تحدد قوته. أدى الانقسام الداخلي الإيدولوجي العميق للغاية، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتدني إلى خسارة الجيش تدريجيا لشعبيته. ردا على ذلك يكتل حوله المؤيدين ضد عدو خارجي مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أو "الإخوان المسلمين"، الذين يهددون من وجهة نظره ووجهة نظر مؤيديه جوهر بقاء الدولة.
على الساحة الدولية، تتذمر مصر ضد الولايات المتحدة وبالأخص ضد إدارة باراك أوباما على خلفية الجفاءالذي انتهجه معها الرئيس الأمريكي بعد وصول السيسي للحكم عبر انقلاب عسكري في يوليو 2013.
ينظر إلى أوباما الذي سمح للخارجية الأمريكية باستضافة وفد من رموز "الإخوان المسلمين"، بل ودعا مصر للعودة وتبني المسار الديمقراطي، كمن غرس سكينا في ظهر القيادة المصرية. ورغم خطوات التقريب الكبيرة التي حدثت منذ ذلك الوقت بين الإدارة الأمريكية والنظام المصري، فلم تنس مصر الإهانة ووقفت إلى جوار روسيا غريمة الولايات المتحدة، بشكل صريح ﻻ لبس فيه. أحد الأمثلة على ذلك هو التعامل مع الموضوع السوري، والمناورات الروسية المصرية التي تجرى طوال الوقت، والتصويت في الأمم المتحدة الذي جاء بالتنسيق بين القاهرة وموسكو.
إسرائيل تحديدا لم تعد عدوا رئيسيا
على خلفية التقارب المصري الروسي لاسيما حيال الوضع في سوريا، شهدت العلاقات المصرية السعودية برودا كبيرا، وهو التطور المثير والمقلق في نفس الوقت.
بعد زيارة احتفالية خاصة في مصر للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في أبريل الماضي، تضمنت إعادة جزيرتي تيران وصنافير لملكية السعودية ، وإعلان مصري سعودي مشترك على بناء جسر بري هو الأول من نوعه يربط بينهما فوق البحر الأحمر بهدف تشجيع التجارة، ودعم سعودي جارف للنظام الحالي في مصر بشكل غير مسبوق لتعزيزه في مواجهة أعدائه الداخليين، ظهرت مؤخرا خلافات بين الدولتين. فالسعودية السنية، التي تعد الشريك الرئيس لمصر على الساحة الإقليمية، وتواجهان معا التهديد الشيعي، تدعم جماعات المعارضة المناهضة لبشار الأسد في سوريا. تعتبر مصر هذه الجماعات المعارضة شقيقة لـ"الإخوان المسلمين" وحماس- الأعداء اللدودين للقيادة بالقاهرة.
إسرائيل تحديدا لا تعد عدوا رئيسيا، قليلا ما يستغلها النظام في القاهرة بهدف شغل الرأي العام عن التحديات والمشاكل الداخلية. انطلاقا من أسباب براجماتية فقط، لأن مصر بحاجة لإسرائيل لتعزيز متطلبات إستراتيجية وسياسية وأمنية. فعلى سبيل المثال، يجرى تعاون كبير في سيناء- ربما كان الأكبر منذ التوقيع على معاهدة السلام بين الدولتين عام 1979. في ظل مرونة كبيرة تبديها إسرائيل حيال القيود التي تفرضها المعاهدة، أدت إلى خرق التوازن الدقيق لقوات الجيش المصري بسيناء. وذلك للسماح للجيش المصري بمواجهة التهديد الإرهابي الذي يهدد جنوده.
بشكل مواز، ظلت السياسات تجاه إسرائيل على الساحة الدولية متأرجة. مصر مثلا في المحافل الدولية تقلل انتقاداتها تجاه إسرائيل، مقابل وعد إسرائيلي صامت بالمساعدة في دفع المصالح المصرية في الولايات المتحدة.
في المقابل، صعدت مصر مؤخرا هجومها على السياسة النووية الإسرائيلية، وشكلت جماعة ضغط لسحب شرعية إسرائيل في معاهدة منع الانتشار النووي وتقود من خلالها خطا صارما لا هوادة فيه تجاه المسألة، من خلال جامعة الدول العربية، بقيادة وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط. صوتت مصر مؤخرا لصالح قرار اليونسكو الغريب بشأن عدم وجود صلة تربط الأماكن المقدسة بالقدس باليهودية.
القيادة المصرية ورغم تصريحاتها الداعمة للقيادة الفلسطينية الحالية، تتخذ خطوات عملية لتعزيز معسكر محمد دحلان، والوقوف على قوة عناصر أخرى بالضفة الغربية. عمليا، لم تعد تؤمن بقوة محمود عباس ( أبو مازن) وتعد العدة لما بعد اختفائه من الساحة. ورغم الأهمية التي توليها للتوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين- الأمر الذي سيؤدي من وجهة نظرها لمزيد من الاستقرار بالمنطقة- تفضل القاهرة عدم المخاطرة بالتوسط بين الطرفين وأن تمنى بالفشل، مثلما فشلت الولايات المتحدة في العقود الأخيرة. وتشجع بوضوح تدخل روسي في هذه المسالة. مع ذلك مصر لا ترى في نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني العلاج للإرهاب الإسلامي، وبشكل مواز لا تخدع نفسها حول الأهمية الكامنة في الحرب الشاملة على الإرهاب. ولذلك- كل الوسائل صالحة من وجهة نظرها.
روث وسيرمان لاندا- دبلوماسية إسرائيلية سابقة في القاهرة ومستشارة للرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز، وتعمل الآن نائب رئيس مركز الحكم المحلي الإسرائيلي للعلاقات الخارجية.