هآرتس: هذا ما سيحدث عندما تسقط حلب
قال "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" إن سيطرة قوات النظام السوري على مدينة حلب المحاصرة، من شأنها أن تكون نقطة تحول إستراتيجية في الحرب السورية برمتها، لافتا إلى أن أهمية حلب لا تتأتي من منطلق حجمها كثاني أكبر مدينة سورية أو موقعها الجغرافي على مفترق طرق حيوي بين سوريا وتركيا في الشمال، وبين مدينة الرقة عاصمة داعش في شرق البلاد.
وأوضح "برئيل" في مقال بعنوان "في العالم انتقلوا من العجز إلى الأمل في سقوط سريع للمدينة"، أن حلب هي رمز المقاومة لنظام الأسد وبؤرة اختبار عليا لقدرة المعارضة المسلحة على فرض مسار الحرب.
كذلك تمثل حلب تقاطع الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، فانتصار قوات النظام هناك تمثل فشلا عسكريا أمريكيا في إدارة المعارك ودعم المعارضة.
وتتطلع روسيا لتحقيق حسم نهائي في حلب قبل أن تبدأ الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب ولايتها، وذلك لفرض الحقائق على الأرض، استعدادا لإجراء مفاوضات سياسية ترفض موسكو استئنافها حتى الآن، وكذلك لمنح الأسد إنجازا كبيرا ضد المعارضة. فعندما تسقط حلب في يد النظام، سيكون بإمكان الأسد إملاء شروطه من موقف قوة خلال المؤتمر الدولي الذي لم يتحدد بعد موعد إجرائه.
وبحسب "برئيل" هناك عدة أسباب لضعف المعارضة في حلب، أهمها غياب الولايات المتحدة عن الساحة العسكرية والاستحواذ التام لروسيا على إدارة مسار المعارك. فقد تخلت إدارة أوباما عن الساحة، وكذلك عن الدعم الذي وعدت به المعارضة عندما أعلنت الحرب على داعش كهدف نهائي.
هذه الوعود فرضت على تنظيمات المعارضة "المعتدلة"، وتحديدا الجيش السوري الحر، الاستراتيجية التي بموجبها يتعين عليهم، تجنب قتال الأسد، والاكتفاء بالدفاع عن الخطوط الحدودية بين سوريا والأردن وتركيا.
اضطر الجيش السوري، الذي تموله السعودية والولايات المتحدة بشكل رئيسي، للإذعان للخطة الأمريكية، وعلاوة على ذلك بدأت المساعدات التي يتلقاها من إدارة أوباما تتقلص. نتيجة لذلك استعان بشراكته مع تنظيم "جبهة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا)، الموالي للقاعدة.
هذه الشراكة قدمت لروسيا ذريعة لضرب الجيش السوري الحر، بدعوى تعاونه مع تنظيم "إرهابي". وحتى وقت قريب فشلت مساعي الإدارة الأمريكية في إقناع الجيش الحر بالانفصال عن جبهة تحرير الشام، لكن وفي ظل النجاحات التي يحققها جيش الأسد في حلب، يتوقع أن ينسحب الجيش الحر من أجزاء بشرق المدينة، ليمهد بذلك الطريق لاستمرار احتلالها من قبل قوات النظام.
دفع الضعف العسكري للجيش الحر مليشيات أخرى إلى اتخاذ قرار بالانضمام لقوات الأسد، وهو ما ألحق ضررا كبيرا بقوة الجيش الحر. حدث تحول هام آخر، تمثل في انضمام قوات الدفاع الشعبي الكردي (وحدات حماية الشعب الكردي) التي احتلت أحد أحياء المدينة، لجيش الأسد، وذلك رغم اعتراض النظام السوري على الطموحات الكردية بإقامة منطقة حكم ذاتي في سوريا.
من المحتمل أن يكون تعاون الأكراد السوريين مع الأسد جاء على أمل أن يسمح النظام للأكراد السوريين بإقامة إقليم مستقل على طول الحدود مع تركيا، عندما تنتهي الحرب.
من المشكوك فيه إن كان هذا الأمل سيتحقق عند انتهاء الحرب، لكن في الوقت نفسه قد يعتمد الأكراد على مساعدة الروس في الحرب التي تشهدها الآن المناطق الكردية السورية.
اصطفاف الأكراد السوريين إلى جانب الأسد يقسم بشكل كبير قوات المعارضة، علاوة على أن هناك معارك دائرة بين الأكراد والجيش السوري الحر على خلفية المساعدات التي يقدمها الأخير لتركيا في الحرب على احتلال القطاع الحدودي بين تركيا وسوريا، لوقف إمكانية أن يمنح التعاون السوري- الكردي للأكراد دعما في جهودهم لإنشاء إقليم حكم ذاتي على الحدود مع تركيا.
وحتى الآن، لم تنته معركة حلب، لكن "إنجازات" نظام الأسد والمليشيات التابعة له في الجزء الشرقي للمدينة تشير إلى حسم قريب. نجحت قوات الأسد أمس الاثنين 28 نوفمبر، وأمس الأول- بغطاء جوي روسي، ومساعدة القوات الكردية التي تسيطر منذ فترة على أحياء بشمال المدينة- في احتلال اثنين من الأحياء المهمة من يد المعارضة بشمال شرق المدينة.
وفقا لتقديرات عناصر في المعارضة، خسرت قوات المعارضة نحو نصف الأراضي التي كانت تسيطر عليها بشرق المدينة، وذلك بعدما سقطت منطقة غرب حلب منذ فترة بيد النظام السوري.
تشير تقارير ميدانية إلى أن الآلاف من سكان المدينة الذين كانوا محاصرين شرقها، تمكنوا من الفرار للجزء الغربي وللحي الذي يسيطر عليه الأكراد.
على ما يبدو سوف تشهد الأيام القادمة، تزايد معدل نزوح المواطنين، الذين يمكنهم الحصول بعد نحو نصف عام على مساعدات إنسانية ورعاية طبية، لكن أكثر من 200 ألف مواطن مازالوا محاصرين داخل ساحة المعارك بين قوات المعارضة والنظام.
وختم محلل "هآرتس" تحليله بالقول :”بالنسبة للمئات من المواطنين في حلب، يمكن أن يمنحهم احتلال المدينة على يد الأسد أملا لبداية عملية إعادة إعمار طويلة ومكلفة. على ما يبدو بات الإجماع الدولي يعترف بأن الأسد يمكن أن يكون جزءا من الحل، خاصة في ظل عجز المعارضة. بناء على ذلك فإنه من المتوقع أن يحدث احتلال حلب بسرعة ليكون بالإمكان الانتقال للمرحلة السياسية".