هآرتس عن معركة السيسي والأزهر: «الطلاق» مقابل الإخوان
استعرضت صحيفة "هآرتس" ما وصفتها بالمعركة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والأزهر الشريف بعد رفض الأخير الاستجابة لطلب الرئيس بإلغاء الطلاق الشفوي، ورأت أن السيسي لا يمكنه بحال الاستمرار في الحكم بدون الأزهر الذي يمنحه شرعيته الدينية.
واستبعد "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بالصحيفة أن تؤدي"المعركة" لـ"شرخ تاريخي" بين الرئيس والأزهر، مضيفا " على كلا الجانبين الخروج منتصرا. ربما يستسلم السيسي للأزهر في مسألة قانون الطلاق، لكنه سيسعى للحصول منه في المقابل على "خطاب ديني" جديد وبراق، يمنحه الصلاحية الدينية للاستمرار في العمل ضد الإخوان المسلمين في الحرب التي تطورت منذ وقت إلى صراع ضد خصوم سياسيين، وليس فقط دينيين".
إلى نص المقال..
معنى تعبير "طلاق بالثلاثة" هو أن يقول الرجل لزوجته ثلاث مرات "أنتِ طالق" حتى يسري الطلاق. يدور الحديث عن تعهّد كامل وقوي، لا تراجع عنه إلا إذا تزوجت المرأة بناء على رغبتها برجل آخر وتطلقت منه لتعود لزوجها. مسألة الطلاق صاحبها خلاف شرعي في الإسلام على مر أجياله وفي مختلف مذاهبه، لكن هناك أمر واحد متفق عليه: يسري الطلاق سواء جرى شفهيًا أو توثيقيًا- يكفي في ساعة غليان أن يقول الرجل (وهو الحق غير المسموح به للمرأة طبعًا) تلك الكلمات.
هذا هو بالتحديد الموضوع الذي يزعج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في يناير، خلال احتفال عيد الشرطة، والذي يواكب يوم اندلاع ثورة "الربيع العربي" في مصر، اقترح الرئيس سن تشريع جديد، يسري فيه الطلاق فقط أمام موظف مختص (مأذون).
انزعج السيسي من المعطيات الصعبة التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتقول إن 40% من إجمالي الزيجات تنتهي بالطلاق خلال أول خمس سنوات من عمرها. يتهم الرئيس في ذلك التسهيلات التي يسمح بها الدين للطلاق، الأمر الذي يؤثر من وجهة نظره على الأمة ومستقبلها.
لكن هذا التقليد الذكوري، الذي بدأ في عهد النبي محمد، يصعب القضاء عليه. فقد أصر علماء "الأزهر" بما فيهم شيخ المؤسسة أحمد الطيب على موقفهم وأوضحوا للرئيس، أنهم لا ينوون الاستجابة لمطلبه. بل زاد المتحدث باسم الأزهر عبد المنعم فؤاد على ذلك بنشره مقالاً لاذعًا ضد الرئيس في صحيفة "الأخبار" الحكومية. وكتب المفتي السابق علي جمعة على صفحته بالفيسبوك :”مسألة الطلاق مسألة شرعية طاهرة، وعلى الرئيس أن يعلم أن الشريعة معلومات، لذلك فإنّ علماء الدين المؤهلين هم فقط من يمكنهم الانخراط في تفسيرها".
لكن السيسي أيضا لا يستسلم بسهولة. “تعبتني يا فضيلة الإمام" قالها لشيخ الأزهر في عيد الشرطة. الـ"تعب" نتيجة معارضة "الأزهر" ليس فقط لمسألة الطلاق، لكن لكل ما يتعلق بتجديد الخطاب الديني في مصر.
هذا هو الموضوع الرئيسي الذي يشغل الرئيس منذ وصوله للحكم في يوليو 2013 بعد الإطاحة بمحمد مرسي وإنهاء حكم الإخوان المسلمين. في إطار خارطة الطريق التي رسمها السيسي لمصر، طالب بإدخال تجديدات في الخطاب الديني، بهدف استبعاد الخطب المتشددة من الفضاء العام وكذلك الفتاوى التي يطلقها شيوخ التنظيمات الراديكالية. هدفه هو تحييد المكانة العامة التي يحظى بها الإخوان المسلمين كمرشدين دينيين والسيطرة على الخطاب داخل المساجد وخارجها.
تجديد الخطاب الديني ليس مفهوما جديدا في الإسلام، لكن معناه ليس واضحًا على الدوام. أحيانًا دلل التجديد على العودة للأصول وتبني النهج الأصولي، وأحيانا كُرس لتقليل الفجوات بين التفكير الغربي المستنير والعصري وبين الإسلام. فعلى سبيل المثال هب علماء دين أرثوذوكس مع ظهور القاعدة وداعش للدفاع عما وصفوه "الإسلام الصحيح"، واجتثاث التعبيرات والفتاوى الداعمة لتلك التنظيمات من الخطاب.
أعد السيسي من خلال وزارة الأوقاف المسئولة بما في ذلك عن مضمون الخطب في المساجد، وثيقة مفصلة، شملت المسائل التي يجب "تجديدها"، بكلمات أخرى، تكييفها مع الأغراض السياسية للدولة. الوثيقة التي خلّفت مواجهة علنية بين وزارة الأوقاف والأزهر، تتضمن 54 مسألة تتطلب التعامل معها على المدى القصير ونحو 270 على المدى البعيد.
وتدعو الوثيقة بما في ذلك "لتعزيز الوطنية والانتماء الوطني" و"التعرف على الأفكار المستنيرة" و"تصحيح المفاهيم الخاطئة"، أي، تلك التي تستخدمها الحركات المتشددة. كذلك أمر السيسي بتوحيد الخطب التي يتم إلقاؤها في المساجد، وهو الأمر الذي قوبل بجدار معارضة من قبل العلماء، الذين يعتبرونه مساسا بحرية الفكر الديني. ويرفض الأزهر تنفيذه.
إن آخر ما يحتاجه السيسي هو صراع قوة علني مع أهم مؤسسة دينية، لأن الأزهر جزء من الجهاز الحكومي، يتلقى غالبية ميزانيته من الدولة، ويقوم الرئيس بتعيين شيخه. الأهم من ذلك، الأزهر هو المؤسسة التي تمنح شرعيتها الدينية للرئيس والتي يحتاجها كي يُعتبر زعيما جديرا، لا يعمل ضد الدين.
الحديث يدور عن اعتماد متبادل، يتعرض للهجوم على يد علماء الشريعة والإفتاء ( ليس فقط من التيارات الأصولية)، الذين يعتبرونه استعبادا من قبل الدولة للدين وتبعية لزعيم سياسي يضطهد المؤمنين كالإخوان المسلمين.
على ما يبدو أيضا فإن المعركة الحالية لن تؤدي لشرخ تاريخي بين الرئيس والأزهر، لكن على كلا الجانبين الخروج منتصرا. ربما يستسلم السيسي للأزهر في مسألة قانون الطلاق، لكنه سيسعى للحصول منه في المقابل على "خطاب ديني" جديد وبراق، يمنحه الصلاحية الدينية للاستمرار في العمل ضد الإخوان المسلمين في الحرب التي تطورت منذ وقت إلى صراع ضد خصوم سياسيين، وليس فقط دينيين.