تقتصر على 4.5 % من سكان العالم.. الديمقراطية تحتضر
خلصت دراسات استقصائية أجرتها وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة الإيكونوميست إلى أن نحو 4.5 % من سكان العالم يعيشون فى أنظمة ديمقراطية تماماً بينما يعيش 45 % فى ظل ديمقراطيات مشوهة فى الوقت الذي يرزح فيه 33 % أخرين تحت وطأة أنظمة استبداية شمولية.
جاء ذلك في سياق مقال يحذر من أفول نجم الديمقراطية للبروفيسور جاسون برينان الأستاذ بجامعة جورج تاون" بموقع "أونلان أوبينيون" حول كتابه "مجابهة الديمقراطية ".
ويفتح برينان النار على أبرز العثرات التى تواجه الديمقراطية الحديثة.
وتابع: "علمتنا الحضارة اليونانية القديمة أن الديمقراطية هى النهج الأفضل الجدير بالاتباع فى العالم بأسره، لكن الحقيقة أن أنه من بين الدول العشرة الأقوى اقتصاديا في العالم، وفقا لمؤشر التنافسية العالمي، نجد أن هونج كونج وسنغافورة من البلدان التى لا تمتع بأوفر حظ لها من الديمقراطية".
واستطرد: " العالم أصبح أقل ديمقراطية مما كان عليه منذ 10 سنوات حتى أن البلدان التى تحسن أداؤها التنافسيّ الاقتصادي فى هذه الفترة هى فى الواقع أنظمة غير ديمقراطية".
أزمة الديمقراطية الحديثة تكمن فى جهل الناخب وقلة وعيه، بحسب برينان الذي صنف الناخبين إلى فئات ثلاث فئات: الأولى " الهوبيز" فى إشارة لشخصيات أدبية خيالية تجسدت فى سلالة شبيهة بالبشر جسدتها هوليود وهؤلاء لا يكترثون لمعرفة المزيد عن السياسة وبالتالى فهم يدلون بأصواتهم وسط غياب تام للوعى بدهاليز السياسة وأصولها.
أما أصحاب الفئة الثانية "الهوليجانز" فهم على شاكلة مشجعي الفرق الرياضية الذين يطبقون شعار انصر أخاك ظالما او مظلوما وهؤلاء يدفعهم الإخلاص والولاء للأحزاب إلى غض الطرف عن أداء الأحزاب أو أخطائها، وكذا عدم الالتفات لخططها المستقبلية.
واخيرا القسم الأخير من الناخبين وهى قلة تسترعى الانتباه وهى من تجيد التصرف بعقلانية والإدلاء بأصواتها على بصيرة ووعى كامل بخيوط اللعبة هذه الفئة أسماها برينان " الفولكانز" فى إشارة لشخصيات أسطورية تشبه الانسان الآلى حاولت الاعتماد على العقل والمنطق واقل قدر من العاطفة ظهرت فى أفلام ستار تريك الشهيرة.
ولسوء الحظ فإن نتائج العملية الديمقراطية لا تظهر فقط رأي الاغلبية لكنها أيضا تعبر عما يمكن أن تصير إليه الأمور وكيف يمكن أن تكون هذه الأصوات مضرّة للصالح العام حال هيمن صوت الغوغاء على رجاحة العقل.
وبالنظر إلى التظاهرات التي خرجت ضد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب فى الولايات المتحدة، يمكننا القول أن مثل هذه الاحتجاجات هى صوت القلة الواعية ضد الأكثرية من " الهوبيز والهوليجانز " المدافعين عن الديكاتورية.
ويوضح المقال أن الديمقراطية الحقة هى تلك القادرة على دمج كافة المعنيين فى صنع الخيار السياسي فى عملية صنع القرار لكنها لا تتواجد فى أى مكان.
وتساءل الكاتب عن اقتصار حق التصويت لمن هم فوق ال18 فقط، مضيفا أنه باعتبار أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا يقتصر أثرها فقط على المواطن الأمريكي بل قد يمتد ليشمل كل مواطن من سكان هذا العالم فلم لا يكون من حقنا أن نشارك فى اختيار كهذا.
ويبدو الأمر كما لو كان يستهدف معاقبة نعاقب الأجيال القادمة أو وضع حجر عثرة فى طريقهم ويمكن للمتابع أن يفطن الى ذلك إذا ما أعاد النظر فى كنه التصويت على سياسات وقوانين متعلقة بالتقاعد لأناس لم يولدوا بعد.
نفس الأمر يتعلق ب "البريكسيت " فالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو قرار عقلاني من قبل فئة مستنيرة واعية بالأمر لكنه فى الوقت ذاته يقوض فرص العديد من مواطنى المملكة المتحدة الراغبين فى الوصول للسوق الأوروبية لكن أحدا لم يسع للتباحث معهم فى الأمر .
وقد تفضي الديمقراطية أحيانا إلى لا شيء , وبقراءة جيدة حين أُجري استفتاء لعقد اتفاقية سلام مع الجيش الثوري الكولومبي ندرك أن البابا فرانسيس رجّح كفة " نعم " للاستفتاء وهو ما يعنى أنه لا بد أنه محق كونه فى الكنف الكهنوتى العقائدي لكن ما أفرزته نتائج التصويت كان مغايرا رغبة البابا فقد كان التصويت ب "لا " وهو ما رآه البعض أنه ناتجا خاطئا لان البابا لا يمكن أن يكون مخطئا.
الديمقراطية هى عملية صنع للقرار تسير على وتيرة هادئة ويعد النظام السويسري هو الافضل من حيث المشاركة والتمثيل الشعبي وتحظى القرارات هناك بالقبول كونها ديمقراطية مباشرة تطبق فى كل مكان ورغم ذلك فالكثير من الاتفاقات قد تحتاج متسعًا من الوقت كي تصبح حيز التنفيذ.
وخير مثال على هذا اعتزام السلطات الفرنسية والسويسرية إنشاء خط سكة حديدية يربط بين جنيف وفرنسا.
وتشير التقديرات إلى أن المشروع من المقرر أن يكتمل بحلول ديسمبر 2019 ورغم ذلك فالمشروع يعود تاريخه لعام 1850 وحتى أن أول لبنة وضعت لإنشائه كانت فى عام 1912.
تأخير هائل أحدثته صعوبة التوصل لإجماع من قبل الأطراف المعنية.
من المثير للاهتمام حول طبيعة الديمقراطية كونها تعنى إعادة التوزيع أو بعبارة أخرى حماية الطبقات الدنيا من تجاوزات وتعديات الأقلية الحاكمة لكن كلا من دورون اوسيموجلو وجيمس روبنسون قد أثبتا خطأ هذه الفرضية فى كتاب " الديمقراطية، إعادة التوزيع وعدم المساواة ".
الكتاب المذكور يتضمن دراسة مستفيضة شملت 100 دولة أشار إلى الديمقراطية لا تبدو ذات تأثير كبير على تفاوت الدخل بل على العكس فإن اللامساواة تتزايد فى ظل الديمقراطيات التى شهدت اقتصادياتها تحولات هيكلية كبيرة جراء وجود فجوة صغيرة نسبيا بين الطبقة الوسطى والفقراء.
وإذا ما سلّمنا بالإشكاليات الفادحة التى قد تنجم عن أية بدائل أخرى للديمقراطية فإن ذلك يعد انتصارا فى حد ذاته لمفهوم الديمقراطية.
وعلى الأغلب، لا يخضع الطغاة للمساءلة فيما يتعلق بصالح العام وهو طبيعة الحال فى بلدان كالمملكة العربية السعودية والصين بحسب الكاتب.
ربما أن بديل الديمقراطية هى الأنظمة الفاسدة لكن هذا ليس هو الحال الدائما فمؤشر التنافسية لعام 2016 يخبرنا أن أكثر الاقتصاديات العشرة في مؤشر التنافسية هي في الواقع دول ديمقراطية.