المخابرات والرئاسة في أمريكا.. محاولة للفهم

كتب: إكرام يوسف

فى: صحافة أجنبية

20:39 01 مايو 2017

على الرغم من أن المسرح العالمي يتهيأ لعصر التعددية القطبية الذي بشر به علماء السياسة منذ عقدين، وتظهر إرهاصاته من حين لآخر، إلا أن الواقع مازال يؤكد تفرد الولايات المتحدة بموقع القوة العظمى حتى الآن.

 

ومازال ساكن البيت الأبيض يتمتع بنفوذ الرجل الأكبر، الذي يملك في يديه مفاتيح حل أو تعقيد معظم المشكلات الدولية، ولا شك أن هناك أدوات وآليات تدعم قوته ومكانته من أهمها أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

 

في محاولة لشرح العلاقة بين الرئاسة والمخابرات في الولايات المتحدة، كتبت جيمي ميسكيك نائبة المدير السابق للاستخبارات في وكالة المخابرات المركزية، ورئيسة المجلس الاستشاري للشئون الخارجية، دعت فيه الإدارة الأمريكية إلى مراعاة المكانة الخاصة لمجتمع الاستخبارات الأمريكي، باعتباره متخصصا وغير مسيس.

 

وأكدت في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز، أن رؤساء الولايات المتحدة وكبار صانعي السياسات فيها، كثيرا ما يتولون مهامهم، وهم لا يعرفون سوى القليل عن الوكالات والمكاتب الفيدرالية الـ 17 التي تشكل مجتمع الاستخبارات الأمريكي، ولكنهم يعتمدون اعتمادا كبيرا على تكنولوجياتها الفريدة وأعمالها وتحليلات الخبراء العاملين.

 

وتتمثل مهمة مجتمع الاستخبارات في تزويد القادة بأفضل المعلومات المتاحة في الوقت المناسب بشأن الشئون العالمية وقضايا الأمن القومي - وهي معلومات يمكن أن تساعد بدورها القادة على تحقيق أهداف سياستهم الخارجية.

 

وتصف رئيس الدولة بأنه أكبر مستهلك لخدمات الاستخبارات في البلاد، والشخص الوحيد الذي يمكن أن يأذن بعمل سري، وربما يصعب تقدير ثمن الخدمات التي يتلقاها من أجهزة الاستخبارات، وتوفير الإنذار المبكر عن المتاعب وقت اختارها، وتحديد وتعطيل التهديدات قبل أن تتحقق، وامتلاك القدرة على تقييم القادة الأجانب، والتأثير سرا على التطورات في الخارج. ولا شك أن كلا من منتجي خدمات الاستخبارات ومستهلكيها منهم يحتاج إلى فهم وثقة الآخر، من أجل تحقيق النجاح.

 

معلومات، لا سياسة

 

وتدحض ميسيك التصور الشائع الخاطئ حول أن مجتمع الاستخبارات يصنع السياسة. وتستشهد بقول ألين دولس، مدير المخابرات المركزية في الفترة من 1953 إلى 1961: "المخابرات خادمة السياسة الخارجية وليست مخدومتها". حيث تبحث الإدارة الجديدة ما تدافع عنه وما تأمل في تحقيقه، وتصيغه، وتضع السياسات والأولويات الإعلامية، ثم توظف موارد مجتمع الاستخبارات على أساس تلك الأولويات.

 

وبعبارة أخرى، لا يمكن لمجتمع الاستخبارات أن يعمل في فراغ. يجب توجيهه إلى ما يبحث عنه، وما هو الأكثر أهمية. ولا بد من ضبط مهمة البيت الأبيض؛ فلا يمكن أن تكون الأولوية لكل شيء. فضلا عن ضرورة أن يظل مشاركا وأن يعمل على تحديث تفكيره.

 

ومع مرور الوقت، سوف تتزايد أهمية بعض القضايا وتتراجع أهمية قضايا أخرى. ولا شك أن مجتمع الاستخبارات سوف يبذل كل ما في وسعه للاستجابة على النحو الملائم للتغيرات العالمية وابتكار طرق تحقيق التوازن بين الطلبات المتنافسة. غير أن المبادلات كثيرا ما لا يلاحظها كبار واضعي السياسات حتى تتكشف الأزمة عن أوجه قصور في جمع المعلومات الاستخبارية.

 

ويتعين على مجتمع الاستخبارات الوصول بشكل وثيق ومنتظم إلى جميع كبار صناع السياسة الأمنية، بمن فيهم الرئيس ونائب الرئيس ووزير الخارجية ووزير الدفاع وسكرتير الأمن الداخلي ومستشار الأمن القومي.

 

وإذا لم يعرف منتجو الخدمات الاستخباراتية حالة العمليات والمفاوضات الجارية ، لن يكون انتاجهم ملبيا لاحتياجات المستهلكين، وسوف يتم التخلص منهم،كما أن نافذة السياسة لا تفتح إلا لفترة وجيزة. حيث أن توجيه الإنذار على نحو مبكر للغاية، سيؤدي إلى تجاهله، أما لو تأخر التنبيه عن اللازم، فستكون مخاطرة، ربما تجعل من صاحبها عبرة لمن يعتبر .

 

ومن ثم، يحتاج منتجو الخدمات الاستخباراتية ومستهلكوها، إلى إقامة علاقة عمل جيدة قبل وقت طويل من نشوب الأزمة.

 

ويمكن أن تساعد الاتصالات الشخصية والإحاطات المنتظمة على بناء الثقة والتفاهم المتبادل. وتعتبر فترات عدم وجود الأزمات، فرصا للعمل على العلاقة والاستعداد للمستقبل، لأنه عندما تنشب الأزمة، لن يكون هناك وقت للتدريب أثناء العمل على كيفية استخدام الأصول الاستخباراتية بسرعة على أفضل وجه.

 

ويجب أن تكون علاقة مجتمع الاستخبارات مع كبار صناع القرار قوية وموثوق بها، وإلا فإن أي طرف لن يكون قادرا على القيام بعمله بشكل جيد.

 

وفي الوقت نفسه، يجب على المهنيين في مجال الاستخبارات الحرص على عدم الانخراط في المناقشات السياسية أو السياسة الحزبية. وإذا طلب رئيس أو أحد أعضاء مجلس الوزراء من ضباط الاستخبارات الحصول على رأي بشأن السياسة، ينبغي أن يرفض الضباط إعطائها، لأن ذلك ليس اختصاصهم؛ فهم لا يصنعون السياسة. ويؤكد تدريب وثقافة ضباط المخابرات هذه الروح.

 

وتوضح نائبة المدير السابق للاستخبارات، أن نظام الحكم الأمريكي يتطلب من الرئيس الجديد أن يضع ثقته الكاملة في مجتمع الاستخبارات الذي خدم سلفه بإخلاص، حتى مجيئه.

 

وسيكون هناك الكثير من المطلوب معرفته، خاصة إذا کانت خبرة كبار رجال الإدارة محدودة في مجتمع الاستخبارات. وهناك احتمال كبير لغياب الثقة، ولكن ضباط المخابرات موالون وجديرون بالثقة، وملتزمون بخدمة الرئاسة. وهم يخدمون دون اعتبار للانتماء السياسي ويتم تدريبهم على تقديم خدماتهم من دون جداول أعمال شخصية أو سياسية.

 

وتحكي ميسيك أن مسئولا سابقا في البيت الأبيض، سأل عقب قراءته تقريرا لأحد ضباط وكالة الاستخبارات الأمريكية: "هل هو جمهوري او ديموقراطي؟" ولم يكن مقدم التقرير يعرف الإجابة، ولا شك أنه مثل معظم زملائه وجد السؤال بغيضا.

 

ومن ثم تنصح الكاتبة الإدارة الجديدة بعدم طرح افتراضات حول الميول السياسية لمجتمع الاستخبارات أو تخمين اتجاهات تصويت ضباط الاستخبارات.

 

فخلافا للدوائر الحكومية الأخرى في الولايات المتحدة ـ حيث يوجد عدد كبير من المعينين لأسا سياسية ـ يتكون معظم مجتمع الاستخبارات من المهنيين الذين خدموا في ظل كل من الإدارة الديمقراطية والجمهوري.

 

وكان الهدف الكامل لقانون الأمن القومي لعام 1947، الذي يقنن الترتيبات الحكومية الحديثة، تعزيز مجتمع مهني للأمن القومي تم تطعيمه ضد السياسة الحزبية. وهذا هو السبب في تخوفات الرأي العام عند إضافة مستشار سياسي إلى لجنة مديري مجلس الأمن الوطني.

 

فعندما يقدم ضباط المخابرات تقارير لكبار صانعي السياسات، فإنهم يؤدون مهمة، ليس من أجل اكتساب محبة أحد، أو تسجيل نقاط سياسية. وفي كثير من الأحيان، تكون المهمة إبلاغ صناع القرار ما لا يريدون سماعه.

 

ويعمل كبار المسئولين الإداريين لخدمة سياسات إدارتهم، بعكس ضباط المخابرات. ويعتبر جوهر عقيدة مجتمع الاستخبارات إبلاغ الحقيقة للسلطة، ويعتبر من يؤدون ذلك بإخلاص، أبطال المهنة.

 

توقعات رائعة

 

ومع بداية عمل إدارة جديدة، ينبغي أن يكون لدى صناع السياسات توقعات واقعية بشأن ما يمكن لأجهزة الاستخبارات عمله وما لا تستطيع القيام به.

 

ويفترض الكثيرون أن مجتمع الاستخبارات يحاول التنبؤ بالمستقبل، وهذا غير صحيح. حيث یقدم ضباط الاستخبارات المعلومات الاستخباراتیة التي تم جمعھا، ويتولون تقییمھا وتقییم الإجراءات والنتائج المحتملة. ويتوقعون حدوث طوارئ محتملة ويحذرون من مخاطر محتملة، ولكنهم لا يحاولون التنبؤ بالنتائج.

 

وتشبه ميسيك العلاقة بين ضباط المخابرات وصناع السياسات بالعلاقة بين فريق الكشافة والمدربين. حيث يكون الكشاف مسئولا عن دراسة نقاط القوة والضعف، واتجاهات الفريق الآخر.

 

وتتمثل المهمة الكشفية في توفير البيانات والمعلومات حول المعارضة. ومن خلال هذه المعلومات، يمكن للمدرب أن يقرر كيفية تنظيم الفريق ومهماته.

 

ويهدف الكشاف إلى مساعدة المدرب على الفوز، ولكن ليس هناك من يتوقع صحة تنبؤ الكشاف بالنتيجة النهائية قبل بدء المباراة.

 

ويجب على واضعي السياسات الجدد للحكومة أن يفهموا أن المعلومات الاستخباراتية تعمل في عالم من عدم اليقين والحقائق المتغيرة. وكما أشار كلاوسفيتز، "العديد من تقارير الاستخبارات في الحرب متناقضة؛ حتى أكثرها كاذبة، ومعظمها غير مؤكد. . . . وباختصار، فإن معظم المعلومات الاستخبارية غير صحيحة ". وفي كثير من الأحيان، لا يزال هذا صحيحا اليوم. ولكن كاذبة أو غير صحيحة لا يعني أنها وهمية، ولا يعني بالضرورة الفشل.

 

ويضطر ضباط الاستخبارات للتعامل مع جزئيات من المعلومات، وبعض المصادر  تبلغ بصدق المعلومات غير الدقيقة التي يعتقدون ـ خطأ ـ أنها صحيحة، ومصادر أخرى تحاول عمدا التضليل والخداع. فضلا عن أن المعلومات الاستخبارية تراكمية، وقد تكون التقارير السابقة أقل دقة من التقارير اللاحقة.

 

ومع جمع المزيد من المعلومات الاستخبارية، يمكن للمحللين أن يرفضوا بعض التقارير التي كانوا قد حصلوا عليها من قبل. هذه الديناميكية الطبيعية والصحيحة لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها بلا طائل.

 

وعندما يدرك المجتمع الاستخباراتي على خطأ، يجب أن يعالج أخطاءه. فهؤلاء المهنيون مدينون للبلد، والرئيس، وأنفسهم بفهم ما حدث من خطأ، ولماذا، وما هي التدابير التي اتخذت لضمان عدم تكرار نفس الأخطاء.

 

وتقول النائبة السابقة لمدير المخابرات المركزية، أن هذا بالضبط ما رأت أن وكالة المخابرات المركزية كانت تحتاجه، في أعقاب غزو العراق في عام 2003، عندما لم يتم العثور على مخزونات من أسلحة الدمار الشامل، بما يخالف تماما تقديرات النقابة.

 

وتقول إنها شكلت فريقا خاصا لمعرفة مدى الخطأ، وبعد ذلك، أمرت بتوقف جميع المحللين في وكالة المخابرات المركزية فترة عن العمل لنقل الدروس المستفادة إلى الجميع، وليس فقط أولئك الذين عملوا في العراق. ففي ثقافة الأسرار، التغطية على المشكلات بأمل عدم اكتشاف الأخطاء. ويتحتم على قيادة مجتمع الاستخبارات مساءلة ضباطه والمطالبة بالاعتراف بالأخطاء وتحليلها وتصحيحها.

 

وتؤكد ميسيك على ضرورة أن يكون صانعو السياسات قادرين على التشكيك بقوة في الأحكام التحليلية والتقارير الأولية من دون اتهامهم بتسييس المعلومات الاستخبارية. ولا يمكن أن يحدث تسييس إلا عندما يغير متخصصو الاستخبارات النتائج التي توصلوا إليها، تلبية لرغبات صناع السياسات.

 

وينبغي الترحيب بالاستجواب العدواني في الواقع لأنه يجبر المحللين على الدفاع عن منطقهم ويؤدي إلى فهم أعمق للتقارير الأولية التي تستند إليها أحكامهم. ويحتاج واضعو السياسات إلى فهم ليس فقط ما يعرفه مجتمع الاستخبارات ولكن أيضا ما لا يعرفه. وتوضح أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي، بعد التعرف على الأخطاء التي ارتكبت حول العراق، يبحث الآن ـ بعناية ـ مستوى الثقة الذي يضعه في الأحكام التي يصدرها.

 

وينبغي علی صناع السياسات أيضا أن يبحثوا ـ بشكل مفصل ـ ما الذي يمكن أن یتسبب في تغییر ھذه الأحكام، والعوامل المؤثرة حقا التي یستند إلیھا کل حكم في الاستخبارات.

 

وأحبانا ما يبالغ صانعو السياسات ف تقديراتهم، ويحاولون تخويف المحللين لتغيير أو تظليل أحكامهم بما يتناسب مع هدف سياسي. وعندما لا ينجح ذلك، يلجأ البعض إلى إنشاء أجهزة الاستخبارات الخاصة بهم، كما فعل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز في إنشاء مكتب الخطط الخاصة في البنتاجون في الفترة السابقة لحرب العراق لإيجاد صلات بين صدام حسين وتنظيم القاعدة.

 

لكن صناع السياسة لا يستطيعون تسييس المتخصصين في مجال الاستخبارات الذين يرفضون الانصياع لهم.

 

عمل محفوف بالمخاطر

 

يتعين على رجال المخابرات، حتى يحققوا النجاح، مواجهة مخاطر  لا يمكن تصورها، والتغلب على عقبات لا يمن تصورها، لمجرد لجمع شذرات صغيرة ولكنها حاسمة من قصة غير معروفة.

 

ولا ينبغي أن يهون الرئيس أو كبار واضعي السياسات من شأن الخدمة الوطنية الأساسية التي يقدمونها.

 

وعلى الرغم من أن النصب التذكاري لهيئة المخابرات المركزية يكرم 117 ضابطا توفوا أثناء أداء الواجب. وكما قال جورج تينيت، مدير المخابرات المركزية السابق، فإن عائلاتهم وزملائهم يجب أن يكون لديهم "شجاعة تحمل الحزن الشديد في صمت".

 

وينبغي احترام خدماتهم وخدمات الضباط الذين مازالوا في الخدمة حاليا. وعند استخدام المعلومات الاستخباراتية، يجب أن يكون صناع القرار ممن يقبلون المخاطرة على نحو مختلف. فربما يتخذون قرارا استنادا إلى معلومات استخباراتية تبين أنها مخطئة.

 

وربما تفشل عملية سرية اعتمدتها الرئاسة، مما يؤدي إلى وفيات أو حرج أو انتقام. وربما يعلم الزعيم الأجنبي أن المخابرات الأمريكية تقوم بمراقبة مكالماته الهاتفية.

 

وكما يوقع ممارسو رياضة التزلج تنازلا، عند استئجار المعدات، يبدأ بعبارة "التزلج رياضة خطرة بطبيعتها"، ينبغي أن يوقع صناع السياسة الأمنية عقليا تنازلا مماثلا، ويسألون أنفسهم، في الواقع: "ما هي المخاطر التي نرغب في خوضها؟ "

 

وفي مواجهة تعقيدات الأزمات الدولية، كثيرا ما يلجأ الرؤساء إلى خيار العمل السري. وكما وصفها هنري كيسنجر: "نحن بحاجة إلى مجتمع استخباراتي يستطيع في بعض الحالات المعقدة الدفاع عن المصلحة الوطنية الأمريكية في المناطق الرمادية التي لا تكون فيها العمليات العسكرية مناسبة، ولا يمكن للدبلوماسية أن تعمل".

 

ويمكن أن تتراوح التدابير السرية بين الدعاية والتخطيط لانقلاب والعمليات شبه العسكرية. وإذا استخدمت هذه التدابير بحكمة، يمكن أن تكون أداة فعالة للسياسة الخارجية، ولكنها لا يمكن أن تفيد في عدم امتلاك سياسة أولا.

 

 

وتشكل التدابير السرية ثلاثة مخاطر بالنسبة لصانعي السياسات: الانكشاف، والفشل، والعواقب غير المقصودة. وكانت وكالة المخابرات المركزية، تحتكر العمل السري تقليديا، حيث كانت العمليات تتطلب توقيع الرئيس شخصيا وإخطار الكونجرس في الوقت المناسب. في السنوات الأخيرة، وتحت ستار حماية القوات أو إعداد ساحة المعركة، تولى الجيش الأمريكي أنشطة الاستخبارات في الخارج التي كانت ستحتاج إذنا بالعمل السري في حال قامت بها وكالة المخابرات المركزية.

 

وعلى واضعي السياسات الجدد الذين لديهم الترخيص المناسب ، تفهم مدى هذا النشاط والمخاطر المحتملة الناجمة عنه.

 

ولا شك أن واضعي السياسات ومجتمع الاستخبارات مسئولون أمام الشعب الأمريكي، ولكن ضمان هذه المساءلة قد يكون صعبا. ويدرك الجمهور أن مجتمع الاستخبارات يجب أن يحافظ على الأسرار، ولكن الإفراط في السرية يمكن أن يثير المخاوف بشأن زيادة سطوة الحكومة.

 

وفي هذه الأيام، ليس من الواضح دائما أين ينتهي التهديد الأجنبي ويبدأ التهديد المحلي، وتحتاج الوكالات الحكومية إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية من أجل منع الكوارث. ومع ذلك، ونظرا لقوة وقدرة الولايات المتحدة على اعتراض الاتصالات، تثار مخاوف مشروعة بشأن الحريات المدنية والخصوصية.

 

وبطبيعة الحال، فإن الحوار والنقاش الصحيين حول هذه القضايا ضروري وحكيم. ولا يتجاهل مجتمع الاستخبارات هذه المخاوف، ولكنه غالبا ما يريد معالجة التوتر بين جمع المعلومات والحماية في القنوات المصنفة مثل محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية أو مجلس الأمن القومي أو لجان مراقبة الاستخبارات التابعة للكونجرس.

 

ولكن المهتمين بالحريات المدنية يريدون معالجة هذه القضايا علنا. ومع ذلك يتحقق التوازن، حيث ينبغي أن يكون الشعب الأمريكي واثقا من أن الضوابط الداخلية ملائمة وأن الرقابة الخارجية لديها رؤية فعالة.


توجيه إلى الأمام

 

وتنبه ميسيك إلى أن مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، يستلزم من مجتمع الاستخبارات الأمريكي الابتكار، والابتكار باستمرار. وتشير إلى أن الإدارة الجديدة يمكن أن تجلب منظورا جديدا بشأن أفضل السبل لتنظيم وتحديث المجتمع، كما تدعو المتخصصين في مجال الاستخبارات إلى تبني التغيير الإيجابي والترحيب به.

 

وعلى فريق الأمن القومي الجديد تحقيق التوازن بين الرغبة في التغيير، والتغيير المحتمل الذي قد يطرأ على مهمة الاستخبارات. وعلى الرغم من أن التوقف المؤقت عن العمل يمكن أن تكون نتائجه إيجابية في مجال التكنولوجيا والأعمال، إل أنه قد يسبب مخاطر حقيقية في مجتمع الاستخبارات.

 

وتكشف الكاتبة أن العلاقات المستقبلية بين منتجي خدمات الاستخبارات والمستهلكين في واشنطن مازالت غير مؤكدة. ومن شأن خطورة وثقل القرارات التي يتخذها الرئيس وحده، أن تحدث تغييرا في المناصب.

 

ومع تعقيد التحديات الدولية التي تواجه الولايات المتحدة، فإن الذكاء في التعامل مع تلك التحديات قد يدفع كبار مسئولي الإدارة إلى الاعتماد بشكل أكبر على مجتمع الاستخبارات.

 

ولكن لا ينبغي المغالاة في علاقة مجتمع الاستخبارات بالرئيس شخصيا، فإذا كانت المصادر البشرية لا تعتقد أن ذكائها سوف يحدث فرقا، فإنها قد لا تهتم بالحصول على فرصة أخرى للالتقاء مع طالب الخدمة .

 

وإذا اعتقدت أجهزة المخابرات الأجنبية الصديقة أن المعلومات الأكثر حساسية يمكن تسريبها للجمهور كجزء من تسوية سياسية، سوف تحجم عن المشاركة. ويجب أن يكون قادة مجتمع الاستخبارات قادرين على دخول مكتب الرئيس في أي وقت وأن يتم استقبالهم علنا وبصورة مهنية.

اعلان