عباس يواجه تداعيات المعركة بين فتح والجهاد
في 11 ابريل اندلعت اشتباكات مسلحة بين جنود فتح والجهاديين فى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين فى لبنان.
ولم يلق الحادث الذي أسفر عن مصرع عشرة أشخاص وإصابة حوالى 50 شخصا، اهتماما إعلاميا يذكر في المنطقة أو الولايات المتحدة.
ويرجع المراقبون ذلك جزئيا إلى أن الاقتتال الداخلي في المخيم كان سائدا منذ إنشائه في عام 1948، بعد النكبة.
غير أن المعركة الأخيرة، التي استمرت خمسة أيام، لم تكن بشأن الصراع المعتاد على من يسيطر على جزء من هذه المنطقة المدمرة والمنكوبة. ولكنها معركة ذات آثار خطيرة على مستقبل فتح بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ـ كحزب سياسي خارج فلسطين، وعلى مستقبل التطرف السني في لبنان.
ويقول بلال صعب مدير مبادرة السلام والأمن في الشرق الأوسط، التابعة للمجلس الأطلسي للأمن الدولي، إن السبب المباشر لإطلاق النار أقل أهمية من الدافع وراءه؛ وهو تزايد نفوذ جماعة متطرفة دخل المخيم، بقيادة بلال بدر، غير المعروف خلفية أو أيديولوجيته أو أهدافه.
فعلى الرغم من صغر سنه (يعتقد أنه في أواخر العشرينيات)، ترددت في جميع أنحاء المخيم، أصداء سمعته كمقاتل راديكالي وكفؤ لا يهاب شيئا. وتبحث السلطات اللبنانية عنه لمهاجمة نقاط تفتيش الجيش عدة مرات، كما تطارده فتح بسبب اغتيال بعض قادتها والتآمر ضد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان.
ويشتبه أيضا في أنه شارك في معركة نهر البارد عام 2007 بين الجيش اللبناني وقاعدة فتح الإسلام المرتبطة بشبكة القاعدة في شمال البلاد، مما أدى إلى تدمير مخيم اللاجئين وهزيمة الجماعة الإرهابية.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح الجهة التي يدعمها بدر أو يمثلها حاليا (سواء كان تنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة أو جند الشام أو فتح الإسلام أو كتائب عبد الله عزام)، فمن المؤكد أنه ينتمي إلى التطرف السني، في لبنان وسوريا، حيث يفترض أنه حارب ضد قوات الرئيس بشار الأسد.
و قد نشرت فتح قوة أمنية مشتركة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى للقضاء على تهديد جماعة بدر ـ التي يبلغ عدد أفرادها نحو 25 شخصا ـ والحفاظ على السلام النسبي في عين الحلوة.
ورفض بدر الاستسلام، وحصن موقعه بمدافع رشاشة وصواريخ وقذائف هاون في حي صغير في المخيم يدعى الطيرة. وتبع ذلك حالة من الجمود أدت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
لكن فتح كانت تصر على أن يسلم بدر نفسه أو يواجه الموت.
ويؤكد صعب، في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز، أنه ليس من المعروف ما إذا كان بدر قد هرب أو لا يزال يقيم في المخيم، يحميه المتعاونون أو المتعاطفون معه.
وبصرف النظر عما يحدث لبدر، ينبغي أن تخرج فتح من هذه المعركة منتصرة ، على الأقل رمزيا، لأن تصور بقاء بدر وتحديه يمكن أن يشجع الجهاديين الذين يقاتلون في سوريا على اعتبار لبنان - عين الحلوة على وجه التحديد – المعقل التالي في حال سقوط الرقة.
ويوضح صعب أن عين الحلوة- التي ربما يكون الخيار الوحيد لتنظيم داعش وتنظيم القاعدة لأن الحدود اللبنانية الشمالية، حاول المتطرفون السنة تاريخيا تكريس وجودهم فيها لكنهم فشلوا - تتمتع بحماية جيدة نسبيا من حزب الله والجيش اللبناني المجهز على أيدي الولايات المتحدة.
وقد لا يكون ذلك خيارا سيئا، نظرا لأن المخيم غير آمن، ويقع اسميا خارج نطاق اختصاص هيئات إنفاذ القانون اللبنانية، وكان دائما بؤرة للتطرف الإسلامي.
وعقب انتخاب ميشال عون رئيس الحركة الوطنية الحرة رئيسا للبلاد فى أكتوبر من العام الماضى زار الرئيس الفلسطينى محمود عباس بيروت لتهنئة الزعيم الجديد. لكنه أحضر معه رئيس المخابرات، ماجد فرج، لتحذير عون من أن حي عين الحلوة سيشبه قريبا مخيم اليرموك في سوريا، حيث يتنافس تنظيم داعش والقاعدة على النفوذ.
بل أن فرج اتفق مع نظرائه اللبنانيين على أن عين الحلوة أصبح مركزا إقليميا لتنسيق عمل الجماعات التابعة لداعش في سيناء ( مصر)، والرقة (سوريا)، وعرسال والقلمون ( لبنان).
ويؤكد الكاتب أنه من الصعب التحقق من أي من هذه الادعاءات، ولكن عين الحلوة كان دائما مصدر قلق أمني، ويبدو أن المخاوف آخذة في الازدياد، بالنظر إلى التساؤلات المشروعة والضرورية حول مستقبل داعش بعد العراق وسوريا.
ولكي تحافظ حركة فتح على مجال نفوذها وسمعتها باعتبارها مركز قوة أمنيا في المخيم، فإنها تحتاج معلومات موثوقة لما حدث مع بدر؛ وإلا فإن جهات مختلفة ـ من بينها الحكومة اللبنانية والإسرائيليون ستعتبر فتح غير قادرة على محاربة الإرهاب.
وربما تكون المعركة وقعت في لبنان، ولكن لها بالفعل آثار مضاعفة داخل فلسطين، وعلى وجه التحديد على المنافسة الشرسة بين فتح ومنافستها الرئيسية، حماس، التي لا تزال تنافس على تمثيل الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة.