هل تتحمل حماس تكلفة إنهاء عزل غزة؟

كتب: إكرام يوسف

فى: صحافة أجنبية

17:36 08 مايو 2017

أثار إعلان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـحركة حماس، الوثيقة السياسية الجديدة للحركة، والتي حملت عنوان:" وثيقة المبادئ والسياسات العامة" ردود فعل متباينة في الداخل والخارج الفلسطيني.

 

واهتم المراقبون على نحو خاص بنص الوثيقة على "إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967  باعتبارها المرة الأولى التي تقر فيها الحركة بإسرائيل ما قبل 67.

 

وكتب خالد حروب أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة نورث ويسترن، والباحث في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة كامبريدج، تحليلا نشره موقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" يكشف فيه المأزق الذي يهدد بقاء حركة المقاومة الإسلامية، ويضطرها إلى اللجوء لخيارات صعبة، من أجل مواصلة سيطرتها على قطاع غزة.

 

ففي سبتمبر 2015، توقعت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن يصبح قطاع غزة "غير صالح للسكن" بحلول عام 2020. وترجع هذه الحقيقة المروعة التي تواجه نحو مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع، إلى عوامل خارجية وداخلية على حد سواء.

 

فعلى الصعيد الخارجي، دمرت الحروب الإسرائيلية المتعاقبة في الفترة 2008-2009 و 2012 و 2014 الجوانب الأساسية للحياة اليومية في غزة. وسبق هذه الحروب وأعقبها الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته إسرائيل، ثم مصر.

 

ويعتبر حروب الأوسط، أن الحصار واحد من أقسى نظم العقاب الجماعي في العصر الحديث، حيث حد من تدفق السلع الأساسية إلى غزة، وأحبط الجهود الإنسانية، وشل حركة الناس داخليا وخارجيا، وتأثرت قطاعات الخدمات؛ من الرعاية الصحية إلى التعليم.

 

وعلى الصعيد الداخلي، تواصل حماس، ممارسة سلطة مستقرة، وقمع جميع الأطراف السياسية الأخرى وفرض حكم سياسي - ديني. منذ تأسيسها في عام 1987.

 

وصورت الحركة نفسها للفلسطينيين والجمهور العربي في المنطقة ككل اعتبارها منظمة مقاومة رئيسية ضد إسرائيل؛ وحاولت تمييز نفسها عما وصفته بأنه فشل الجماعات الفلسطينية العلمانية.

 

وبذلك نجحت في تجميع أموال سياسية هائلة. وفي عام 2006، فازت حماس بانتخابات حرة ونزيهة للمجلس التشريعي الفلسطيني ـ البرلمان المسئول عن مراقبة الحكومة الفلسطينية وفقا لاتفاقات أوسلو لعام 1993ـ على الرغم من ضعف سلطتها فعليا.

 

ورافق انتصار حماس وما أعقبه من توليها السلطة لفترة قصيرة، تصاعد التوتر بين المنظمة وغريمتها المهزومة، فتح، التي كانت تسيطر على السلطة الفلسطينية منذ 1993.

 

وتفاقمت التوترات بين المجموعتين في 2007 عندما كانت مسلحة اندلعت اشتباكات في غزة، مما دفع حماس إلى إنهاء فتح والوجود الرسمي للسلطة الفلسطينية هناك، والسيطرة الفعلية على القطاع.

 

وبالتوازي مع ذلك، أنهت فتح، التي استولت على السلطة نفسها في الضفة الغربية على الرغم من نتائج الانتخابات، أنهت وجود حماس الرسمي هناك.

 

وبعد نحو تسع سنوات، انقسم الفلسطينيون من النواحي الجغرافية والديموجرافية والشرعية والنظام السياسي بين منطقتين منفصلتين: قطاع غزة، تحت سيطرة حماس وقيادتها، والضفة الغربية، بقيادة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.

 

ويرى محللون أن استيلاء حماس على السلطة في غزة، أدى إلى تحالف مضاد فوري وفعلي يضم السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر - بموافقة ضمنية من بلدان أخرى في المنطقة مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة - تتمتع بدعم قوي من الولايات المتحدة، وبدرجة أقل من الاتحاد الأوروبي.

 

ويقول خالد حروب، أن حماس تبنت موقفا أكثر تشددا، ورسخت وجودها بقوة في غزة، في مواجهة محاولات هؤلاء اللاعبين إزاحتها من السلطة. واعتمدت استراتيجيتها للدفاع عن نفسها إلى حد كبير على تقوية جيشها في الوقت الذي تدمج فيه نفسها في حياة سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، مما يجعل سكان غزة يتحملون تكلفة أي جهد لإخراجها من السلطة.

 

وكان لهذا الأمر انعكاسات هائلة على سكان غزة، حيث اعتبر البعض في العالم الخارجي، أن حماس وغزة مترادفين تقريبا.

 

ويشير حروب إلى أن خصوم حماس الخارجيين، ركزوا ـ في محاولة لإسقاطها ـ على استفزاز الفلسطينيين في غزة للثورة ضد حكمها.

 

وعلى الرغم من التكلفة الباهظة لنجاح حماس في البقاء في السلطة لمدة تسع سنوات، على حساب انخفاض شعبيتها، إلا أن المحاولات الخارجية للإطاحة بحكمها فشلت، مع إلحاق ضرر بالغ بشعب غزة.

 

فقد دفع سكان القطاع بشكل جماعي أعلى سعر: من ناحية، بسب السياسات اللاإنسانية والحروب والحصار الوحشي من قبل اللاعبين الخارجيين؛ ومن ناحية أخرى، تعتيم سياسة حماس واستراتيجيتها العسكرية وعدم قابليتها للتطبيق العملي.

 

ويعتبر حروب آن يقظة حماس وقبضتها القوية على غزة تعمل كجدار حماية ضد ظهور جماعات أخرى قد تكون أكثر تطرفا. ويحذر من أن انهيارها قد يؤدي إلى تفتيت قواتها العسكرية إلى ميليشيات غير محكومة، من شأنها أن تمتد إلى إسرائيل وسيناء ومصر.

 

وفي ظل صعود النفوذ الكاسح لتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في المنطقة، فإن الظروف الكئيبة في غزة توفر مناخا مؤاتيا لتجنيد الجماعات الجهادية العنيفة. وبالتالي، فإن دوائر الأمن الإسرائيلية والمصرية والغربية تعترف بشكل متزايد بل وتقدر أن حماس تمثل رقابة ضرورية على ظهور جماعات أكثر تطرفا.

 

غير أن الحركة، تجد نفسها في طريق مسدود باعتبارها السلطة السياسية الرئيسية في غزة. وعلى الصعيد المحلي، أدت الظروف المعيشية القاسية الناجمة عن الحصار إلى زيادة الضغط على الجماعة.

 

والواقع أن الوضع في غزة يقترب بسرعة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الكامل، وخاصة منذ سبتمبر 2015، عندما دمر الجيش المصري العديد من الأنفاق تحت الأرض التي تدار من غزة إلى سيناء، وهي بمثابة شريان الحياة الاقتصادي لغزة وشعبها.

 

ومما زاد الوضع سوءا أن مالية حماس عانت بشكل كبير منذ أن خفضت إيران دعمها المالي لها في 2012 بعد أن رفضت دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الأيام الأولى للحرب الأهلية في ذلك البلد. وأدى النقص الناتج في الميزانية إلى شلل يد حماس ومحدودية خياراتها.

 

وبعد فترة الراحة القصيرة التي استمعت إليها حماس خلال حكم الإخوان المسلمين مصر في الفترة من 2011 إلى 2013 ، عانت الاختناق شبه الكامل في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يعتبر الإخوان المسلمين وجميع الجماعات التابعة لها، بما في ذلك حماس، العدو الأول للقاهرة.

 

ويقدم حلفاء الجماعة في الخليج، لا سيما قطر، حيث انتقل مقر الجماعة وقيادتها إليها، بعد رحيلهم عن سوريا في 2012، تعويضا جزئيا فقط عن الخسائر التي واجهتها بعد تمزق العلاقات مع سوريا وإيران. فضلا عن أن القادة السياسيين في الرياض والدوحة صاروا يولون حماس أولوية أقل، حيث تشارك قواتهم بشكل كامل في الحرب في اليمن.

 

وكان يبدو أن تركيا على استعداد لسد هذه الفجوة كقوة إقليمية تدعم بقوة حركة حماس، خاصة في أعقاب الغارة الإسرائيلية عام 2010 على أسطول إنساني نظمته منظمة تركية وتحمل إمدادات المساعدات إلى غزة في محاولة لكسر الحصار.

 

وردا على ذلك، استدعت أنقرة سفيرها، واشترطت إنهاء الحصار المفروض على غزة، لاستئناف العلاقات الطبيعية مع إسرائيل. غير أنه في عام 2015، تردد أن هذا الشرط تم حذفه من جدول أعمال محادثات التطبيع، التي كانت في أوجها.

 

وفي الآونة الأخيرة، انشغلت أنقرة بهمومها الأمنية الوطنية في مواجهة الهجمات الإرهابية المتكررة من قبل الإسلاميين المتطرفين والأكراد، وأولت اهتماما أقل لحركة حماس.

 

ويضاعف الأمن الداخلي والتحديات السياسية من عزلة حماس الدولية. وعلى وجه الخصوص، تسبب الهجمات التي تقوم بها أحيانا خلايا جهادية محلية صغيرة متأثرة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، الحرج لقادة حماس وتثير مخاوف جدية لدى الحكومة والسكان.

 

علاوة على محاولات تحقيق المصالحة الوطنية بين حماس وفتح، التي يتطلع إليه الغالبية العظمى من الفلسطينيين، لا زالت تسير في طريق مسدود، يزيد من الإحباط، مع إلقاء اللوم بشكل كبير على حركة حماس.

 

وفي مواجهة هذه الظروف الملحة، يؤكد الباحث على أهمية إعادة تحديد أولويات الحركة إزاء المشهد السياسي المتغير في المنطقة. ويحدد ثلاثة طرق للخروج من مأزقها الحالي: إنهاء الحصار عن طريق التفاوض مع مصر؛ أو التوصل إلى تسوية مع فتح والسلطة الفلسطينية؛ أو الموافقة على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل.

 

ويوضح أن بوسع المجموعة بالطبع أن تخلط بعناية عناصر من استراتيجيات مختلفة، وربما متناقضة، في محاولة لإيجاد بعض نقاط التوازن حيث يتم الاحتفاظ بالامتيازات إلى أدنى حد ممكن. ولكن في نهاية المطاف، فإن كل سيناريو يفرض تكاليف عالية ويطلب من حماس تقديم تنازلات كبيرة، وتضحيات صعبة لضمان بقائها السياسي.

 

التفاوض مع مصر

 

ارتبط استيلاء حماس العنيف على السلطة في غزة في يوليو 2007 ارتباطا مباشرا بالشرعية الدولية التي اكتسبها حصار إسرائيل على قطاع غزة بعد ذلك بوقت قصير.

 

كما خضع معبر رفح الحدودي - الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي، غير الخاضع للسيطرة الإسرائيلية - لسيطرة مصر في وقت لاحق، وكانت تفتحه بصورة دورية قبل إغلاقه في نهاية المطاف في 2013.

 

كما نجح الضغط الإسرائيلي في دفع ما يسمى اللجنة الرباعية التي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وتشرف على محادثات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين – إلى صياغة ثلاثة شروط يتعين على حماس أن تلبيها لإسرائيل من أجل رفع الحصار والاعتراف بالجماعة كلاعب سياسي شرعي: الاعتراف بإسرائيل، والتخلي عن العنف، وقبول جميع الاتفاقات السابقة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

 

 

وكان قبول مثل هذه الشروط يعني استسلاما غير مشروط وإزالة الخلافات الجوهرية التي تميز الحركة عن فتح. وبالتالي رفضت حماس بشكل قاطع شروط اللجنة الرباعية.

 

وفي الوقت نفسه، كانت الآثار القاسية للحصار تقوض بشكل متزايد التأييد الشعبي الذي أوصل الجماعة إلى السلطة في عام 2006.

 

وهكذا، تحولت حماس ـ التي حوصرت بين الشروط غير المقبولة للجنة الرباعية وارتفاع علامات الانفجار الداخلي ـ إلى مصر باعتبارها السبيل الوحيد الممكن للخروج من المأزق.

 

وكانت حماس منذ زمن طويل تتردد في طلب المساعدة من القاهرة، بسبب قمع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وإدراكها أن القاهرة تعمل لصالح إسرائيل عندما يتعلق الأمر بغزة.

 

وتغير ذلك بعد سقوط حسني مبارك وصعود محمد مرسي إلى جماعة الإخوان المسلمين، في يونيو 2012، وسعيه إلى تخفيف الضغط على حماس خلال العام الذي تولى فيه منصبه.

 

ويواصل حروب قائلا إن القاهرة، منذ إسقاط مرسي في 2013، لم تدخر أي فرصة للهجوم علنا ​​على حماس، وإطلاق العنان لقضائها ووسائل الإعلام الرسمية لإلصاق صفة الإرهاب على الحركة.

 

ويرجع مصريون هذا العداء الشديد، إلى علاقات حماس القوية مع الإخوان المسلمين المصريين، ودورها في تسهيل تهريب الأسلحة من غزة إلى الجماعات الإرهابية في سيناء.

 

وفي المقابل، هاجمت وسائل الإعلام الرسمية لحماس، وكذلك باسمها بعض المتحدثين شبه الرسميين، السيسي وجيشه من اليوم الأول، متهمة إياهم باغتصاب سلطة مرسي.

 

وبعد عام 2013، انضمت حماس إلى الأحزاب الإسلامية الأخرى بأمل سرعة عودة مرسي والإخوان. لكن بعد ثلاث سنوات، ثبت عدم واقعية هذه الآمال، وعزز نظام السيسي سلطته، مع استمرار الحملة ضد الجماعات الإسلامية. وبناء على ذلك، شعرت حماس بضرورة فتح محادثات مع القاهرة، واعترفت بأن تحسين العلاقات سيكون حيويا لبقائها.

 

وعلى الجانب المصري، أدرك الجيش وقوات الأمن أنه، بدون تعاون حماس على طول حدود سيناء ضد الجماعات الجهادية، ستظل الأوضاع الأمنية هشة.

 

وبفضل هذا الإدراك المزدوج، دعي قادة حماس إلى القاهرة لإجراء محادثات في مارس 2016، ووضعت مصر شروط إعادة فتح معبر رفح. وقال مسئولون مصريون إنه يجب على حماس أن تتخلى رسميا عن جماعة الإخوان المسلمين وأن تتعاون بشكل كامل مع قوات الأمن المصرية من حيث توفير المعلومات الاستخباراتية والأمنية والأفراد على طول الحدود بين غزة وسيناء.

 

ولا شك أن التكلفة السياسية التي تفرضها هذه الشروط يمكن أن تصور حماس على أنها تعمل تحت إشراف جهاز الأمن المصري. ومع ذلك، يبدو أنها أقل ضررا وتهديدا للشرعية من اقتراح اللجنة الرباعية.

 

ولم تهدر حماس أي وقت لإثبات جديتها في إعادة العلاقات مع القاهرة، حيث أشار مسئولون رفيعو المستوى مرارا وتكرارا إلى أن حماس ليس لديها أي روابط تنظيمية أو سياسية مع جماعة الإخوان المسلمين، وأن المدرسة الفكرية المشترك، هي العلاقة الوحيدة بينهما.

 

والأهم من ذلك، أن حماس زادت من وجودها الأمني ​​على طول الحدود بين غزة وسيناء، ووسعت المناطق التي تراقبها، امتثالا للمطالب المصرية. وهكذا تبدو حماس ناشطة في التعامل مع مصر، على أمل إنهاء الحصار أو تخفيفه على الأقل. ومع ذلك، يبقى أن نرى كيف وإلى أي درجة سوف يستجيب المصريون لاستعداد حماس للتعاون، عن طريق إعادة فتح معبر رفح جزئيا على الأقل.

 

المصالحة مع فتح

 

وكانت حماس أكثر ترددا في متابعة خيارها الثاني: المصالحة مع فتح. وقد جرت عدة جولات من المفاوضات بين الخصمين منذ عام 2007، في القاهرة والرياض والدوحة واسطنبول وغزة، لكنها لم تنجح في تحقيق وحدة وطنية.

 

وفي ظل قيادة عباس، أكدت فتح والسلطة الفلسطينية على أن أي اتفاق للوحدة الوطنية يجب أن يقوم على أساس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية واستراتيجيتها، مما يعني ضمنا أن حماس يجب أن توافق على حل الدولتين وأن تنضم إلى محادثات السلام مع إسرائيل بوساطة الولايات المتحدة وغيرها من القوى الأجنبية.

 

وهناك عقبات أخرى تزيد من تعقيد التوصل إلى اتفاق ذي مغزى؛ من بينها مسألة تقاسم السلطة في كل من غزة والضفة الغربية، والسيطرة على قوات الأمن والمعابر الحدودية، ومستقبل الجناح العسكري لحركة حماس، ومرتبات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية المعينين من قبل حماس في الوزارات والمصالح الحكومية في قطاع غزة.

 

ومنذ عام 2007 ، شكلت السياسة في المنطقة وخارجها رؤية كل من فتح وحركة حماس، للأخرى، وشكلت الضغوط الخارجية استعداد كل طرف للتفاوض. فقد قامت إسرائيل والولايات المتحدة، على سبيل المثال، بعرقلة أي اتفاق بين فتح وحماس لا يفي بشروط اللجنة الرباعية؛ وفي حالة عدم التزام السلطة الفلسطينية بذلك، سيعرضها الارتباط مع حماس لخطر فقدان كل الدعم المالي الدولي ووضعها تحت الحصار الذي يستهدف حاليا حماس وغزة.

 

 

ويلي ذلك نفوذ مصر على فتح وحماس من خلال الدعم والضغط. فقبل الربيع العربي، حظيت فتح بدعم كامل من حكومة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، التي كانت تتشكك في حماس بسبب صلاتها الأيديولوجية مع جماعة الإخوان المسلمين.

 

ولعدة سنوات، بعد صدامات عام 2007، استضافت عدة لقاءات بين الطرفين، لكنها لم تحقق ثمارا تذكر: حاولت فتح استغلال البيئة الإقليمية والدولية المواتية لإجبار حماس على توقيع اتفاقات لصالحها، تجنبت حماس تنفيذها.

 

غير أن هذه الديناميكية تغيرت في 2011، مع صعود الأحزاب الإسلامية في المنطقة، خاصة الإخوان المسلمين في مصر. ولأول مرة، وجدت حماس نفسها في بيئة مواتية للإسلام السياسي. وسعت، في المفاوضات اللاحقة، إلى فرض شروطها الخاصة، التي رفضتها فتح.

 

لكن هذه الانفراجة لم تدم طويلا: فمع إزاحة الإخوان المسلمين عن الحكم في مصر، استعادت حركة فتح نفوذا أقوى، وعادت حركة حماس إلى رفض الاتفاقات التي توسطت فيها مصر. ومع تذبذب كل طرف في مواقفه، واستجابته للسياسة الإقليمية بدلا من المصالح الفلسطينية، تراجع مصداقيته لدى الفلسطينيين، وكذلك لدى الجماهير والحكومات الإقليمية.

 

كما أن بعدا داخليا عطل، الجهود الرامية إلى توحيد الهياكل والسلطات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يزال يعوقها: وجود مصالح حزبية وفردية قوية في الحفاظ على الوضع الراهن؛ وعلى سبيل المثال المسئولون غير الأكفاء الذين ارتفعوا إلى المراكز العليا بسبب الانتماء السياسي؛ وشبكات الأعمال التي تعمل دون رقابة؛ وغيرها من الشبكات الفاسدة التي نشأت داخل أو حول السلطات في الضفة الغربية وغزة.

 

ومن المتوقع أن يفقد هؤلاء فورا، الامتيازات والمزايا إذا ما أريد إعادة هيكلة السلطتين على نحو كبير نتيجة لإجماع وطني.

 

وتعرت حماس لانتقادات بعض الأصوات الفلسطينية المستقلة، بما في ذلك المعلق البارز هاني المصري، لعدم جديتها في المصالحة الوطنية. وقارنوا بين جهود حماس الحقيقية واستعدادها للتوصل إلى صفقات مع مصر - أو حتى في بعض الأحيان مع إسرائيل – ونهجها غير الصريح على ما يبدو في التفاوض مع السلطة الفلسطينية.

 

و يرى النقاد أن حماس ـبدلا من السعي إلى الوحدة الوطنية وتوطيد الجبهة الفلسطينية الداخلية ـ تقرع أبواب مختلفة بحثا عن أي دعم يبقيها على قيد الحياة. غير أن حروب يزعم أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وأن السلطة الفلسطينية تواجه انتقادا مماثلا؛ فهناك دلائل كثيرة على اللامبالاة وعدم الثقة، والسياسات ـ التابعة لكل من الجانبين ـ التي تديم الانقسامات.

 

بيد أن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان بإمكان حماس أن تقوم بجهود حقيقية لتحقيق المصالحة الوطنية، التي يمكن أن تكون أقل الطرق تكلفة من المأزق الحالي. ويرى حروب أن الاتفاق الذي وقعه الطرفين في القاهرة، يمكن أن يكون نقطة انطلاق قوية.

 

وأن هذا الاتفاق وفر ـ على الورق ـ أرضية وسطية للمطالب المتضاربة، ومهد الطريق لحكومة وطنية، وأرسى معالم الانتخابات، وهي طريقة مجدية لإلغاء المأزق العنيد.

 

ولكن حماس في الوقت الحالي، تقوم بإرسال رسائل مختلطة حول إنهاء الفجوة بين غزة والضفة الغربية. فمن ناحية، ترحب بالمبادرات الرامية إلى استئناف المحادثات مع حركة فتح، وترسل ممثليها بنشاط إلى الاجتماعات الدبلوماسية.

 

ومن ناحية أخرى، لا تترك البيانات التي أدلى بها بعض قادتها أي شك في أن هناك فشلا آخر بانتظار الجولة الجديدة من المحادثات. في الواقع ـ حسب رؤية حروب ـ لا تبدي حماس اهتماما يذكر بالتوفيق مع السلطة الفلسطينية، حيث أن النتيجة المتوقعة ستؤدي إلى خسائر أكبر من المكاسب.

 

هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل

 

ربما يكون التوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل الخيار الأكثر جاذبية لدى حماس - وإسرائيل - على الرغم من أنه سيضع حماس في الموقف الأكثر هشاشة. فهو ينطوي على استمرار سيطرة حماس على غزة وإنهاء الحصار الإسرائيلي. وفي المقابل، ستجمد حماس أنشطتها العسكرية لمدة لا تقل عن خمس إلى عشر سنوات.

 

ومن الناحية العملية، يعتبر هذا الخيار إعادة رسمية للوضع الراهن، لأن الأنشطة العسكرية لحماس متقطعة منذ عام 2007. وأبرز هذه الأنشطة، آلاف الصواريخ التي أطلقتها الجماعة على إسرائيل، بدعوى إنها انتقاما من الضربات الإسرائيلية.

 

وعلى الرغم من أن هذه الصواريخ أثبتت عدم فعاليتها ولا تتميز بقدرة تدميرية تذكر، فإنها تترك أثرا نفسيا هائلا على المجتمعات الإسرائيلية التي ضربتها. وفي الوقت نفسه، ركزت حماس، منذ الحرب الإسرائيلية على غزة 2008-2009، على تجنب، أي تدخلات عسكرية واسعة النطاق مع إسرائيل.

 

ونتيجة لذلك، بلغت "المقاومة" العسكرية خلال سنواتها التسع في السلطة في غزة، خلال معارك 2008-2009 و 2012 و 2014، نحو 11 أسبوعا من الأعمال القتالية المفتوحة. ويعني ذلك أن أكثر من 97 في المائة من تلك السنوات التسع خلت من العنف من جانب حماس.

 

ومن ثم، لن تبدو الهدنة الطويلة الأجل مختلفة إلى حد بعيد. حيث ن الأولوية القصوى لحركة حماس هي البقاء في السلطة واستمرار سيطرتها على غزة، وستكون على استعداد لتجميد نشاطها العسكري لتحقيق هذا الهدف.

 

ويصبح خيار الهدنة طويل الأمد أكثر إغراء لحركة حماس عندما تؤخذ الحوافز الأخرى التي تقدمها إسرائيل في الاعتبار. فقد أرسلت إسرائيل إشارات إلى أنها ستنظر في الموافقة على بناء مطار في غزة وميناء بحري خارجي على بعد أميال قليلة من شاطئ غزة من أجل إعادة توصيل غزة بالعالم، الخارجي.

 

وعلى الرغم من أن الموانئ المقترحة ستخضع لمراقبة أمنية مشددة ـ طرح الوسطاء الأوروبيون حلف شمال الأطلسي كمسئول محتمل ـ إلا أنها تحوي مزايا كبيرة لحركة حماس، منها تجاوز المعابر الحدودية في مصر كنقطة دخول السلع والإمدادات إلى غزة.

 

 فرض الحصار الإسرائيلي، جعل مصر تمارس سيطرتها الفعلية على غزة وشعبها وحركتها، بما في ذلك حماس التي ستبقى تحت رحمة كل من يتولى السلطة في القاهرة. ويعتبر إبعاد غزة عن هذه السيطرة إغراء كبيرا ليس فقط لحماس ولكن لسكان غزة.

 

كما أن الهدنة طويلة الأمد ستستتبع إعادة إعمار غزة، وإطلاق خمسة مليارات دولار من المساعدات الدولية المعلنة التي منعت إسرائيل وصولها. ومرة أخرى، فإن هذا السيناريو - على الأقل على الورق - سيحسن إلى حد كبير الظروف المعيشية في غزة، مما يخلق وضعا اقتصاديا وسياسيا جديدا. وستكون حماس أكثر حرصا على الحفاظ على هذا الوضع الراهن، وثمن ذلك تعميق الهدنة وربما إطالة أمدها.

 

وهناك ثلاثة تكاليف مرتبطة بهذا الخيار: تأثير ذلك على أي دولة أو كيان فلسطيني في المستقبل؛ وعلى صورة حماس كحركة مقاومة، ودور ورد فعل الفرع العسكري لحماس.

 

وإذا كانت حماس تسعى إلى تحقيق هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، فإنها ستديم الفاصل الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وبمرور الزمن، سوف يزداد انفصال المنطقتين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتصطبغ غزة بصبغة دينية أكثر وتصبح الضفة الغربية أكثر علمانية. وبدورها، تصبح غزة، كيانا شبه مستقل، تخفف من مسئوليات إسرائيل بوصفها "محتلا رسميا" في نظر القانون الدولي.

 

أما التكلفة الثانية للهدنة طويلة الأمد، فهي تأثيرها على التصورات الفلسطينية والعربية والإسلامية لحماس. وسوف تفقد الحركة على الأرجح، الكثير من نفوذها بين الفلسطينيين كحركة للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في سياق السياسة الفلسطينية، حيث يؤثر الخطاب بقوة على السلوك السياسي والرأي العام.

 

ولا شك أن  الظروف التي تصاحب هدنة محتملة ستترك الوضع الراهن دون مساس من حيث السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وانعدام السيادة الفلسطينية الحقيقية. كما أنها تتطلب من حماس تجميد جهود المقاومة، وهي خطوة سوف تعتبر استسلاما لإسرائيل.

 

كما سيؤدي تجميد المقاومة إلى ترك الجناح العسكري لحماس بلا عمل، مما ينذر بتوترات داخلية وخسائر محتملة. وفي هذه الحالة، من المرجح أن يتفتت جيش الحركة، الذي كان حتى الآن موحدا ومتسقا. والمعروف أن العلاقات المدنية العسكرية داخل حماس، كانت ناجحة حتى الآن. ويصعب التنبؤ بما إذا كان يمكن الحفاظ على هذه الحالة إذا ما نفذت هدنة طويلة الأجل.

 

العمل في سياق سياسي جديد

 

من المؤكد أن وضع حماس غير مستقر داخل غزة وخارجها. فمن الناحية السياسية، أدى تنافسها الطويل والمرير مع فتح والسلطة الفلسطينية إلى تآكل صورتها في نظر العديد من الفلسطينيين.

 

وفيما يتعلق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتقديم استراتيجية معقولة لإنهائه، لم تطرح الحركة حلا صالحا للتطبيق. وفي السياق الإقليمي الأوسع، تعرضت لخسائر دبلوماسية في أعقاب الربيع العربي، حيث قطعت علاقاتها مع سوريا وتراجعت مع إيران ومصر.

 

ومن الناحية الاقتصادية، دفعت الظروف المعيشية القاسية في غزة الحركة إلى التنازل عن مواقفها المتشددة من أجل تخفيف الضغط على سكان غزة واستعادة دعمهم.

 

وفي الوقت نفسه، فإن قدرة حماس على المقاومة بعد ثلاث حروب إسرائيلية أعطت جناحها العسكري المزيد من القوة والنفوذ، مما حد من قدرة القيادة المدنية على ترويج نهج سياسي، وليس عسكري، للهرب من المأزق. فضلا عن أن قدرة حماس على مواجهة صعود الجماعات الجهادية في غزة تتوقف على إبقاء جيشها موحدا وسليما.

 

وفي ظل هذه الخلفية، ليس لدى الجماعة خيارات تذكر للهروب من المأزق الحالي. وسوف تجبرها أي من الاستراتيجيات المحتملة المذكورة، سواء نفذت بشكل فردي أو مجتمعي، على العمل في سياق سياسي جديد، إزاء إسرائيل وفتح والرأي العام الفلسطيني والمنطقة.

 

اعلان