فورين أفيرز: داعش تفتح «شهية الأمريكيين» للتدخل في سيناء

كتب: إكرام يوسف

فى: صحافة أجنبية

19:27 13 مايو 2017

تواصل الأوضاع الجارية في سيناء، وما يوجهه الإرهاب من ضربات متتالية تعجز عن محوها القوات الحكومية المصرية، جذب اهتمام المحللين الدوليين.  

 

وجاء الفيديو الذي تناقلته قبل أسبوعين وسائل الإعلام الاجتماعي، نقلا عن محطات تليفزيونية فضائية ، يصور إعدام رهائن إسلاميين على أيدي مصريين ـ ليثير كثيرا من الجدل، حول قدرة الحكومة المصرية على مواجهة الإرهاب، ناهيك عن القضاء عليه.

 

وهي الحجة التي يبدو أن هناك من بات يعتبرها ذريعة تستلزم وجود قوات أجنبية ـ أمريكية بالتحديد ـ على تراب مصر، بحجة دعم قدرات جيشها على مواجهة تمرد محلي، باعتبار أن مصر لم تعد تشكو من عداوات دولية، ولكن ما يهددها هو التمرد المسلح على أرض سيناء.

 

اتساقا مع ذلك، يؤكد ديفيد شنيكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، أن القاهرة أظهرت نقصا مذهلا في الإرادة والكفاءة، للقضاء على داعش من الأراضي المصرية.

 

ويدعو شنيكر، في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مساعدة الحكومة المصرية على تحسين قدراتها لمكافحة الإرهاب، بل أنه يصل إلى حد الدعوة لتواجد عسكريين أمريكيين على أرض الواقع في سيناء، بدعوى تقديم التدريب اللازم والدعم الفني للجيش المصري، بل ويذهب إلى حد المساهمة في التنمية الاقتصادية، وتوجيه رسائل الدبلوماسية العامة.

 

و يقول ديفيد شنيكر: منذ عام 2011، منيت مصر بخسائر أمام  تمرد صغير العدد لكنه مروع في سيناء، وعلى الرغم وجود قوات تتخطى مئات اللآلاف من الأفراد والمساعدة الأمريكية السنوية بقيمة 1.3 مليار ، إلا أن مصر لم تتمكن خلال السنوات الخمس الماضية من احتواء ما يقدر بنحو ستمائة إلى ألف من المتمردين، الذين حققوا قائمة متزايدة  من الإنجازات.

 

ومنذ عام 2014، عندما أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس المحلية عن ولائها لتنظيم داعش، قامت الجماعة بإسقاط مروحية مصرية، ودمرت دبابة من طراز إم -60، وأغرقت زورقا مصريا، وقصفت طائرة ركاب روسية، مما أسفر عن مقتل 224 مدنيا.

 

 وخلال نفس الفترة، قتلت داعش ما يقدر بنحو ألفين من الضباط ورجال الشرطة المصريين في سيناء. لكنهم ليسوا الضحايا الوحيدين؛ فقد استهدف تنظيم داعش المسيحيين أيضا، مما أدى إلى نزوح جماعي لتلك الأقلية من شبه الجزيرة. وقبل أسابيع قليلة، هاجمت داعش دير سانت كاترين، أحد أقدم الأديرة في العالم.

 

ولم تستطع القوات المصرية ـ الذي لم يتمكن من حماية المسيحيين في سيناء ـ حماية نحو 1700 مراقب من القوة متعددة الجنسيات المتمركزة في المنطقة لمراقبة أحكام معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية. وبناء على ذلك، نقلت القوة التى تضم حوالى 700 جندى أمريكى من قاعدتها فى الشمال إلى جنوب سيناء الأكثر آمنا نسبيا.

ويقول شنيكر  أن تنظيم داعش يهدد الأمن الإسرائيلي، ويحرك الصواريخ دوريا عبر الحدود باتجاه مدينة إيلات. وفي المقابل، حظرت إسرائيل في الشهر الماضي على مواطنيها دخول سيناء.

 

وفي الوقت نفسه، ينتشر الإرهاب من شبه الجزيرة إلى وادي النيل والدلتا سابقا، حيث أصبحت الهجمات ضد رجال الشرطة وتفجيرات الكنائس القبطية روتينية.

 

 بينما تشهد استراتيجية داعش وتكتيكاته وقيادته تطورا باستمرار. فبمجرد أن يتم التعبير عن تضرر السكان البدو المحليين، يتجه المتمردون اليوم نحو الرقة. ونتيجة لذلك، تلقوا تمويلا إضافيا وأطلقوا حملة إعلامية أكثر احترافا، وتحول تركيزهم إلى قتل المسيحيين دونما خجل.

 

كما أن تنظيم داعش في مصر يتكيف أيضا مع التكنولوجيات الأكثر فتكا، مثل تشكيلات المتسللين التفجيريين، التي سببت أضرارا كبيرة للقوات الحكومية، اقتداء بتنظيم داعش الأم، وإذكاء الطائفية.

 

وبينما يتقدم ما يسمى بولاية سيناء التابعة لداعش، يتهم النهج الأمني في مصر بالركود، حيث تركز القوات المصرية اهتمامها على الأنشطة الاقتصادية والمحافظة على القوات، ولا تشتبك بشكل روتيني واستباقي مع العدو. وبدلا من ذلك، تتعرض للاستنزاف بفعل القنابل على الكمائن  وعلى الطرق.

 

فضلا عن أن مصر تعتمد بشكل متزايد في  أمنها  على القوات الجوية الإسرائيلية، التي لديها الآن تصريحا على بياض لاستهداف الإرهابيين عن طريق الطائرات العادية والطائرات بلا طيارين التي تعمل في المجال الجوي المصري. 

 

ويصف شنيكر ما تقوم به إسرائيل بأنه مجرد "قص العشب" في سيناء، لكنها لا تقضي على مكاسب داعش الإقليمية، وهو هدف يتطلب قوات (غير إسرائيلية) على الأرض.

 

 ولا شك أن القوة النسبية لداعش تثير قلق  الكثيرين في واشنطن. وربما تستطيع إدارة ترامب تخفيض أولوية موضوع حقوق الإنسان، الشائك، مع القاهرة، أو تجاهله، ولكن لا يمكنها أن تفعل الشيء نفسه مع صعود داعش في الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان، ولكن بعد ما يقرب من 40 عاما و 50 مليار دولار في المساعدات العسكرية الأمريكية منذ كامب ديفيد، أصبح من الواضح أن المساعدة الأمريكية لمصر لم تنجح في جعلها تملك الحد الأدنى من القدرة، كما أنه لم يعزز عزم القيادة في القاهرة على نشر قوات في بعثات قتالية صعبة.

 

 ويؤكد مدير برنامج السياسة العربية على أن المعونة قد تساعد على منع بعض السيناريوهات الأسوأ. فعلى سبيل المثال، فإن المساعدة العسكرية الأمريكية، قد تثني القاهرة عن الاقتراب من موسكو، وقد تساعد أيضا على حجب انهيار الدولة، ومعها احتمال هجرة الملايين من المصريين إلى أوروبا، لكن واشنطن بحاجة إلى إيجاد طرق مبتكرة لتشجيع القيادة السياسية في القاهرة على دفع القوات المصرية إلى  القيام بعملها بشكل أكثر فعالية، وخاصة عمليات مكافحة التمرد.

 

ففي الآونة الأخيرة، طلبت مصر تدريبا في الولايات المتحدة للكشف عن العبوات الناسفة والتخلص منها، وحصلت على ما أرادت.

 

ويوضح أداء القوات المصرية، أنها في أمس الحاجة إلى التدريب على تكتيكات مكافحة التمرد، وهنا يمد شنيكر الأمر على استقامته ليصرح بأن الأمر قد يتطلب تواجد عسكريين من قوات الولايات المتحدة على أرض الواقع في مصر، للمساعدة والتدريب.

 

ويرى أن هذا الدعم الفني الأمريكي سوف يتجاوز عمليات الاحتكاك ليشمل جوانب أخرى من حملات مكافحة التمرد الحديثة، مثل التنمية الاقتصادية وتوجيه الرسائل الدبلوماسية العامة.

 

ويدعو شنيكر الولايات المتحدة إلى حث مصر على إجراء تغييرات على مشترياتها من المعدات العسكرية الأمريكية التي تشتريها بمساعدة مالية أمريكية. ويرى أنه بالنظر إلى التهديدات التي تواجهها مصر والتي ترتبط حصريا بالإرهاب وبأمن الحدود، لا يوجد سبب منطقي كبير لأصناف الأسلحة الكثيرة التي توليها القاهرة أولوية منذ فترة طويلة، بما في ذلك الدبابات والطائرات المقاتلة وسفن البرمائيات الهجومية  وحاملات طائرات الهليكوبتر، والصواريخ بعيدة المدى.

 

وسيكون من المفيد جدا أن تشتري القاهرة المزيد من طائرات الهليكوبتر من طراز بلاك هوك لتحسين قدرات الجيش على الرد السريع، وأن تنفق المال لمساعدتها على تحسين المراقبة والاستحواذ على الأهداف والاستطلاع من خلال أنظمة "إستار" التي قد تعزز عمليات مكافحة التمرد.

 

ويعود الكاتب ليؤكد على توقعه أن يرفض الجيش المصري قبول الاقتراحات الأمريكية في هذا الصدد. وبما أن وضع الشروط على المساعدات الأمريكية لم ينجح في الماضي، فإن إدارة ترامب يجب أن تركز على الحوافز، بما في ذلك الاستفادة من "تمويل التدفق النقدي"، وهو شرط يسمح حتى لمصر باستخدام المساعدات المالية الأمريكية في المستقبل كائتمان لشراء أنظمة أسلحة باهظة الثمن .

 

وينصح واشنطن بأن تعيد تمويل التدفق النقدي الذي ألغي في عام 2015 بعد 3 يوليو 2013 على أن يتم حصره على المعدات التي تعتبرها وزارة الدفاع الأمريكية متعلقة بعمليات مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

 

 كما يدعو  واشنطن إلى النظر في زيادة التمويل لبرنامج التعليم والتدريب العسكري المتواضع في مصر، والمعروف باسم "إيميت".

 

ويوضح أن وزارة الخارجية الأمريكية في 2016، خصصت 1.8 مليون دولار فقط لهذا المسعى. وبالمقارنة، في نفس العام، منحت  الأردن - الذي يمثل جيشه 15 في المائة من حجم جيش مصر ـ  3.8 مليون دولار للتدريب العسكري.  وينصح شنيكر الإدارة الأمريكية بالنظر في إعادة برمجة أو تخصيص جزء من المعونة البالغة 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأمريكي، أو مؤسسة التمويل المالي، لتعزيز هذه البرامج، مع التركيز بشكل خاص على تعريف المزيد من الضباط المصريين بالتقنيات الحديثة لأساليب مكافحة التمرد.

 

 

أخيرا، على الرغم من ارتباط مصر بعمليات تدريب عسكرية واسعة النطاق مصممة للتجهيز لمحاربة دولة قومية، يجب على واشنطن أن تخفض أو تعيد تصميم مناورات "النجم الساطع" السنوية.

 

ففي الماضي، أجرت الولايات المتحدة هذه التدريبات التي استمرت أسابيع مع مصر، وشملت في مختلف الأوقات تدريبات الهبوط البرمائية، والقفزات المحمولة جوا، ومناورات دبابات واسعة النطاق. وبالطبع، فإن شنيكر يرى أن مصر ليس لديها أعداء للدولة، مما يجعل هذه التدريبات إلى حد كبير غير ذات صلة، على حد قوله.

 

ونظرا للمصالح المكتسبة في القاهرة وواشنطن، قد يكون من الصعب إنهاء النجم الساطع تماما، لكنه  يدعو إلى إعادة تخصيص جزء كبير من التمرين للتركيز على عمليات مكافحة الإرهاب، وهو ما تحتاجه مصر حقا.

 

ويخلص الكاتب إلى تأكيد أن مصر لن تتغير بسهولة، حتى بالسبل التي يرى معظم المراقبين، أنها في مصلحة مصر الذاتية. ومع ذلك، ومن ثم يرى أن على واشنطن أن تواصل الضغط على القاهرة للقيام بذلك، لأن نجاحها ضد داعش في سيناء وفي جميع أنحاء الدولة هو في صميم مصلحة الأمن القومي الأمريكي.

 

ويستشهد الكاتب بقول الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي مؤخرا: "سوف تجدني ومصر بجانبكم عند تنفيذ استراتيجية مواجهة الإرهاب والقضاء عليه". ويؤكد ايمانه بصدق الرئيس المصري في دعمه للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، وفي هذا الصدد، فإنه يؤيد أيضا الجهود العسكرية الإسرائيلية، لكنه يرى أن التساؤل الحقيقي يتعلق بمدى التزام مصر بمعركتها الخاصة ضد الإرهاب.

 

الرابط اﻷصلي

اعلان