في مقال بفورين أفيرز
كولن كلارك: حماس في ثوبها الجديد
بعد 30 عاما من إعلان ميثاق تأسيس حركة حماس، أطلقت الحركة في أول مايو الجاري نسخة منقحة من وثيقة يبدو أنها تتبنى موقفا أقل تشددا من الجماعة تجاه إسرائيل.
ولعل أبرز التغيرات التي أثارت جدلا واسعا، الانطباع الذي تلقته أوساط واسعة النطاق بأن الحركة مستعدة ـ على الأقل من حيث المبدأ ـ لقبول حدود 1967 لدولة فلسطينية، وهي نقطة شائكة رئيسية في جميع المفاوضات الفاشلة السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين. إذ أن موقف الحركة السابق دائما كان يدعو إلى القضاء على دولة إسرائيل.
غير أن بعض المراقبين مازالوا يرون أن في الميثاق المعدل بعض التعبيرات التحريضية بقيت من الميثاق الأصلي على حد وصفهم.
كولن كلارك، عالم السياسة في مؤسسة راند الأمريكية، يلفت النظر إلى أن الميثاق المنقح، صدر في نفس الأسبوع، الذي التقى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع محمود عباس، المنافس السياسي الرئيسي لحماس. ويأتي ذلك أيضا وسط الحصار المصري المستمر على غزة، حيث شددت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، القيود الأمنية على طول الحدود مع غزة.
ومنذ توليه السلطة في 2014، شددت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأمن على طول حدود غزة، وأغلقت العديد من أنفاق حماس (بما في ذلك إغراق بعضها بالصرف الصحي)، ومضايقة صيادي غزة الذين ضلوا في المياه المصرية.
ويشكل فقدان الأنفاق تحديا لوجستيا خطيرا لحركة حماس، لا سيما بالنظر إلى الدور الحاسم الذي لعبته كطريق تحت الأرض لتهريب المقاتلين والأسلحة ومئات الملايين من الدولارات من البضائع.
ولكن بغض النظر عن تلطيف العلاقة مع القاهرة أو تشتيت تركيز وسائل الإعلام بعيدا عن عباس، تشكل الاستراتيجية عنصرا مهما من عناصر تعديل صورة حماس.
ويشير كلارك، وهو في الوقت نفسه زميل بالمركز الدولي لمكافحة الإرهاب، إلى أن التغييرات في الميثاق تثير عددا من التساؤلات حول مستقبل حماس السياسي.
وعلى الرغم من أن المتشددين في النخبة السياسية الإسرائيلية يزعمون أن شيئا لم يتغير، إلا أن كولن كلارك يؤكد في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز أن حتى التعديلات البسيطة في أيديولوجية المنظمة ـ التي يصفها بالإرهابية ـ ومنبرها السياسي، يمكن أن يكون لها آثار دائمة هائلة، مما يوفر الزخم اللازم لإجراء المزيد من التغييرات.
ويشير مؤلف كتاب "مؤسسة الإرهاب" إلى أنه قد لا يكون من الحكمة أن نتوقع من حماس أن تطرح خروجا جذريا عن رؤيتها العالمية، ولكن التحول المعلن عنه مؤخرا يمكن أن ييسر الطريق نحو التقدم مع إسرائيل.
تكتيكات مرنة
ويذكر كلارك بتاريخ الحركة القائم على علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، وجذورها الإيديولوجية المشتركة مع الجماعة الإسلامية المصرية، التي كانت نشطة طوال التسعينات، ومنظمة الجهاد الإسلامي المصرية، وكان زعيم تنظيم القاعدة الحالي، الظواهري، عضوا فيها. ومنذ تأسيسها، حافظت حماس على موقف متشدد تجاه إسرائيل و ترفض حل الدولتين.
وركزت الجماعة على أهمية القيم الإسلامية التقليدية، ودعت إلى القضاء على إسرائيل وإقامة دولة إسلامية في فلسطين. وكانت تعتبر الصراع مع إسرائيل صراعا وجوديا بدلا من مجرد نزاع على الحدود.
وفي الميثاق الأصلي لعام 1987، توضح حماس أن هدفها هو رفع مفهوم "جهاد السيف"، أو الأعمال العسكرية الهجومية، في جهودها لتعبئة الفلسطينيين. ويرى الكاتب أن لغة الصياغة في الميثاق المنقح، لا تتخلى عن العنف ولا تزال تعتبر الجهاد حقا مشروعا للشعب الفلسطيني.
ولكنه يشير إلى أن تكتيكات حماس ـ حتى قبل مراجعة الميثاق ـ كانت تزداد مرونة بمرور الوقت. وعلى الرغم من الخطاب التحريضي في بعض الأحيان، فإن أيديولوجيتها - مثلها مثل حزب الله - براجماتية. وفي مختلف المواقف، بما في ذلك عام 2006، دعت حماس إلى فرض حظر مؤقت على العمليات الانتحارية، ربما في محاولة لزيادة جاذبيتها بين شريحة واسعة من السكان الفلسطينيين.
وقد تخطت أيضا الانقسام السني الشيعي للتعاون مع إيران في ما أصبح علاقة معقدة منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا.
وعلى نفس المنوال، تشير مراجعات الميثاق إلى أن حماس تراودها فكرة تبني موقف أكثر اعتدالا تجاه إسرائيل، وتحقيق تسوية سياسية تفاوضية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كما يشير إسقاط اللغة التي تدعو صراحة إلى تدمير إسرائيل إلى محاولة حماس تصوير نفسها على أنها حركة تحرير وطنية إسلامية خلافا لجماعة الإخوان المسلمين الأممية، التي اتهاجمها الحكومة المصرية بشكل منهجي.
ومع ذلك، حتى لو كانت حماس قادرة على التخلي عن السلاح بشكل كامل في مقابل صندوق االقتراع، مازال علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت إسرائيل ستقبل حقا هذه الجماعة ككيان سياسي جاد.
غير أن كلارك يرى أن العدد الكبير من الهجمات "الإرهابية "والتفجيرات الانتحارية التي نفذتها الجماعة طوال تاريخها، يمثل احدى الصعوبات التي تقف في طريق القبول الإسرائيلي.
ويعود الكاتب إلى التاريخ مرة أخرى ليذكرنا بأن حماس عندما ظهرت لأول مرة في 1987، رحب الإسرائيليون بها كعنصر موازنة مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، التي عززت أيديولوجية القومية الفلسطينية المعادية لإسرائيل، وكانت أكثر إثارة للقلق في تل أبيب في ذلك الوقت.
وينقل كلارك عن بيفرلي ميلتون إدواردز الباحث في شئون الشرق الأوسط، أن إسرائيل رأت في البداية أن حماس تمثل "إزعاجا مؤقتا من دون قدرة حقيقية على تشكيل تهديد، وبشرعية شعبية قليلة"،
ومع ذلك، سرعان ما أدركت إسرائيل أن حماس تمثل خصما ذا قدرة عالية، وأحد القوى التي ترحب بالموت من أجل قضيتها. وبدأت كائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحماس، عمليات انتحارية فى عام 1993، اعتقدت الجماعة أنها ستمنحها ميزة تكتيكية واستراتيجية على جيش الدفاع الإسرائيلي.
وخلال الانتفاضة الثانية ـ من خريف 2000 إلى أوائل 2005، ـ نفذت حماس سيلا من التفجيرات الانتحارية التي أسفرت عن مقتل مئات الإسرائيليين في حين تسببت في صدمة نفسية شديدة للسكان الإسرائيليين.
وردا على ذلك، شنت إسرائيل عدة هجمات كبيرة ضد حماس على مدى العقد الماضي؛ شملت هذه عملية الرصاص المصبوب خلال حرب غزة في الفترة 2008-2009، وعملية عمود الدفاع في عام 2012، والقصف المستمر لقطاع غزة في 2014 خلال عملية الجرف الصامد، والتي قال مسئولون إسرائيليون أنها تهدف إلى تعطيل شبكة أنفاق حماس وقدرتها على تهريب الرجال والعتاد، لتجديد صفوفها المستنزفة.
ومن الناحية التاريخية، يبدو أن استخدام الجماعة للتفجيرات الانتحارية لم يتسبب في تراجع شعبيتها. ففي دراسة استقصائية أجريت عام 2002، قال 70 في المائة من الفلسطينيين إنهم يعتقدون أن التفجيرات الانتحارية كانت تكتيكا مشروعا في الصراع مع إسرائيل. بعد كل معركة، كانت حماس تشهد بعض التراجع، لكنها لم تتعرض لضرر حقيقي، حتى بينما كانت تؤكد على الطبيعة غير المتماثلة للصراع، وتصور نفسها - بشكل صحيح في نظر الكثيرين – في صورة المستضعف الذي يواجه قوة احتلال لا يرحم.
مستقبل الصراع
في وقت مبكر من عام 2006، ظهرت دلائل تغيير في الحسابات الاستراتيجية للجماعة، عندما قررت دخول الساحة السياسية وحققت انتصارا مذهلا في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.
وكان اختيار خوض الانتخابات، يثير دائما الجدل الشديد بين أعضائها. ولا شك تنظيم الانتخابات يكلف المال، وفي نظر بعض المسلحين، يعتبر صرفا للموارد الثمينة بعيدا عن الهدف الأسمى.
وظل العديد من قادة الجماعة، بمن فيهم الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، اللذين اغتالتهما إسرائيل، على الدوام متشككين في فعالية الدبلوماسية، وعملية السلام، طوال فترة قيادتهم للحركة.
ورغم حذف الصياغات التي تدعو إلى تدمير إسرائيل، يثور تخوف الآن من فتح الباب أمام تنامي قوة جماعات راديكالية أخرى في غزة.
وعلى الرغم من خلط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين حماس والقاعدة، تحرص حركة حماس على الفصل أيدويولجيا بينها وبين تنظيم القاعدة، حيث أصدرت بيانا في 2007 تتهم الظواهري (كان وقتها نائب زعيم القاعدة أسامة بن لادن) بتفكيك الجهاديين الفلسطينيين لأكثر خمسة عشر عاما، ونددتباستهداف القاعدة للمدنيين الأبرياء؛ حتى مع استمرار الجماعات السلفية المتطرفة الأخرى في مبايعة القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تطرفا (المعروف أيضا باسم داعش).
ويرى كلارك أن نمو هذه الجماعات في الأراضي الفلسطينية يمثل سببا رئيسيا للقلق بالنسبة للمسئولين الإسرائيليين.
وأوضح الكاتب أن هناك أسبابا تدعو إلى الأمل. فكما هو شأن جميع الصراعات التي طال أمدها، من المرجح أن يأتي التغيير تدريجيا ويمكن أن يصاحبه نكسات وبدايات كاذبة. ولكنه يعول على ما يسميه "نضوج الزعماء الإرهابيين" الذي يجعلهم غالبا يدركون ما لا يمكن تحقيقه عن طريق العنف.
ويتوقع أن يدرك قادة حماس أن التقارب مع إسرائيل مفيد أكثر من إطلاق انتفاضة ثالثة أو مناوشة أخرى مع جيش الدفاع الإسرائيلي.
وفي النهاية يثير الكاتب تساؤلا حول ما إذا كان الميثاق المعدل يمثل تحولا من حماس عن العنف، أو أنه "مجرد حيلة لكسب الوقت من أجل إعادة التسلح حتى تكتسب الجماعة القدرات الكافية لتحدي إسرائيل مرة أخرى عسكريا؟"
ويتوقع أن يكون للجواب على هذا التساؤل أثرا كبيرا على مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومستقبل الشرق الأوسط بشكل عام.