هل تدرس مصر إصدار عملة مشفرة؟.. المونيتور يجيب
قال ديفيد عوض في موقع المونيتور الأمريكي: إن إطلاق عملة مشفرة رسمية هو أحد الخيارات المطروحة على طاولة البنك المركزي المصري، في ضوء تفاعلها مع موجة ابتكارات العملات المشفرة في السنوات الأخيرة.
كانت إدارة شركة "فيسبوك"، كشفت في بيان، عن وجود مصاعب كبيرة أمام تنفيذ مبادرتها لإطلاق عملتها الرقمية الجديدة المعروفة باسم "ليبرا"، ولكن ذلك البيان، على الأرجح، ليس كافيًا بالنسبة إلى قائمة طويلة من الدول، ومن بينها مصر للبقاء صامتة أمام احتمالات غزو العديد من العملات الرقميّة أسواقها.
وأشارت شركة "فيسبوك" في بيانها إلى أنه ليس في إمكانها تأكيد طرح "ليبرا" في الموعد المقترح سابقًا، وهو الربع الأوّل من عام 2020، كما أنّها ربّما لا تطرحها على الإطلاق لأنّها ستجعل شركة "فيسبوك" عرضة لرقابة شديدة من العديد من الحكومات، وربّما تتسبّب تلك الرقابة في تأثيرات سلبيّة على أعمالها وسمعتها ونتائجها الماليّة.
وكانت "فيسبوك" قد أعلنت في مايو 2018، عن رغبتها في إطلاق العملة الرقميّة في عشرات الدول، إلّا أنّ البيان اعترف بأنّ تلك المبادرة أثارت مخاوف الكثير من الحكومات والسلطات الرقابيّة في العديد من الدول ومعارضتها.
وعبرت عن تلك المخاوف العديد من البيانات لمجموعة الدول الصناعيّة السبع، فقال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لو مير في خطاب أمام مجلس الشيوخ الفرنسي: "سنعمل جهدنا لعدم السماح لمشروع عملة ليبرا الرقمية التابع لفيسبوك بأن تصبح عملة ذات سيادة يمكن أن تتنافس مع عملة الدول" .
وتابع: "لأنني لن أقبل أبدًا أن تتحول شركات إلى دول خاصة". وبعض تقارير البنك المركزي الأوروبي ربطت بين طرح "ليبرا" واحتمالات انتشارها الواسع، وبين التأثيرات السلبّية على الاستقرار المالي والاقتصادي للدول والمخاوف من استغلالها في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، لأنّها تعتمد على تداول تلك العملة من خلال حسابات "فيسبوك" التي ربّما تحمل أسماء وبيانات مستعارة وغير حقيقيّة، ممّا يجعل عمليّة تتبّع متداوليها أمراً مستحيلاً.
وقال مصدر مطلع في البنك المركزي المصري، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور" إن البنك المركزي لم يكن قد اتّخذ أي تدابير احترازيّة ضدّ تداول "ليبرا" في مصر، لأن "فيسبوك" لم تكن قد أعلنت ما إذا كانت مصر من الدول المستهدفة بالعملة الجديدة أم لا، ولأنّ العديد من صنّاع القرار المخضرمين في العديد من البنوك المركزيّة حول العالم كانوا على ثقة بأنّ تلك العملة لن ترى النور لأنّها كانت ستخضع "فيسبوك" بالفعل إلى إشراف رقابيّ صارم من العديد من الدول، ممّا كان سيجعل الراغبين في الحصول على تلك العملة يحجمون عنها لأنّها ربّما تفقد طابع تداولها السرّيّ والغامض، في ظلّ صرامة الرقابة.
وبسؤاله عن موقف البنك المركزي المصري من العملات الرقميّة في وجه عامّ، قال إن البنك المركزي يعمل حاليّاً على دراسة تأثيرات العملات الرقميّة وكيفيّة تقنينها، وإصدار عملة رقميّة مصريّة شأنها شأن مشروع العملة الرقميّة السعوديّة الإماراتيّة المشتركة المرتقب إصدارها، إلا أنّه لفت في السياق ذاته إلى أنّه لم يتمّ التوصل إلى قرار نهائي في شأن ذلك، لأنّ العديد من علامات الاستفهام والشكوك تحوم حول العملات الرقميّة في وجه عامّ، وأوضح، قائلاً: "علامات الاستفهام تتلخّص في تساؤل واحد وهو: ما الداعي إلى وجود تلك العملات التي يتمّ تداولها وتحويلها من حساب إلى آخر من دون رقابة وبأسماء مستعارة؟"
ويرى رئيس قسم البحوث السابق في البنك الوطنيّ المصريّ أحمد آدم أنّ السبب المنطقيّ الوحيد لسرّيّة الحسابات وأسماء المتداولين هو تورّط جانب كبير منهم في أعمال غير مشروعة كغسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، وبسؤاله عن كيفيّة حدوث ذلك، أجاب، قائلاً لـ"المونيتور": "من خلال بنوك العملات الرقميّة مثل شركات تداول البيتكوين Bitcoin Digger، تحوّل الجمعيّات أو المنظّمات الداعمة للإرهاب أرصدتها التقليديّة (دولار أو يورو... إلخ) إلى عملات رقميّة يتمّ تحويلها في شكل سرّيّ إلى التنظيمات الإرهابيّة، ومنها إلى مكاتب سمسرة الأسلحة، على أن تستبدل تلك المكاتب العملة الرقميّة من البنوك المتخصّصة فيها بأرصدة تقليديّة مرّة أخرى".
وتابع، قائلاً: "خلقت الدورة السابقة حالة من الطلب العالي على بعض تلك العملات، كما حدث مع الـ"بيتكوين"، ممّا أدّى إلى ارتفاع سعرها من عام 2016 حتّى عام 2018 وشراء العديد من المضاربين لها، رغبة في تحقيق ربح سريع عن طريق شرائها ثمّ بيعها بعد ساعات بمبالغ أكبر".
وكان البنك المركزي المصري قد حذر المواطنين من التعامل بالعملات الرقميّة وعلى رأسها الـ"بيتكوين"، في عام 2017، بعدما ألقت قوّات الأمن المصريّة القبض على العديد من المتّهمين بالنصب والاحتيال على المواطنين باستخدام الـ"بيتكوين".
إلّا أنّ الخبير المصرفيّ السابق في بنك قناة السويس محمّد هاشم قال لـ"المونيتور": "على الرغم من أضرار العملات الرقميّة من حيث استغلالها في تمويل الإرهاب وغسيل الأموال ومن حيث التذبذب الشديد في قيمتها، ممّا يضرّ بالمواطنين الحاملين لها كما حدث مع العديد من المضاربين على الـ"بيتكوين" مع تراجع قيمتها في عام 2018، إلّا أنّه يجب العمل على تقنينها".
وأضاف، قائلاً: "السياسات الماليّة لا بدّ أن تكون مرنة إلى حدّ كبير ولا بدّ أن تكون قادرة على استحداث ردّ الفعل المناسب تجاه بعض الظواهر، مثل ظاهرة العملات الرقميّة التي باتت واقعاً لا يمكن تجاهله، وأصبح من الضرورة البحث عن آليّات لتقنينه لتفادي الآثار السلبيّة له وعن آليّات لاقتحام عالم العملات الرقميّة والمنافسة فيه، لأنّ التعامل بها ربّما يصبح في المستقبل البعيد أكثر انتشارا، ما قد ينعكس سلبا على البلاد التي ليس لعملتها التقليديّة نظير رقميّ".
بينما اختلف معه في الرأي أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة بنها حسني حسن حيث قال لـ"المونيتور": "مستخدمو العملات الرقميّة يستغلّون عنصر السرّيّة فيها للإفلات من رقابة الحكومات في تمويل الإرهاب وغسيل الأموال أو يظنّون خطأً أنّه يمكن من خلالها تحقيق أرباح أسرع لأنّ سعر صرفها يتحدّد بحرّيّة تامّة ومن دون تدخّل سياسيّ من الحكومات، وهو ما سيجعل العملات الرقميّة الرسميّة غير مغرية بالنسبة إلى أيّ منهم لأنّها ستخضع إلى إشراف الحكومات في التداول وفي تحديد سعرها".
وأضاف أنّ العديد من أصحاب رأس المال أصبحوا أكثراً وعياً أنّ العملات تستمدّ استقرارها من إشراف الهيئات الرسميّة عليها ومن خلال الغطاء النقديّ لكلّ دولة، بعكس العملات الرقميّة التي يمكن أن تبدّد ثروة شخص ما في حال الإفلاس أو إغلاق المكاتب التي يتمّ التعامل في العملات الرقميّة من خلالها كما حدث مع الآلاف من مستخدمي الـ"بيتكوين"، ما أدّى إلى انهيار سعرها.
أغلقت بعض المكاتب بسبب الخسائر الفادحة مع انخفاض أسعار عملات البيتكوين. عندما يفلس بنك تقليدي، بإمكانه إرجاع ودائع الأشخاص وتغطية أرصدتهم من خلال احتياطيات النقد والذهب، من بين وسائل أخرى. إلا أن هذا ليس هو الحال مع العملة الرقمية ومصارفها بسبب نقص الاحتياطيات.