الثائرون بلا ضجيج: بعض مما لا نعرفه عن السودان
انتهى اليوم الثالث من العصيان المدني الناجح بالسودان اليوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث بدأ بعد قرار الحكومة برفع الدعم عن الأدوية والمحروقات في الشهر الجاري؛ مما تسبب في حالة من الإضرابات والتظاهرات إلى أن تم الإعلان إلكترونيًا عن بدء العصيان المدني في يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني. وبالرغم من استمرار مؤسسات الدولة في العمل، إلا أن الشعب قاطع الشوارع وفضّل البقاء في المنازل لمدة ثلاثة أيام متواصلة ساعيًا إلى التخلص من حكم البشير ونيل حقوقه.
كشف عصيان السودان الناجح عن وجه آخر لا يعرفه كثيرون عن الدولة السمراء التي لطالما سمعتَ عنها بسبب ما تعانيه من نزاعات وأوضاع اقتصادية متدنية، إلى جانب عدم تسليط الضوء عليها إعلاميًا إلا في حالات كونها فاعلاً في أي من المشاهد السياسية، وهو ما حدث عند نشوء أزمة سد النهضة بين إثيوبيا ومصر.
فماذا عن السودان التي لا نعرفها؟
الحراك السوداني الثري
إن حل مشكلة الجنوب يكمن في حل مشكلة الشمال، ويكمن الاثنان معًا في زوال الحكم العسكري الحالي وقيام حكم دستوري مؤسس على الخيار الديمقراطي للشعب.
حسن الترابي
لم يكن التحرك السوداني بالعصيان المدني ضد حكومة البشير وليد اللحظة، حيث سبقته الاحتجاجات والتظاهرات التي استمرت على مدار أسبوع ضد قرارات الحكومة برفع الدعم، وقد غلب على هذا الحراك تظاهرات طلبة المدارس والجامعات، كما احتلت المرأة جزءًا أساسيًا من المشهد المحتج الذي تصدر الصورة بالبلاد خلال الشهر الجاري.
وبالعودة بالزمن للوراء نكتشف أن السودان كانت أول دولة عربية تثور ضد الحكم العسكري، حيث تولى الجيش السلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1958 وتم الإعلان عن حكومة عسكرية والتخلص من البرلمان والأحزاب، إلا أنه سرعان ما نمت مشاعر الغضب داخل الشعب السوداني ضد ممارسات النظام العسكري وأطاحوا بالنظام الحاكم بثورة شعبية، بدأت بتظاهرات واحتجاجات طلابية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 1964 بعد ثلاثة أسابيع من بداية الثورة ضد النظام السوداني وحلفائه من الدول العربية -مصر مثالاً- والأجنبية.
هذا إلى جانب التخلص من حكم جعفر النميري عام 1985، حيث تولى السلطة في السودان بانقلاب عسكري بمساعدة الحزب الشيوعي في مايو/ آيار 1969. وبالرغم من بعض إنجازاته التنموية وبسط حالة من الاستقرار مع متمردي جنوب السودان، إلا أنه أطاح بسبل الديمقراطية الحقيقية وخلف وراءه ديونًا عانت بسببها السودان كثيرًا؛ لتصل لمرحلة الانهيار الكامل بعد أن تمت الإطاحة به من خلال الانتفاضة الشعبية عام 1985.
فبالرغم من النكبات المختلفة التي تتعرض لها السودان واستمرار الحكم الديكتاتوري بها، هذا إلى جانب التدخلات الخارجية التي زادت من مأساوية الأوضاع بالسودان، إلا أن الحراك الشعبي ضد الحكومات المختلفة وسياساتها المتخبطة لم يتوقف لحظة، وامتاز بالوعي المجتمعي -بعيدًا عن النخب السياسية المتصارعة- لأهمية الدفاع عن حقهم في العيش بكرامة.
الكنز المدفون بالسودان
وسط حالة التأثر بمحاكاة الحداثة بكافة جوانبها التي طبعت على مجتمعات عربية عديدة، ارتبطت بالأذهان السودان بصورة من الانقسامات والصراعات المتجددة كبلد غير متطور وفقًا لمفاهيم الحداثة، إلا أن السودان تمتلك طابعًا أكثر جمالاً بحفاظها على تميزها وتفردها بعيدًا عن أشكال الحداثة المصطنعة، وساعدها في ذلك الوعي المجتمعي، كما حافظت السودان على ما تملكه من طبيعة خلابة وآثار قديمة، إلا أنها غير معروفة للكثيرين.
تمتاز بالطبيعة الخلابة من المرتفعات الجبلية والمحميات الطبيعية، هذا إلى جانب المحافظة على الطابع السوداني من حياة برية في الجنوب الشرقي، وما تملكه من آثار قديمة. ويمر النيلان الأبيض والأزرق بالأراضي السودانية ليلتقيا في العاصمة الخرطوم في مشهد جمالي غير متكرر، كما تمتلك السودان بمياهها الإقليمية جزيرة للشعب المرجانية تعرف بـ «سنقنيب»، حيث تعتبر من أهم المعالم البحرية حول العالم.
وتشتهر السودان بـ «محمية الدندر» حيث تقع على الحدود مع إثيوبيا وتُعد من أكبر المحميات الطبيعية الموجودة بأفريقيا، فتبلغ حوالي 10 آلاف كيلومتر مربع، وتمتاز ببيئتها الملائمة لعيش الطيور والحيوانات بها. كما تمتلك السودان من الآثار القديمة ما يكفي لجذب أعين السياح، حيث يوجد بها 27 مقبرة ملكية من بينها «مقابر الكرو»، فتملك السودان ما يزيد عن 200 هرم وهو ضعف عدد الأهرامات التي تمتلكها مصر.
هذا إلى جانب شوق أم دورمان الشعبي وبعض المباني السياحية «حديثة» الشكل التي تقبع بالأراضي السودانية؛ مثل فندق «كورنثيا الخرطوم» ذي الخمس نجوم ويعرف بـ «برج الفاتح». يقع الفندق عند التقاء النيلين بوسط العاصمة الخرطوم؛ لتكون السودان بطبيعتها الخلابة وآثارها وجهة سياحية مثل الكنز المدفون.
مجتمع متنوع بفن جريء
الجنس بحد ذاته مقدس في ثقافات قسم كبير من أهل السودان، وفي بعض الطقوس توجد رقصات جنسية.
أستاذ الفلكلور بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، عباس الحاج الأمين، لرصيف22
تمتاز السودان بتنوع ثقافي وحضاري وديني وتتكون من مزيج بين العرق الأفريقي والعرق العربي، فوجود الغابة التابعة للأصل الأفريقي مع الصحراء العربية جعل من السودان هوية مميزة نتج عنها إبداع متفرد.
يتميز الشعب السوداني بحفاظه على عدد من العادات والموروثات الاجتماعية الخاصة به، وأشهرها عادة «الشلوخ» حيث وضع العلامات المختلفة على جانبي الوجه، ولكل قبيلة ما يميزها عن الأخرى من علامات، وتنتشر تلك العادة بالمناطق الريفية والقبلية بالسودان. هذا إلى جانب ما يعرف بـ«دق الشلوفة» حيث تزيين شفاه الأنثى باللون الأخضر المائل إلى السواد، وهي عادة قديمة عربية الأصل.
هذا إلى جانب حفاظ السودان على الزي التقليدي فترتدي النساء «الطوب السوداني»، ويعرف الزي النسائي بكونه فضفاضًا يغطي جسد المرأة بالكامل، ويشتهر عادة بألوانه المبهجه الزاهية ليلاً والهادئة نهارًا. أما الرجال فيرتدون «الجلابية» التي تختلف من حيث الطول والضيق والخامة من رجل إلى آخر، ولكن الاختلافات تكون طفيفة.
أما بالنسبة للفنون الشعبية ففي تقرير لرصيف 22 يوضح تأثر الفن السوداني بالتنوع الثقافي هناك ويتميز بجرأته في تناوله للمسائل العاطفية، ويعتبر «الرقص الطقوسي بين الجنسين» أحد أهم الفنون بالمجتمع السوداني، كما يختلف الرقص السوداني باختلاف الطقوس والسياق. كما أن هناك أغاني تعرف محليًا بـ«أغاني البنات» بعيدًا عن تلك الذكورية المنتشرة والمرتبطة بالتعبير الحسي والجنسي.
تعتبر السودان دولة معروفة اسما للكثيرين، إلا أن حقيقتها كمجتمع ثري بالحراك السياسي ومتنوع ثقافيا وحافظ لهويته وتراثه من غول الحداثة -حتى أن البعض يتهمه بالتخلف- غائبة عنا، واليوم تشهد السودان نجاحًا ملحوظًا لعصيان مدني راهنت الدولة على فشله وتجاهلته وسائل الإعلام العربية والأجنبية؛ ليكون نقطة نور في نفق عربي مظلم.
النص الأصلي اضغط هنــــــــــــــــــا